- معدلات الفقر فى الجمهورية قد تقفز إلى 35%.. والقضاء عليه لن يتم إلا بتحسين التعليم
- أى أسرة مكونة من 4 أفراد ويقل دخلها عن 2000 جنيه شهريًا هى أسرة فقيرة
- برامج الدعم النقدى للفقراء «مجرد مسكنات»
- كان يجب على الدولة اتباع سياسة تشجع الفلاحين على زراعة المحاصيل الأساسية قبل قرار تعويم الجنيه
- «دعم الصادرات» أموال تدفعها الدولة لأشخاص أغنياء بالفعل ولا يحتاجون إلى دعم.. ويجب ربطه على الأقل بحجم العمالة
ارتفعت معدلات الفقر فى الجمهورية خلال العامين الأخيرين لتصل إلى 27.8% من إجمالى الشعب المصرى فى 2015/2016، مقارنة بـ26.3% عام 2012 ــ 2013، ومع ذلك اتخذت الحكومة قرارات اقتصادية وصفت بالصعبة، ويتوقع أن يكون لها تأثير سلبى على حياة جميع الطبقات وليس الفقراء فقط.
زيادة أسعار البنزين، وتعويم الدولار، وفرض جمارك إضافية على بعض السلع المستوردة، وقبلها زيادة أسعار الكهرباء وزيادة الضرائب على السلع عبر قانون القيمة المضافة، ثم الحديث أخيرا عن نوايا حكومية لما سمى بـ«تنقية البطاقات التموينية»، كلها إجراءات دفعت «الشروق» لمحاولة استشراف مستقبل معدلات الفقر فى مصر خلال الفترة القادمة.
«الشروق» حاورت هبة الليثى، مستشارة جهاز التعبئة والإحصاء، وأستاذة الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى جامعة القاهرة، وصاحبة دراسة صدرت أخيرا تحت عنوان «مقاييس الفقر والتفاوت فى توزيع الاستهلاك عام 2015»، للحديث عن أسباب زيادة معدلات الفقر فى مصر، وكيفية مكافحة الظاهرة، وتقييمها للجهود الحكومية المبذولة فى هذا الصدد.
لن تحسن المشروعات القومية من أحوال الفقراء، خاصة أولئك الذين يقطنون الريف والصعيد، حيث تتركز أعلى معدلات الفقر فى مصر، وفقا لما تراه هبة الليثى، مشيرة إلى أن التعليم هو المفتاح الرئيسى لمكافحة الفقر، وأنه بجوار الصحة كان هو الأولى بزيادة الإنفاق خلال الفترة الماضية.
وتقول الأكاديمية بجامعة القاهرة: إن ارتفاع معدلات الفقر خلال السنوات الأخيرة يعود إلى غياب منظومة للتنمية الحقيقية تهتم بالتنمية البشرية وتعمل على تحسين ظروف المواطنين، للخروج من براثن دائرة الفقر، وهى عوامل لا يمكن مكافحتها بالمشروعات القومية.
«معدلات الفقر مرشحة للزيادة لتشمل 35% من إجمالى الشعب المصرى.. وقد أجريت دراسة بسيطة بعد قرارات رفع أسعار الكهرباء وفرض ضريبة القيمة المضافة، وافترضت ثبات قيمة الرواتب التى يتقاضاها المصريون، مع ارتفاع الأسعار بنسبة 15% فقط وليس أكثر، وجدت أن نسبة الفقراء ستصل إلى 35%»، قالت الليثى.
وترى الليثى، أن القرارات الاقتصادية الأخيرة للحكومة برفع سعر البنزين بنحو 30%، وتعويم الجنيه، والذى أدى إلى رفع سعر الدولار مقابل الجنيه بنحو الضعف، يعنى أن كل تكاليف المعيشة على المصريين سترتفع، وبالتالى سيتواصل ارتفاع نسبة الفقر.
يُشار إلى أن أسعار أغلب السلع الأساسية فى مصر، شهدت زيادة مع بدء تطبيق القيمة المضافة، وزيادة قيمة الدولار، وسجل معدل التضخم لشهر نوفمبر 20.2%، وهو الشهر الذى شهد قرار التعويم، ورفع أسعار البنزين.
وتوقع عدد من بنوك الاستثمار أن يشهد معدل التضخم زيادة كبيرة خلال العام القادم فى ظل الإجراءات الاقتصادية التى تسميها الحكومة (إصلاحية)، حيث توقع بنك الاستثمار «بلتون» أن يرتفع التضخم فى مصر خلال النصف الأول من العام 2017 بمعدل يتراوح بين 25 و30%.
ويُعرَّف التضخم بأنه الارتفاع المتزايد فى أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع ناتجا عن زيادة كمية النقد بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج.
وفى الدراسة التى أعدتها تحت عنوان «مقاييس الفقر والتفاوت فى توزيع الاستهلاك عام 2015»، قالت الليثى إن الفقر يمثل عقبة أساسية للتنمية المتواصلة ورفع معدلات النمو الاقتصادى، وأن الفقر والحرمان يشكلان خطرا على السلام والاستقرار السياسى والاجتماعى والأمنى، وأن الفقر يولد بيئة خصبة تنمو بها أشكال مختلفة من الانحراف والتطرف والمعارضة الجامحة التى تستهدف الدولة.
وخلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، وفقا لليثى، ارتفع معدل الفقر فى مصر من 16.7% فى عام 1999/2000 إلى 21.6%، فى 2008/2009 مصر، لتقفز إلى 27.8% فى 2015، بزيادة 1.5% عن عام 2012 ــ 2013 الذى كانت فيه معدلات الفقر 26.3%.
وتُعرِّف الليثى الفقر بأنه انعدام القدرة المادية على تأمين مستوى معيشة لائق يوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من الطعام والمسكن، والملابس، وخدمات، والتعليم، والصحة، والمواصلات، ووسائل الاتصال والترفيه.
ويحدد خط الفقر بالقيمة النقدية للحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، والفقراء هم الأفراد الذين يقل استهلاكهم عن خط الفقر.
وبحسب دراسة الليثى، فإن الفقير هو الذى يقل دخله عن 482 جنيها فى الشهر، وقدرت فيها أستاذة الإحصاء، احتياجات الأسرة المكونة من خمس أفراد إلى 2372 جنيه شهريا حتى لا تكون فقيرة وتستطيع الوفاء باحتياجاتها الأساسية فقط، بينما تحتاج الأسرة المكونة من أربع أفراد إلى نحو ألفى جنيه.
ومن المعروف أن هناك مستوى آخر من الفقر يسمى «الفقر المدقع»، وهو الفقر متعدد الأبعاد، والذى يعانى فيه الفرد من فقر أغلب الخدمات مثل التعليم، والصحة،، الكهرباء، والمياه، والصرف الصحى، وتصل نسبة هؤلاء فى مصر إلى 3.6%.
ويعرف الفقراء الذين يعانون من الفقر المدقع، بالسكان الذين يقع استهلاكهم تحت خط الفقر الغذائى.
«القضاء على الفقر لن يتم إلا بتحسين التعليم والصحة، واللذان يؤديان إلى رفع مستوى معيشة الشخص الفقير.. لا توجد أى وسيلة أخرى للخروج من براثن الفقر سوى التعليم والصحة»، قالت الليثى.
وترى الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن برامج الدعم النقدى التى تمنح للفقراء «مجرد مسكنات»، إذا لم تتضمن منح المحتاجين تعليما جيدا ورعاية صحية جيدة.
وبحسب الدراسة التى أعدتها الليثى، فإن نسبة الفقراء ترتفع مع الفئات الأقل حظا فى الحصول على التعليم، حيث أوضحت أن مستوى التعليم المنخفض هو أكثر العوامل ارتباطا بمخاطر الفقر فى مصر، وتتناقص مؤشرات الفقر كلما ارتفع معدل التعليم.
ووجدت الدراسة أن ثلث الفقراء فى مصر أميون، ولم تحصل الغالبية العظمى من الفقراء فى مصر بنسبة 66% إلا على التعليم الابتدائى على الأكثر، وعلى النقيض فإن 2.7% فقط من الفقراء حاصلون على التعليم الجامعى فأكثر.
وتضيف أستاذة الإحصاء، أنه كان من الأفضل أن توجه الأموال التى تنفق على المشروعات القومية على التعليم والصحة، للحد من نسبة الفقر فى مصر، قائلة إن «الدول التى نجحت فى خفض نسبة الفقر اهتمت بالتعليم والصحة، ورفعت معدلات الإنفاق على هذين البندين».
«كيف ستستفيد الدولة من المشروعات القومية وهناك نسبة كبيرة من المواطنين فقراء لم يتلقوا القدر الكافى من التعليم، وحالتهم الصحية غير جيدة؟ من سيعمل فى هذه المشروعات؟»، قالت الليثى مضيفة أن أغلب المشروعات التى تقوم عليها الدولة الآن تخدم مناطق راقية عبر مد طرق إلى مناطق عمرانية جديدة لن يسكنها إلا الأغنياء، ولن يستفيد منها الفقراء، «ربما يعمل فى رصف تلك الطرق أو بناء العاصمة الإدارية الجديدة بعض الفقراء من عمال البناء.. لكن لاحقا لن يستفيد أى منهم من المشروع نفسه».
وتوضح الليثى أهمية التعليم قائلة : «أنا قرأت إحدى المقالات التى تحدثت عن مثل صينى يقول إنك إذا أردت أن تطعم شخصا لمدة عام فأعطِ له حبوبا، وإذا أردت أن تطعمه لعشر سنوات فأعطِ له شجرة مثمرة، لكن إذا أدرت أن تضمن له حياة كريمة لمدة 100 عام فأعطِ له تعليما جيدا».
وتؤكد أستاذة الاقتصاد أن الجهود التى تبذل لمحاربة العشوائيات فى مصر لن تؤتى ثمارها بدون القضاء على منبع تكوين العشوائيات، وهو الفقر المنتشر فى ريف الوجه القبلى بقوة «إذا تم تحسين مستوى معيشة الفقراء فى الصعيد والمحافظات الريفية بصفة عامة لن تكون هناك هجرة من هذه المناطق إلى الحضر، وسيتم القضاء على العشوائيات».
ومن جهة أخرى، ترى الليثى أن مجرد رصف طرق بسيطة تخدم القرى أو النجوع وتربطها بالمراكز الحضرية للمحافظات، تؤثر بشكل إيجابى فى حياة أبناء هذه القرى، وتحسن مستوى معيشتهم.
وتوضح أن الصندوق الاجتماعى للتنمية أعد دراسة فى 2007 بعد إنشاء طريق بسيط ربط إحدى القرى بمصنع السكر فى قنا، ووجدت الدراسة أنه بسبب هذا الطريق تحسنت أحوال سكان القرية، وانخفض حجم الهدر فى محصول قصب السكر الذى كان يعانى السكان فى نقله إلى المصنع، «وبذلك تكون الطرق مفيدة فى حل مشكلات الفقراء لكن فى الأماكن التى ترتبط بأعمالهم ومعيشتهم».
أما عن قرار تنقية البطاقات التموينية، والذى يهدف إلى خروج الفئات غير المستحقة للدعم، فترى مستشارة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أنه «أمر غير سهل فى الوقت الراهن، خاصة بعد تطوير منظومة السلع التموينية وتطبيق نظام فرق نقاط الخبز».
«بحث الدخل والإنفاق الأخير، والذى تم فى 2015، أظهر أن 77% من أغنى 10% من السكان فى مصر لديهم بطاقات تموينية، مما يعنى أن هذه الفئة غير المحتاجة تحمل ميزانية الدولة أعباء، وأن جزءا من الدعم يذهب بالفعل لفئات غير مستحقة»، قالت الليثى.
وتضيف الليثى أنه مع ارتفاع الأسعار لأغلب السلع الأساسية، سيكون من الصعب على أى أسرة الاستغناء عن البطاقات التموينية، «كنا نطالب بأن يتم تنقية البطاقات قبل أن يتم تحسين منظومة السلع التموينية».
وتعمل الدولة فى الوقت الراهن على تنقية بطاقات التموينية، بحيث يتم استبعاد الفئات غير المحتاجة، وبحسب تصريحات سابقة لوزير التخطيط، أشرف العربى، فإنه تم تحديد 10 معايير للاستبعاد من البطاقات التموينية، وسيتم حرمان الأسر التى ينطبق عليها أربعة معايير من تلك المعايير العشرة.
ومن ضمن هذه المعايير على سبيل المثال، الأسر التى لديها طلبة فى مدارس خاصة وتزيد مصروفاتها عن 20 ألف جنيه فى السنة، أو من يملكون أكثر من سيارة، فضلا عن القضاة، والفرد الذى يزيد راتبه على 3 آلاف جنيه، والمسافرون للخارج أكثر من مرة سنويا، والمزارعون الممتلكون لـ3 أفدنة، والأسر التى يزيد دخلها الشهرى على 10 آلاف جنيه، ومديرو العموم فى الوزارات الحكومية المختلفة، وجميع البقالين التموينيين.
وبحسب تصريحات وزير التخطيط، فإن اللجنة المشكلة لمراجعة المستحقين للبطاقات التموينية، ستنتهى من أعمالها بنهاية العام المالى الحالى.
وترى الليثى أن هناك صعوبة فى تحديد قواعد بيانات استبعاد غير المستحقين، لكن من السهل أن يتم استبعاد سكان أحياء مثل منطقة التجمع الخامس، ومدينة نصر، وتحديد أصحاب السيارات بدء من فئة الـ2000 سى سى وأكثر، والعاملين فى قطاع البترول، والشرطة، والكهرباء، والقضاء، وأساتذة الجامعات.
ولفتت أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد، إلى وضع معايير للتظلم، وآلية للرجوع من جديد لمنظومة الدعم السلعى إذا تغيرت الظروف، «قد يكون رب أسرة يعمل فى جهة مثل البترول أو الكهرباء ويتقاضى راتب يزيد على عشرة ألاف جنيه، وبعد خروجه على المعاش يصبح إجمالى ما يتقاضاه لا يزيد على ألف وخمسمائة جنيه، ويكون مستحقا للدعم وقتها».
من جهة أخرى، ترى أستاذة الإحصاء بجامعة القاهرة، أن نسبة كبيرة من ارتفاع الأسعار فى مصر وزيادة معدلات التضخم، ترجع إلى وجود احتكارات كبيرة فى أغلب السلع، وتؤكد أن الدولة يجب أن تتبنى سياسة زراعية تشجع المزارعين على زرع بعض المحاصيل، بدلا من استيرادها من الخارج.
«كان يجب على الدولة أن تتبنى هذه السياسة وتشجع الفلاحين على زراعة المحاصيل الأساسية قبل وقت كاف من إعلان قرار تعويم الجنيه»، تقول الليثى، وتضيف أن مصر تعانى من عدم وجود سياسة زراعية تقى الناس من التضخم المستورد الذى يأتى مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا.
«أنا لا أرى أى سياسة زراعية واضحة للدولة تحد من حجم الاستيراد للسلع والاحتياجات الأساسية أو تساعد فى خفض الأسعار»، تضيف الليثى، وتنتقد استمرار الدولة فى دعم المصدرين بدون شروط، حيث يمنح هذا الدعم لكبار المصدرين، الذين هم أغنياء بالفعل، ولا يحتاجون إلى دعم، «دعم الصادرات يجب أن يكون مشروطا على الأقل بحجم العمالة الذى تشغله المنشأة، أو القيمة المضافة الذى يعطيها المصدر للصناعة».