تمثل لحظة مغادرة الرئيس المخلوع بشّار الأسد، فجر الأحد الماضي، مشهدا فارقا في التاريخ السوري أنهى ما يزيد عن نصف قرن من حكم آل الأسد، الذي أثيرت حوله كثير من الانتقادات بشأن التضييق وإحكام قبضة حديدة على الشعب السوري.
وغادر الأسد بلاده متوجها للعاصمة الروسية موسكو طالبا اللجوء، بعدما باتت ميليشيات المعارضة السورية على بعد خطوات من دمشق.
ويعد مشهد هروب الأسد متكررا في التاريخ السياسي، فقد سبقه قادة وزعماء فروا من بلدانهم تحت ضغوط شديدة، ويكملوا ما تبقى من حياتهم في منفى تطاردهم ذكريات السلطة.
ونستعرض خلال التقرير التالي أهم القادة والزعماء الذين فروا من بلدانهم وأكملوا ما تبقى من حياتهم في بلدان أخرى حتى وفاتهم..
- زين العابدين بن علي
في 14 يناير 2011، كانت تونس على موعد مع لحظة تاريخية مفصلية، إذ شهدت البلاد هروب الرئيس زين العابدين بن علي، الذي حكم البلاد لمدة 23 عامًا بقبضة من حديد، جاء هذا الحدث بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية الغاضبة التي اجتاحت المدن التونسية، مطالبة بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
واندلعت الشرارة الأولى للثورة في ديسمبر 2010، عندما أقدم الشاب محمد البوعزيزي على إشعال النار في جسده احتجاجًا على الظلم والتهميش، ليصبح رمزًا لغضب الشعب التونسي.
مع تصاعد الاحتجاجات واتساع رقعتها، فشل النظام في احتواء الأزمة، رغم محاولاته استخدام القوة وإطلاق الوعود بالإصلاح، وتحول الشارع إلى ساحة للغضب الجماعي، وتزايدت الهتافات التي تطالب بإسقاط النظام ورحيل بن علي، لتصل الاحتجاجات إلى قصر قرطاج، حيث أصبح بقاء الرئيس في السلطة مستحيلًا.
وفي يومه الأخير كرئيس، حاول بن علي تهدئة الغضب الشعبي بإعلان تنازلات، من بينها عدم ترشحه للرئاسة مجددًا في 2014، لكن هذه المحاولات قوبلت بالرفض من قبل المحتجين، الذين اعتبروها متأخرة وغير كافية.
مع تصاعد الضغط من الشارع وتدهور الوضع الأمني، قرر بن علي الفرار مع أسرته إلى المملكة العربية السعودية، حيث استقبلته السلطات السعودية في مدينة جدة، ليعيش هناك في المنفى حتى وفاته عام 2019.
-شاه إيران رضا بهلوي
في يوم 16 يناير 1979، غادر محمد رضا بهلوي، شاه إيران، بلاده إلى المنفى، بعد أن استمر حكمه أكثر من ثلاثة عقود، وكان هذا الهروب بمثابة نهاية فصل طويل من الحكم الملكي المطلق وبداية عهد جديد رسمته الثورة الإسلامية، التي غيّرت ملامح إيران والعالم الإسلامي.
جاءت مغادرة الشاه بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية المتزايدة، التي اندلعت في مختلف أنحاء البلاد بسبب الفساد، وتفشي الفقر، والقمع السياسي، وغياب الحريات تحت حكم النظام الملكي.
بدأت جذور الأزمة تتعمق مع السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعها الشاه في إطار برنامج "الثورة البيضاء"، الذي شمل إصلاحات زراعية وتحديثات صناعية لم تلق قبولًا واسعًا من الفئات التقليدية في المجتمع الإيراني، إلى جانب ذلك، أدى التحالف الوثيق بين الشاه والولايات المتحدة إلى إثارة استياء قطاعات واسعة من الشعب، حيث اعتُبر رمزًا للتبعية الأجنبية وقمع الهوية الوطنية والدينية لإيران.
مع تصاعد المظاهرات التي قادتها مختلف القوى السياسية والدينية، برزت شخصية آية الله روح الله الخميني كزعيم للثورة، وفي الوقت الذي حاول فيه الشاه استعادة السيطرة عبر فرض الأحكام العرفية واستخدام الجيش لقمع الاحتجاجات، زاد ذلك من اشتعال الغضب الشعبي بدلًا من إخماده.
في الأشهر الأخيرة من حكمه، أدرك الشاه أنه فقد السيطرة على البلاد، وازدادت عزلته مع تراجع الدعم الدولي، حتى من أقرب حلفائه.
وحاول التفاوض على تشكيل حكومة انتقالية، لكنه لم يتمكن من استعادة ثقة الشعب أو الجيش، وفي لحظة درامية، قرر الشاه مغادرة إيران مع زوجته فرح ديبا في رحلة شملت عددًا من الدول، حيث تنقل بين مصر، والمغرب، وجزر الباهاما، والمكسيك، قبل أن ينتهي به المطاف في الولايات المتحدة للعلاج، ثم في مصر التي استقبلته بقرار من الرئيس أنور السادات وبقي بها حتى وفاته عام 1980 ودفن بمسجد الرفاعي.
- عيدي أمين
وفي ذات عام سقوط الشاه الإيراني، شهدت القارة الإفريقية مشهد مشابه، حيث انتهت حقبة عيدي أمين، الديكتاتور الأوغندي المعروف بوحشيته، عندما أُجبر على الفرار من البلاد بعد غزو القوات التنزانية وموجة تمرد داخلية أطاحت بنظامه الدموي في عام 1979.
مع دخول القوات التنزانية العاصمة كمبالا، بدا واضحًا أن نهاية عهد أمين قد حانت، هرب الرئيس الذي أطلق على نفسه ألقابًا مثل "آخر ملوك اسكتلندا" إلى ليبيا، ثم استقر في السعودية، حيث عاش في منفى بعيدًا عن المحاكمات الدولية أو الانتقادات التي لاحقته طوال حياته.
-أشرف غني
ومن النماذج التي جرت مؤخرا لهروب الزعماء والقادة، يأتي مغادرة الرئيس الأفغاني أشرف غني العاصمة كابل بشكل مفاجئ، تزامنًا مع دخول قوات حركة طالبان إليها، مما أدى إلى انهيار الحكومة الأفغانية في أغسطس 2021.
وفقًا لتصريحات مستشاريه، غادر غني البلاد بملابسه التي كان يرتديها فقط، دون حمل أي أموال أو مقتنيات ثمينة، متوجهًا أولاً إلى مدينة ترمذ في أوزبكستان، حيث أمضى ليلة واحدة، ثم انتقل إلى الإمارات العربية المتحدة.
في مقابلة مع شبكة "بي بي سي"، أوضح غني أن قراره بالمغادرة كان مفاجئًا، وأنه لم يكن يتوقع أن يكون ذلك اليوم هو الأخير له في أفغانستان، وأشار إلى أن المعلومات الاستخباراتية أفادت بأن حياته كانت مهددة في حال بقائه، مما دفعه لاتخاذ قرار المغادرة حقنًا للدماء.