بعد دخولها العاصمة السورية دمشق، وإسقاطها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تمكنت قوات المعارضة السورية من اقتحام سجن "صيدنايا" وتحرير كل المعتقلين منه.
ويعد "صيدنايا" أحد أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا، وواحد من أكثر الأماكن سرية في العالم، والذي أُطلق عليه "المسلخ البشري" بسبب التعذيب والحرمان والازدحام داخله، ولُقب أيضا بـ"السجن الأحمر" نتيجة الأحداث الدامية التي شهدها.
في عام 2019، رصد كتاب "سجن صيدنايا خلال الثورة السورية: شهادات"، الذي أطلقته "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا"، تفاصيل مروعة عن الحياة داخل السجن سيئ السمعة، على لسان 14 شخصاً نجوا من الموت وتجرعوا أشد أنواع التعذيب والترهيب.
وروى الكتاب يوميات المعتقلين وما يتعرضون له من حرمان بسبب سياسات التجويع، وانقطاع المياه، والوضع الطبي المتردي، والعقوبات التي يتعرضون لها، وعمليات الإعدام، إضافة إلى أسلوب التحقيق الوحشي.
ووثق الكتاب لحظات مقتل معتقلين داخل السجن، والوسائل التي يعتمدها السجانون بعد ذلك لترهيب البقية بأجساد الأموات، وفقًا لشهادة أحد المعتقلين، وكيف أجبرهم السجانون على قتل زملائهم الأضعف مقابل الإبقاء على حياتهم، وتقديم بعض الطعام الإضافي لهم.
-الشهادة الثامنة.. التعذيب يُمارس بشتى أنواعه كالضرب والشبح
نقل الكتاب عن أحد المسجونين قوله: "اسمي مهاب صلاح الدين القطيني اعتقلت في 3 يناير 2017 في فرع الأمن العسكري 290 بحلب، بقيت في هذا الفرع مدة 33 يوماً، كانت أعداد المعتقلين فيه هائلة، وكان التعذيب يُمارس بشتى أنواعه كالضرب والشبح".
وأضاف: "في 5 فبراير حوّلوني إلى الفرع 248 بدمشق، وهو فرع التحقيق التابع لشعبة المخابرات العسكرية، هناك كان الوضع أفضل بقليل من حلب من ناحية الازدحام، وكان التعذيب أخف، كانوا قد وضعوا كاميرات في المهاجع وساد نوع من الانضباط فلم يعد السجناء يموتون كما في السابق، أما أثناء التحقيق فيتعرض السجين لشتى أنواع التعذيب كالشبح واقفاً، حين تبقى على قدميك لمدة 48 أو 72 ساعة، حسبما يقرر المحقق.
وأوضح: "هناك الشبح المعروف وهو التعليق لمدة ساعة، والضرب بالأنبوب الشهير باسم الأخضر الإبراهيمي، كان الطعام سيئاً جداً وقليلاً، كانت المدة المتعارف عليها للتحقيق 60 يوماً، لا يمرون، تمدد إلى 90 إن حصلت تطورات فيه، لكنني قضيت أكثر من ذلك وقتها لأنهم احتفظوا بجميع المعتقلين المنحدرين من مناطق ساخنة لاستخدامهم في عملية تبادل أسرى مزمعة".
وتابع مهاب: "تم تحويلي إلى سجن صيدنايا بتاريخ 20 سبتمبر 2018، هناك بدأ الاستقبال بالضرب كما هو معروف بالنسبة لنزلاء المبنى الأحمر بالتحديد، ثم أودعوني في إحدى المنفردات حتى تاريخ 12 نوفمبر من العام نفسه، كان الوضع سيئاً جداً، فالأكل قليل لا تتجاوز حصة الواحد منه رغيف خبز يومياً".
وأضاف، "يتوزع الطعام على ثلاث وجبات في الصباح حبتا زيتون وشاي يرميه السجان في أرض المنفردة، أما الغداء فمن الرز أو البرغل مع سائل من شوربة العدس أو مرقة المعكرونة، لم يكن مقبولاً فكنا نرميه عادة، وكان العشاء بطاطا مسلوقة، لم يكن باب المنفردة يفتح إلا مرتين في اليوم الأولى لإدخال طعام الفطور، والثانية لطعام الغداء والعشاء سوياً ويوزعونه وقت الغداء".
وأردف: "يستطيع السجان ضربنا متى شاء ولأي سبب كان يستمتع بذلك، عدا الشتائم والإهانات، وكنا نسمع أصوات الضرب من المهاجع التي لم أحوّل إليها، بل قضيت هذين الشهرين تقريباً في المنفردة التي تشاركت فيها مع شخصين وكانت مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة، وفيها مرحاض، لم يكن بمقدورنا فعل شيء سوى الأكل والنوم، لكن النوم في النهار كان ممنوعاً فكنا نتناوب عليه بسبب المساحة وكي ينتبه أحدنا إلى مجيء السجان فيوقظ النائم".
وتابع مهاب: "كان التعذيب يشمل الضرب والشبح كذلك، كنا نسمع أصوات المشبوحين ولكن لا نعرف أين هم، أما الضرب فحين يخطر للسجان فإنه يُخرج أي شخص من إحدى المنفردات ويأخذ بضربه كي يتسلى ليلاً، في المنفردة التي كنت فيها لم يخرج أحد منا للضرب ولا للشبح، أفرج عن أحد رفيقي قبلي، وخرجت وتركت الثالث".
واستكمل: "بعد صيدنايا حولوني إلى فرع الشرطة العسكرية لمدة 5 أيام، ثم إلى سجن عدرا لـ16 يوماً، ثم أفرج عني".