عام 2025 لنهاية الترتيبات العالمية والنظام الاقتصادي العالمي كما اعتدنا عليه
قال محمود محيي الدين، مبعوث الأمم المتحدة لتمويل التنمية، إن الوضع الاقتصادي العالمي شهد منذ فترة طويلة تراجعًا كبيرًا مرتبطًا بموضوعات التجارة والاستثمار، مشيرًا إلى أنه قبل عام 2020 كان هناك أكثر من 900 قيد على حركة التجارة الدولية، بينما ارتفع هذا العدد مؤخرًا، وقبل الإجراءات الأخيرة من قبل الرئيس الأمريكي، إلى أكثر من 3400 قيد.
وأضاف محيي الدين خلال مقابلة مع قناة "سي إن بي سي عربية"، أن العالم يشهد قدرًا عاليًا جدًا من الهشاشة والتوتر في حركة التجارة والاستثمار، إلى جانب التفاف متزايد حول القواعد الخاصة بمنظمة التجارة العالمية.
وقرر الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، فرض رسوم على كل من مصر والسعودية والإمارات والمغرب بنسبة 10%، والأردن بنسبة 20%، كما قرر فرض رسوم بنسبة 41% على سوريا، وبنسبة 31 % على ليبيا، وعلى العراق بنسبة 39%، كما قرر فرض رسوم بنسبة 34% على الصين، و20% على الاتحاد، وبنسبة 24% على الواردات من اليابان، وفرض رسوما بنسبة 10% على الواردات من كل من بريطانيا وسنغافورة والبرازيل، كما تواجه كندا والمكسيك، أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، بالفعل رسوما جمركية بنسبة 25 % على العديد من السلع.
وأضاف عندما تأتي قرارات دونالد ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية التي هي كبيرة من نوعها من حيث القيم، وتصدر عن ثاني أكبر اقتصاد عالمي من حيث التجارة، وأول اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، لم يكن من الغريب إذًا أن تنخفض وتتدهور أوضاع الأسواق المالية العالمية.
وأضاف يمكن اعتبار عام 2025 عامًا لنهاية الترتيبات العالمية والنظام الاقتصادي العالمي كما اعتدنا عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد يكون هذا بمثابة آخر مسمار في منظومة الترتيبات التي عرفناها في مجالي التجارة والاستثمار".
وتابع التوقعات للنمو خلال هذا العام والتي صدرت عن مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، كانت تُقدّر بأنها ستتراوح بين 2.8% و3.2%، وهي نسب قريبة من متوسطات العامين الماضيين، لكننا نتوقع أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سوف يتراجع".
وتابع، "الترتيبات الجديدة، ومن سيكون المهيمن في المرحلة القادمة، لا يزال من المبكر تحديده أو القول ما هو شكل النظام الجديد، ولكن في هذه الأثناء، كما لاحظتَ في لقائنا اليوم، هناك حديث متزايد عن علاقات ثنائية، وتحول في مسارات التجارة، وأيضًا عن مزيد من التعاون الإقليمي".
وأضاف "وجدنا هذا واضحًا في مداخلات المتحدثين من مجموعة دول الآسيان، ومجموعة الدول الأفريقية، والدول الآسيوية، وحتى بين الدول الأوروبية عبر المتوسط والمنطقة العربية، مما يشير إلى نشوء ترتيبات إقليمية جديدة تتغير من خلالها مسارات التجارة وحركة الاستثمار".
وأردف، "أيضًا كان هناك تفاؤل بعد السيطرة على معدلات التضخم، خاصة في البلدان المتقدمة، بأن يكون هناك اتجاه لانخفاض التضخم والتقليل من التوقعات السلبية المرتبطة به، ولكن ما شهدناه خلال الأسبوعين الماضيين هو تزايد في هذه التوقعات السلبية بشأن التضخم، الأمر الذي وضع البنك الفيدرالي الأمريكي في موقف لا يُحسد عليه فيما يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها للتعامل مع أسعار الفائدة".
وتابع: "الحديث الآن بات عن الكساد، وهناك من يتحدث عن ركود تضخمي، أي تزامن تراجع النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدلات التضخم، وهي احتمالات زادت عن أي وقت مضى".
وتطرّق إلى أثر ذلك على الدول النامية والعربية، قائلاً: "العبرة هنا بالنسبة لبلداننا العربية وبلدان الجنوب وأن هناك تأثيرات سلبية، سواء بشكل مباشر على من يتعرض لارتفاع التعريفة الجمركية، أو بشكل غير مباشر، ولكن في الوقت ذاته هناك أيضًا فرص لتعزيز العلاقات الإقليمية مقارنة بما كانت عليه سابقًا"، مردفا "والدول التي نتحدث عنها، وهي دول المنطقة، تتحرك أغلبها في إطار تعريفة جمركية لا تتجاوز 10%، وهو الحد الأدنى ضمن تعريفات ترامب".
وأضاف أن هناك فرص لمن لديه الجاهزية، وهناك دول تضررت بتعريفات تجاوزت 30% و40%، وقد يؤدي ذلك إلى تحويل حركة التجارة منها إلى بلدان ذات تعريفات أقل، ومنها تُعاد التصدير، لكن في المقابل، علينا الانتباه إلى احتمالية اتخاذ الولايات المتحدة لإجراءات مضادة، ولذلك يجب مراعاة ما يُعرف بقواعد المنشأ أو الـ Rules of Origin المعترف بها دوليًا".
وقال، إن هناك أيضًا دول ترى في ما يحدث فرصة لإعادة التفكير في طبيعة العلاقات التجارية العالمية، خاصة في ضوء الحديث المتكرر منذ جائحة كورونا عن سلاسل الإمداد، وهناك فرصة لمراجعة أدوار بلداننا العربية والأفريقية لتكون طرفًا أكثر فاعلية من حيث القيمة المضافة، وهذه فرصة جيدة، لكنها تحتاج إلى وقت، فالأمر ليس كمن يضغط على مفتاح الكهرباء لتشغيله وإيقافه، المسألة تستغرق وقتًا لتشجيع الاستثمار في التصنيع وإعادة توجيه القدرات الإنتاجية".
وحذر بشدة من احتمالية حدوث موجات من الإغراق، ولذلك ينبغي على المراقبين التجاريين في الدول العربية والأفريقية أن يكونوا أكثر يقظة تجاه السلع الزائدة التي قد لا تُصدّر إلى الولايات المتحدة وتُوجَّه إلى أسواقنا، مما يستدعي الحذر في ما يتعلق برسوم الإغراق".
وتابع: "أما على صعيد السياسات، فالمطلوب هو تعزيز مجالات الاستثمار التي تحقق مزيدًا من الاعتماد على توطين التنمية وتوسيع آفاق التعاون الإقليمي".
وأضاف أننا استمعنا إلى أكثر من مداخلة من متحدثين على مستوى رؤساء جمهوريات، ورؤساء وزراء، ووزراء معنيين بالتجارة، جميعهم أكدوا ضرورة تجديد العلاقات التجارية، ولكن شددوا في الوقت ذاته على أهمية عنصر الثقة وتبادل المعلومات، والاتجاه نحو تنويع الشراكات، هذا لا يقلل من أهمية السوق الأمريكية باعتبارها الاقتصاد الأكبر عالميًا، ولكن في الوقت نفسه، نؤكد على أهمية تنويع الاقتصاد الداخلي، وتنويع التجارة والاستثمار على المستويين الإقليمي والدولي".