بدأ المسلمون في غالبية بلدان العالم الإسلامي احتفالهم بقدوم شهر رمضان المعظم،ويحتفظ رمضان بخصوصية وتفرد عن غيره من أيام السنة؛ حيث تزخر به الطقوس والعادات وطقوس مميزة وعادات التي تضفي أجواء فريدة من البهجة والسعادة.
* الفاطميون وثلاثين عيدًا في السنة
ويرى المؤرخون أن عناية الفاطميين بالاحتفال بالأعياد والمناسبات بلغت حدا لم تبلغه أي دولة من قبل؛إذ بلغت في عهدهم ما يقرب من ثلاثين عيدًا واحتفالا في السنة، شملت الأعياد الإسلامية والقبطية وأعيادًا أخرى أدخلها الفاطميون إلى مصر، وذلك وفقا لكتاب:" الوصلة إلى الحبيب" لابن العديم.
* الاستعانة بأمهر الصناع
وكان الفاطميون يحرصون على اقتناء الصناع المهرة في فن الطبيخ وصناعة الحلوى؛ فيذكر المقريزي: كان بمصر جوار طباخات أصل تعليمهن من قصور الخلفاء لهن في الطبخ صناعة عجيبة ورياسة متقدمة.
كذلك يذكر ابن العديم أن نصر الدولة أحمد بن مروان صاحب ديار بكر وكان أميرًا متهالكا على اللذة، قضى أيامه ولياليه جادا في طلب أطايب الحياة من مأكل ومشرب ومجلس أنس، وعندما رغب في أن يبلغ طهاته مستوى رفيعا في إجادة فن الطباخة وصناعتها لم يرسل بهم إلى بغداد لإتقان هذه الصناعة مع كونها أقرب إلى بلاده، بل أرسل طباخيه إلى مصر ليتعلموا أنواع الأطعمة.
* ما دوافع الاهتمام بالاحتفالات؟
على الجانب الآخر كانت رغبة الفاطميين في تثبيت شخصيتهم وإبرازها في ظل وجود الخلافة العباسية عاملاً من عوامل التنافس مع بلاط العراق وسامراء، لذلك تفننوا في طبع بلاطهم في القاهرة بطابع الترف البالغ من خلال توزيع أصناف عديدة من الحلوى في الأعياد والمناسبات وعمل الأسمطة في شهر رمضان من ناحية أخرى كان حرص الفاطميين على إشباع المصريين إشباعا دينيا عن طريق الاحتفال بالأعياد الدينية السنية والشيعية على السواء. سببا لاستخدامهم للحلوى في هذه الأعياد. أولا لجذبهم للمذهب الشيعي، وثانيا لجعلهم منشغلين عن محاسبة الحكام، بحسب كتاب" صور من حياة الفاطميين في مصر" للدكتور محمد أحمد إبراهيم.
* دار الفطرة
وعبر الفاطميون عن اهتمامهم بالحلوى منذ عهد الخليفة العزيز بالله 365 - 386هـ) ثاني خلفاء الفاطميين في مصر، فقد بني العزيز بالله دارا أطلق عليها دار الفطرة لصنع الحلوى في عيد الفطر.
وقد ذكر ابن الطوير والمقريزي أن دار الفطرة كانت خارج القصر قبالة باب الديلم الذي يدخل منه إلى مشهد الحسين وإلى القصر، ويحدد موقعها اليوم بمجموعة من المباني الواقعة بين شارع الباب الأخضر وشارع أم الغلام بالجمالية.
وقد سار خلفاء الفاطميين على نهج العزيز بالله في الاهتمام بدار الفطرة وتوفير ما تحتاجه من المواد اللازمة لصناعة الحلوى، لأرباب الوظائف في الدولة وأيضًا للعامة من الشعب في العديد من المناسبات والأعياد، فيذكر كل من ابن عبد الظاهر وابن الطوير والمقريزي عن كميات المواد اللازمة لصنع الحلوى بدار الفطرة ويكون مبدأ الاستعمال فيها تحصيل جميع أصنافها من السكر والعسل والقلوب والزعفران والطيب والدقيق،فكان يجهز لها ألف حملة من الدقيق، وأربعمائة قنطار سكرا، وستة قناطير فستقا وأربعمائة أردب زبيبا، وخمسة عشر قنطارًا عسلا، وثلاثة قناطير خلا، وأردبين سمسم وأردبين أنيسونًا، وخمسين رطلا ماء ورد، وخمس نوافح مسك، وكافور قديم عشرة مثاقيل. وزعفران مطحون مائة وخمسون درهما، وشيرج مائتا قنطار، وحطب ألف ومائتا حملة، وزيت طيبرسم الوقيد ثلاثين قنطارا، وفقا لكتاب" الروضة البهية الزاهرة في خطط المعزية القاهرة"لابن عبد الظاهر وتتحقيق أيمن فؤاد سيد، وصدر عن "مكتبة الدار العربية للكتاب".
* دار الفطرة
ويشير الكتاب في موضع آخر إلى دار الفطرة والتي كانت تنتج في مدة أولها مستهل شهر رجب وآخرها نهاية شهر رمضان، عن تسعة وثمانين يومًا، مائة وثمانية وسبعين رطلا لكل ليلة رطلان وكان ذلك يسمى بالتعبئة؛ لأنه كان يفرق في أوان لا تستعاد وكان الخليفة الفاطمي يحضر إلى دار الفطرة بنفسه بصحبة الوزير لمشاهدة ما صنع من الحلوى قبل توزيعها.
ويضيف الكتاب: "كانت دار الفطرة يخرج منها العديد من أنواع الحلوى لتوزع على أرباب الدولة من الكبار والصغار في صوان يختلف حجمها ونعتها حسب مكانة المرسلة إليه، فيذكر القلقشندي: «فتفرق الحلوى من ربع قنطار إلى عشرة أرطال إلى رطل واحد وكان يقوم بمهمة التفرقة رجال متخصصون وهم يرتدون أفخر الثياب".