فكرة إطلاق "كأس أمم أوروبا لكرة القدم" يعود تاريخها إلى الفرنسي هنري دولوني، الذي تحدث عنها لأول مرة في 5 فبراير 1927، ومع ذلك لم تجد هذه الفكرة قبولاً واسعاً في ذلك الوقت، خصوصاً وأن اهتمام عشاق كرة القدم كان مركزاً حول استعدادات انطلاق كأس العالم الأولى في أوروغواي عام 1930.
فكرة دولوني استمرت لفترة طويلة قبل أن تصبح واقعاً، إلى أن تأسس الاتحاد القاري (اليويفا) في الخمسينيات من القرن الماضي. ومع ذلك، فارق دولوني الحياة عام 1955 دون أن يرى فكرته تتحقق، لكن نجله بيار، الذي خلفه كأمين عام للاتحاد الفرنسي، استمر في جهود أبيه ونجح في إقناع اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي في اجتماعها في مدينة كولن الألمانية عام 1957 بتبني هذه البطولة.
يشرح المؤرّخ بول ديتشي لوكالة فرانس برس أن "إنشاء كأس أمم أوروبا كان برغبة من هنري دولوني، الأمين العام للاتحاد الفرنسي ونجله بيار بعد وفاة والده".
كانت الكؤوس الأوروبية للأندية قد انطلقت عام 1956 وتابع مبارياتها جمهور غفير تخطى أحياناً 70 ألف متفرّج في لشبونة ومدريد وبلغراد وميلانو، فساهم هذا الأمر بدرجة كبيرة في تشجيع المسؤولين في الاتحادات الأوروبية على إطلاق بطولة للمنتخبات.
عرض رئيس الاتحاد الأوروبي الدنماركي إيبي شفارتس خطوات ملموسة لتحديد انطلاق البطولة الأولى، فلقي تشجيعاً خصوصاً من اتحادات إسبانيا والمجر واليونان التي اقترحت أن تكون البطولة بنظام خروج المغلوب اعتباراً من خريف عام 1958.
انقسام قاري
لم تعجب الفكرة الاتحادات البريطانية التي اعتبرت أنها تشكّل خطراً على بطولة بريطانيا التاريخية، كما عارضها الاتحاد الألماني.
إزاء هذا الوضع، ارتأى الاتحاد الأوروبي درس الأمر في مؤتمر دعا إليه في 28 يونيو عام 1957 في كوبنهاغن، وقد شارك في المؤتمر ممثلون عن 26 اتحاداً منضوياً إلى الاتحاد الأوروبي من أصل 29، في حين غاب ممثلو ويلز، ألبانيا وأيسلندا.
وتقدّمت لجنة منتدبة من الاتحاد الأوروبي مؤلفة من الفرنسي بيار دولوني، المجري غوستاف شيبيش والإسباني اوغوستين بوجول باقتراح يقضي بنظام خروج المغلوب من مباراة واحدة وليس بنظام الذهاب والإياب.
صوّت 14 اتحاداً لمصلحة هذا الاقتراح، وهي تشيكوسلوفاكيا، فرنسا، الدنمارك، ألمانيا الشرقية، اليونان، المجر، لوكسمبورغ، بولندا، البرتغال، رومانيا، الاتحاد السوفيتي، إسبانيا، تركيا، يوغوسلافيا، وعارضته سبعة اتحادات هي بلجيكا، فنلندا، هولندا، إيطاليا، النروج، سويسرا وألمانيا الغربية، في حين امتنعت اتحادات إنجلترا، إيرلندا الشمالية، اسكتلندا، جمهورية إيرلندا والسويد عن التصويت.
تتويج سوفيتي بقيادة ياشين
وبعد أن حصل على أكثرية الأصوات، قرّر الاتحاد الأوروبي إقامة البطولة مرّة كل أربع سنوات على أن تنطلق بين عامي 1958 و1960.
وفعلياً في 6 أغسطس أنطلقت بطولة أوروبا عام 1958، عندما قام الاتحاد الأوروبي بسحب قرعة الأدوار الأولى واُطلق اسم هنري دولوني على الكأس، واتُّفق على إقامة الدورين نصف النهائي والنهائي بطريقة التجمّع واختيرت فرنسا لتكون الدولة المضيفة.
بعد ملحق التأهل لنسخة 1960 الافتتاحية، بلغت منتخبات يوغوسلافيا، فرنسا، الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا الدور نصف النهائي.
وتغلبت يوغوسلافيا على فرنسا 5-4 في مباراة مثيرة بعد تخلّفها 1-4، سجّلت أربعة أهداف في مدى 24 دقيقة في الشوط الثاني وبلغت النهائي، حيث واجهت الاتحاد السوفيتي الفائز على تشيكوسلوفاكيا 3-0.
أقيمت المباراة النهائية على ملعب "بارك دي برانس" في باريس في 10 يوليو أمام 17966 متفرجاً، واحتاج الاتحاد السوفيتي بقيادة حارسه الشهير ليف ياشين إلى وقت إضافي لتخطي عقبة يوغوسلافيا 2-1.
سجل للفائز سلافا ميتريفيلي (49) وفيكتور بونيدلنيك (113)، بعد أن تقدّم ميلان غاليتش ليوغوسلافيا (43).
وقال بونيدلنيك: "كان الهدف في الدقيقة 113 الأهم في مسيرتي بالكامل".
سواريس قائد أوركسترا إسبانيا
أقيمت الأدوار النهائية لنسخة 1964 في إسبانيا، ونجحت الدولة المضيفة في تخطي المجر 2-1 في نصف النهائي بعد التمديد، لتلتقي الاتحاد السوفيتي حامل اللقب في النهائي، بعد فوزه الكبير على الدنمارك 3-0.
امتلأت مدرّجات ملعب سانتياغو برنابيو بـ 79 ألف متفرّج في نهائي 21 يونيو، ومن بينهم الرئيس فرانكو، ونجحت إسبانيا في انتزاع باكورة ألقابها الدولية على مستوى المنتخب الأوّل، بفوز صعب على الاتحاد السوفيتي 2-1.
سجل للفائز خيسوس ماريا بيريدا (6) ومارسيلينو (83)، وللخاسر غاليمزيان حسينوف (8).
تحدّث بيريدا عن أهمية زميله لويس سواريس الذي كان يحمل ألوان إنتر الإيطالي، قائلا: "شكّلنا وحدة جيدة، كان لدينا سورايس ليقود الأوركسترا، ثم امتلكنا لاعبين رائعين مثل أمانسيو ومارسيلينو الذي كان هدافاً بالفطرة، لقد كانت تشكيلة رائعة".
قرعة 1968 تبتسم لإيطاليا
منح الاتحاد الأوروبي إيطاليا شرف احتضان الأدوار النهائية لعام 1968، فاحتاجت إلى قرعة أمام الاتحاد السوفيتي بعد تعادلهما من دون أهداف، لتلاقي في النهائي يوغوسلافيا الفائزة بصعوبة على إنجلترا بهدف دراغان دجاييتش (86).
انتهت المباراة بتعادل إيطاليا ويوغوسلافيا 1-1 أمام جمهور غفير على الملعب الأولمبي في روما، بعد هدف متأخر لاصحاب الأرض في الدقيقة 80 عبر أنجيلو دومنغيني، فأُعيدت بعد يومين على الملعب عينه، وفيها تفوّق المضيف محققاً فوزاً مستحقاً بهدفي لويجي ريفا (12) وبييترو أناستازي (31) ليُتوّج بطلاً، وصف الحارس دينو زوف أداء فريقه بـ "المتكامل".