«تجربة روائية فريدة، نص ثرى وأفكار مغايرة»، جاءت ضمن نصوص رواية «صدى يوم أخير» الصادرة عن دار الشروق، للكاتبين الكبيرين إدوار الخراط ومى التلمسانى، حيث تُعدّ هذه الرواية نموذجا استثنائيا للكتابة الروائية المشتركة، والتى جرى صياغتها بشكل إبداعى متقن.
تضافرت فى رواية «صدى يوم أخير» إبداعات كاتبين من جيلين مختلفين، جيل التسعينيات الذى تميز بتحدّيه للأشكال الروائية السائدة، وجيل الخمسينيات الرائد فى تأسيس الرواية العربية الحديثة، برزت تجربة «صدى يوم أخير» بتميزها عن المألوف، فلم تقتصر على اتّباع مسارات محددة للشخصيات، بل اتّخذت مسارا مفتوحا، تاركةً للقارئ حرية استكشاف دروب الرواية وتكوين أفكاره الخاصة.
تُجسّد الرواية الصادرة عن دار الشروق، من خلال عنوانها، عمق تأثير الأفعال وذكرياتها، حيث تُخلّد أصداءها فى نفوسنا على مرّ الزمن، وقد بدأت رحلة كتابة «صدى يوم أخير» عام 2002، عندما شرع الكاتب إدوار الخراط فى كتابة الفصل الأول لصالح إحدى المجلات العربية الشهيرة.
غلاف كتاب صدى يوم أخير
ونظرا لإعجابه بأعمال مى التلمسانى، رغم تواجدها آنذاك فى كندا، رشّحها لمشاركة رحلته الإبداعية. تُشكّل «صدى يوم أخير» شهادةً على قدرة التعاون الإبداعى على إثراء المشهد الروائى، وتُقدّم للقارئ تجربةً فريدةً من نوعها، رحلةً أدبيةً ثنائيةً تُلامس أعماق النفس وتُثير التأمل بشكل كبير لدى القارئ، فقد غاص إدوار الخراط، ذلك المغامر فى عالم الرواية، فى تجربة ثرية للكتابة المشتركة مع مى التلمسانى، حيث لم تكن روح هذه التجربة سلطوية، بل كانت حوارًا مفتوحًا بين كاتبين يمتلكان وجهتى نظر مختلفتين.
وفّر هذا التناغم مساحة رحبة لاستكشاف أفكار جديدة من خلال رواية ثنائية فريدة. تناولت الرواية موضوعًا شيقا دار حول علاقة الحب التى جمعت بين الفنان إدريس بطل الرواية وشخصية البطلة المتمثلة فى الكاتبة الصحفية ليلى ثم تخلى إدريس عنها، ومشهد قمة فهو متمثل فى لحظة رجوع إدريس إلى ليلى يوم عيد ميلادها ورسمه لوحة تبرز ملامحها بشكل كبير، وبين الضحكات العالية فى حضورها لشخصية ناهد فى العمل لتعبر عن الانتصار والتهكم.
وببراعة شديدة جسد كل من إدوار الخراط ومى التلمسانى الحب بين شخصيتى إدريس وليلى كأنه صراع على السلطة والقوة فى العلاقة، حيث تجلت القسوة بأشكالها المتعددة، السياسية والعاطفية، تاركة أثرها على الشخصيات، وقد سعت مى التلمسانى لفهم دوافع هذه القسوة، ليس تبريرًا لها، بل لمعرفة دوافع تصرفات الشخصيات.
تجسد ذلك بوضوح فى شخصية ليلى، التى تمكنت من النجاة من قسوة الواقع وردود أفعاله، وتحولت من ضحية إلى مصدر قوة. طرحت الرواية الصادرة عن دار الشروق، قضايا إنسانية عميقة أخرى، حيث تساءلت عن دور أخلاقيات الفنان فى إبداعه، وفتحت نقاشًا حول تأثير المرأة فى المجتمع، خاصة من خلال شخصية ليلى التى كسرت قيود النمطية وباتت فاعلة فى مسار الأحداث.
لقد تحدّت ليلى المألوف، ورفضت أن تكون مجرد ضحية، لتُصبح رمزًا لقوة المرأة وإرادتها. وقد انغمست الرواية فى غياهب وهم الحب الصادق، لتُبحر بنا فى رحلة سردية ساحرة نسجتها ببراعة الكاتبة مى التلمسانى. استطاعت مى أن تُعيد صياغة هذه السردية بأسلوبها الفريد، لتكشف لنا عن بعد جديد لم يكن مرئيا من خلال وجهة نظر الشخصية الرئيسية «ليلى». ففى رحلتها عبر صفحات الرواية، تدرك ليلى الحقيقة وتُعيد النظر فى حياتها، مُتخلصة من عباءة الضحية لتواجه الحياة بعقلية قوية وواعية.
تُقدم لنا رواية «صدى يوم أخير» تجربة أدبية فريدة من نوعها، أشبه بمغامرة شيقة تُغرقنا فى عالمها الساحر. تُجسد الرواية فلسفة الكاتبة من خلال جملة شعرية كتبتها مسبقا، تعكس حرية الرواية وتآلفها مع الكاتبة، فكلاهما يبحث فى الآخر عن الشىء الضائع، مع تسليط الضوء على رحلة تحول عميقة للشخصية الرئيسية «ليلى»، رحلة تُعيد فيها اكتشاف الذات وتغيير نظرتها للحياة.
تُقدم الرواية درسا قيّما عن قوة الإيمان بالنفس وقدرتها على التغلب على الصعاب، وتُلهمنا للبحث عن حقيقتنا والتخلص من القيود التى تُعيقنا عن تحقيق أحلامنا.