في 11 ديسمبر 1911، وُلد نجيب محفوظ في حي الجمالية بالقاهرة التاريخية. لم يكن هذا الميلاد مجرد بداية لحياة أديب سيحمل إرث الأدب العربي ويصعد إلى منصة نوبل، بل كان ميلادًا لأحد أبرز الأصوات التي عبرت عن روح القاهرة وحكاياتها. من الأزقة الضيقة إلى المقاهي الثقافية، كانت المدينة الشاهد الدائم على معاناته وانتصاراته الأدبية.
ومع ذكرى ميلاده، نستعيد تاريخ القاهرة في اليوم الذي وُلد فيه، كما وثقه الكاتب محمد شعير في كتابه "أعوام نجيب محفوظ: البدايات والنهايات" الصادر عن دار الشروق، لنكتشف أجواء المدينة في تلك الحقبة التي شكلت الأساس لأبرز أعماله الأدبية.
- يوم شتوي عاصف.. رواج المسرح واستقبال العائدين من رحلة الحج
كان ذلك اليوم شتويا عاصفا؛ إذ انخفضت درجات الحرارة إلى 12 درجة مئوية مع هطول أمطار غزيرة على القاهرة والمدن الساحلية. تلك البرودة القاسية، وفقًا للمقاييس المصرية، لم تمنع الموظفين من العودة إلى أعمالهم بعد عطلة عيد الأضحى، كما لم تمنع الأهالي من التوجه إلى الموانئ لاستقبال ذويهم العائدين من رحلة الحج.
وفي المساء، كانت السهرات عامرة بالأنشطة الثقافية والفنية؛ حيث أعلنت دار التمثيل العربي عن عرض رواية "شهداء الغرام" من تمثيل وتلحين الشيخ سلامة حجازي، والمقتبسة عن رواية "روميو وجولييت"، كما شهدت الحفلة تقديم رواية جديدة بعنوان "الشمس والخالق".
أما تياترو عبد العزيز، فقد عرض رواية "عواطف البنين"، في حين قدم جورج أبيض مع فرقته رواية "كارمن" في الأوبرا الخديوية، ما أثار جدلا واسعا بسبب العروض الأجنبية. وفي قاعات السينما، عرض مناظر طبيعية وروايات وفصول جديدة، مما يعكس تطور السينما كفن حديث يحظى برعاية الخديوي عباس حلمي الثاني واهتمام المجتمع المصري آنذاك.
- جورج أبيض ومهمته الثقافية
كان جورج أبيض، الذي عاد من باريس قبل شهرين موفدا من الخديوي لدراسة الفن، يتولى مهمتين رئيسيتين: الأولى هي تعريب التعليم المصري بتكليف من سعد زغلول، وزير المعارف آنذاك، والثانية تكوين فرقة عربية تقدم روايات مترجمة على غرار الفرق الفرنسية. وقدمت فرقته روايات مثل "أوديب ملكاً" بتعريب فرح أنطون، و"لويس الحادي عشر" لكازيمير دي لافين، بتعريب الكاتب إلياس فياض.
- لائحة التياترات
أصدرت السلطات لائحة جديدة لتنظيم عمل المسارح (التياترات) في مدن مصر، تضمنت تخصيص مكان لضابط من ضباط البوليس في كل مسرح لمراقبة العروض، مع فرض غرامات تصل إلى 100 قرش للمخالفات، إضافة إلى إمكانية إغلاق المسرح. كما تم تشكيل لجنة خاصة لمنح التراخيص للمسارح، برئاسة حكمدار البوليس وعضوية عدد من المختصين.
- ضريبة النخيل ومشاريع الزراعة
نشرت جريدة الأهرام خبرا عن اجتماع مجلس "شورى القوانين" لمناقشة ضريبة النخيل، التي تفرض على المزارعين دفع عشر قيمة منتجات النخيل من تمر وخوص وجريد وليف، كما استقبلت مصر وفدا من جمعية تنشيط زراعة القطن الإنجليزية لدراسة زراعته في السودان.
- أخبار الجريمة والسياسة
لم تذكر الصحف في ذلك اليوم، سوى خبر واحد عن الجريمة، يتعلق بالحكم على إسماعيل أفندي صبري، كاتب خفر مركز أبو حمص، بالسجن سنة مع التشغيل بتهمة اختلاس 54 جنيها من أموال الحكومة.
سياسيا، تطرقت الصحف إلى توقعات بإجراء تغيير في هيئة الوزارة المصرية. ونفت جريدة المصري ما نشرته صحيفة الجورنال دي كير ساج حول استقالة سعد زغلول من منصبه كوزير للمعارف، مؤكدة أن هذا مجرد إشاعة لا أساس لها.
- سعد زغلول.. من السلطة إلى المعارضة
يشير الكاتب محمد شعير إلى أن مصر في ذلك الوقت كانت تعيش "استراحة طويلة بين ثورتين": الأولى هي الثورة العرابية التي قادها أحمد عرابي عام 1882، والثانية هي ثورة 1919 التي كان سعد زغلول زعيمها المرتقب.
ورغم وجود سعد زغلول في السلطة كوزير للمعارف، لم تكن بوادر الثورة قد ظهرت بعد، بينما كان المشهد السياسي يتصدره محمد فريد، الذي أفرج عنه قبل 5 أشهر بعد قضاء عقوبة الحبس 6 أشهر، بسبب كتابته مقدمة لديوان "وطنيتي" للشاعر علي الغاياتي، الذي هرب لاحقا إلى إسطنبول ثم إلى جنيف، حيث أصدر صحيفة باللغة الفرنسية بعنوان "منبر الشرق".