سامى شرف يكتب ل«الشروق» عن كواليس العدوان الثلاثى بقلم (4-4) - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أبريل 2025 1:41 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

سامى شرف يكتب ل«الشروق» عن كواليس العدوان الثلاثى بقلم (4-4)

سامي شرف
سامي شرف

نشر في: الثلاثاء 14 يناير 2020 - 8:35 م | آخر تحديث: الثلاثاء 14 يناير 2020 - 10:54 م
المقاومة الشعبية..

كانت المقاومة فى منطقة القناة تعمل وفق تنظيم محكم تحت إشراف الرئيس، وتولى القيادة المباشرة كل من زكريا محى الدين وكمال الدين حسين وصلاح سالم يعاونهم على سيبل المثال لا الحصر كل من:
كمال الدين رفعت – عبدالفتاح أبو الفضل – سعد عفرة – محمد فائق – سمير غانم – لطفى واكد – محمود حسين عبدالناصر –فريد طولان – صلاح الدسوقى ومجموعة من ضباط الشرطة – بالإضافة إلى مجموعة من ضباط الصاعقة المصرية منهم جلال هريدى – احمد عبدالله – حسين الفار- وآخرين . . . إلى جانب العديد من العناصر المدنية، وكان من ضمنهم سيدات مثل أمينة شفيق من جريدة الأهرام؛ التى سافرت إلى بور سعيد بصحبة بعض السيدات، وقد دخلنها فعلا عن طريق التسلل عبر بحيرة المنزلة .
عندما اشتعلت المقاومة فى بورسعيد اتخذ جمال عبد الناصر قراره بالذهاب شخصيا إلى المدينة الباسلة للإطلاع بنفسه على ما يجرى فيها، ولكن كل المحيطين به أعربوا عن اعتراضهم على هذا القرار حرصا عليه، وما أذكره الآن أنه أثناء قيامى بعرض تقرير المعلومات عليه فى مبنى مجلس قيادة الثورة - وكنا ساعة المغرب تقريبا- لاحظت أنه يجرى إعداد بعض السيارات تساءلت عن السبب فجاءني الرد أن الرئيس متوجه إلى منطقة القناة، ولما دخلت مكتب الرئيس قال لى أنا رايح أشوف بنفسى ماذا يجرى هناك، ولا أعرف إن كنت سأشاركهم المقاومة، وهو ما أتمناه أم سأضطر للعودة ؟ .

وعلمت أن كلا من عبد اللطيف البغدادى وزكريا محى الدين وحسين الشافعى سيرافقون الرئيس، وكان موقف صلاح سالم قد استقر فى مدينة السويس، وكمال الدين حسين يتولى المقاومة فى الإسماعيلية .
تحركت السيارات فعلا حوالى الثامنة والنصف مساء، وعدت إلى مكتبى فى مبنى مجلس الوزراء، وقد وصل الرئيس إلى مدينة الإسماعيلية؛ حيث قابله كمال الدين حسين وكمال الدين رفعت اللذان اعترضا على قرار الرئيس، وعملا على إثنائه عن مواصلة السفر إلى بور سعيد، وقالا له : " إحنا المسئولين عن هذا الخط، وأنه من الخطر التقدم بعد الإسماعيلية، ومن رأينا أن تعود إلى القاهرة حيث أن قيادتك من هناك أجدى بكثير من تواجدك فى رقعة ضيقة من أرض المعركة التى هى أرض مصر كلها والعالم العربى كله، وأن وسائل الاتصال هنا تكاد تكون معدومة، كما أنه لا يوجد أى وسائل للإعلام، وأن وجودك هنا يعد خطأ على المستويين التكتيكى والإستراتيجى" .
شارك الحاضرون فى هذه المناقشات واستقر رأيهم على ضرورة عودة الرئيس إلى القاهرة، وعاد بالفعل بعدما اقتنع بوجهة نظرهم .

صاحب المقاومة المسلحة حركة مقاومة إعلامية نشطة شارك فيها جميع الصحفيين والأدباء ورجال الإعلام والفنانين والمبدعين . . تطوعوا من تلقاء أنفسهم كل يعرض إمكانياته واستعداده للمشاركة فى هذه المعركة الوطنية .

كانت مؤسسة روزاليوسف بمثابة بؤرة للنضال الوطنى، ومصدر إشعاع مؤثر للغاية الكل يعمل، والكل يبدع، والكل يبدى أفكارا تصب فى إذكاء المعركة؛ كان هناك صلاح جاهين وصلاح حافظ وحسن فؤاد وأحمد حمروش وفتحى غانم وأحمد بهاءالدين وعبدالغنى أبو العينين ومحمود المراغى وجمال كامل ومنير عامر يشاركهم منير حافظ وإبراهيم بغدادى وآخرين من الأبطال الذين قد لا تسعفنى الذاكرة الآن بأسمائهم، هذا بخلاف مجموعة العمال الذين كانوا يعملون فى المطابع وعلى رأسهم عم حسن وعمال التوزيع الخ ، وكانت هناك مثلها فى وكالة أنباء الشرق الأوسط، وبؤرة ثالثة فى مصلحة الاستعلامات التى كانت منشأة حديثا، ورابعة فى الصحف اليومية الأهرام والأخبار والجمهورية والإذاعة المصرية وصوت العرب؛ علاوة على عناصر عديدة يصعب إحصاؤها أو تفضيل واحد منها على الآخر .

لم يتخلف أحد وكل منهم أعطى ربما بما يفوق طاقته فى التحرك داخليا أو خارجيا مع الأصدقاء والمؤسسات ، وعلى سبيل المثال فقد تم إيفاد الصحفى مصطفى أمين إلى بيروت؛ حيث اصطحب معه سعيد فريحة الصحفى اللبنانى المشهور بحبه لمصر وثورة يوليو ، واتجها إلى لندن لمخاطبة الرأى العام البريطانى، ودحض ما تدعيه وسائل الإعلام هناك ضد مصر .
وتم أيضا إيفاد عناصر أخرى إلى فرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والبعض منهم سافر على نفقته الخاصة .

وكانت إذاعة صوت العرب بجميع كوادرها ، وصوت أحمد سعيد يحرض ويجمع أبناء الأمة العربية من القاهرة وباقى الإذاعات الموجهة وإذاعات الدول العربية شعلة لا تنطفئ من الوطنية والقومية العربية المتضامنة مع القضية المصرية .
تصادف أن تعرضت هوائيات الإذاعة المصرية فى أبو زعبل للقصف الجوى صباح يوم الأول من نوفمبر1956، وأدى ذلك إلى انقطاع الإرسال الإذاعى ، وكان الرئيس جمال عبد الناصر متواجدا فى مكتبه بمجلس الوزراء، وقرر أن يؤدى صلاة الجمعة بالجامع الأزهر الشريف، طلبنى الرئيس بعد أن أبلغته بضرب هوائيات الإذاعة المصرية، وقال : " تقدروا يا سامى تشغلوا الإذاعة على الأقل فى حدود دائرة مدينة القاهرة ؟"، فقلت : " يا أفندم ما أقدرش أعطى سيادتك رد إلا بعد إجراء بعض الاتصالات مع الفنيين فى الإذاعة، وعموما سيادتك إدينى دقائق لمعرفة الموقف بالضبط"، قال الرئيس : "يا سامى حانصّلى الجمعة فى الأزهر إنشاء الله . . . شد حيلك"،

بعد اتصالات تليفونية فورية مع الفنيين حضر إلى مكتبى على عجل كل من محمد أمين حماد مدير الإذاعة والمهندسين عزالدين فريد و فاروق عامر و محمد الشافعى والمذيع فهمى عمر، ثم جاء بعد قليل جلال معوض، وأبلغونى أنه يمكن البث قبل صلاة الجمعة بشرط توفير خطوط تليفونية بشكل فنى معين لو أمكن ترتيبه مع مصلحة التليفونات بصفة عاجلة ، أما عن الهوائيات فجارى بالفعل إصلاح بعضها بما يؤدى لاستمرار الإذاعة فى حدود دائرة مدينة القاهرة، وبالفعل اتصلت بالدكتور محمود رياض مدير التليفونات، ولما أبلغته بالمطلوب قال لى أنه توقع مثل هذا الأمر؛ فأرسلت له على الفور المهندس عز الدين فريد لمقر المصلحة فى شارع رمسيس لإنهاء الترتيبات الفنية، وقد اكتشف أن هناك خطا تليفونيا بين أبو زعبل ودار الإذاعة فى شارع الشريفين لم يتعرض للتلف، وتم الاستفادة بهذا الخط، وكان على الجانب الآخر فى محطة أبو زعبل المهندسين صلاح عامر والجارحى القشلان اللذين أمكنهما بالتنسيق مع زملائهم الآخرين من تفعيل الخطين الآخرين اللذين أمكن ترتيبهما فى مكتبى من خلال مصلحة التليفونات وتحويلة تليفونات مجلس الوزراء، وفى خلال ساعة ونصف أو يزيد قليلا ، أمكن استئناف إرسال الإذاعة فى دائرة قطرها عشرين كيلومترا، ونفذت أول تجربة، تكلم من خلالها لأول مرة منذ انقطاع الإذاعة فهمى عمر مرددا " هنا القاهرة "، ثم توجه مع زميله جلال معوض إلى الجامع الأزهر الشريف لإجراء التجارب والاستعداد لاستئناف الإرسال الإذاعى من هناك تمهيدا لإذاعة صلاة الجمعة منه .

عملنا بعد ذلك كإجراء احتياطى على اختبار قوة الاستماع فطلبت مفتش المباحث لمدينة القاهرة اللواء يوسف القفاص الذى عمل على تكليف ضباط الإدارة فى جميع أقسام القاهرة بالتبليغ عن قوة الاستماع والوضوح لإذاعة القاهرة التى تبث من مكتبى بمبنى مجلس الوزراء ومن الجامع الأزهر الشريف .

أثناء المكالمة هذه اتصل أحد ضباطه به مبلغا إياه أن الإذاعة عادت للإرسال، وأن فهمى عمر يقول هنا القاهرة ويردد أناشيد وطنية، توجهت إلى مكتب الرئيس عبد الناصر وأبلغته بالنتائج التى وصلنا لها وتمام استئناف الإذاعة ، فأعرب عن سعادته وامتنانه لكل من شارك فى هذا العمل، وكان احمد سعيد مدير صوت العرب قد لحق بالمجموعة المتواجدة فى مكتبى فور أن سمع " هنا القاهرة "، وانضم لفريق العمل من المذيعين والفنيين .

بقى طاقم الفنيين بمكتبى للإشراف على التجهيزات الفنية والعمل على تقويتها بواسطة بعض الأجهزة التى أمكن الحصول عليها من مخازن الإذاعة والتليفونات، وذلك حتى عودة الرئيس جمال عبد الناصر ومخاطبته الشعب المصرى والعالم أجمع من خلال الإذاعة ووكالات الأنباء التى نقلت عن الإذاعة معلنا من فوق منبر الجامع الأزهر الشريف : " الله أكبر ـ التى قيلت لأول مرة سنة 1956 من فوق منبر الجامع الأزهر الشريف ـ سنقاتل . . . سنقاتل . . ولن نستسلم ".

بدأ العمل بعد ذلك مباشرة لترتيب استئناف إرسال الإذاعة على مستوى الجمهورية وخارجها من أبى زعبل، وكانت عملية تشرفت كثيرا بتلقى التكليف بها وبإنجازها من خلال جهد جماعى من كل رجال الإذاعة المصرية من فنيين ومهندسين ومذيعين كانوا كلهم بدون استثناء على مستوى المسئولية، وكانت إذاعة "أم كلثوم " منذ ذلك اليوم ، و التعليمات التى صدرت بإستمرار هذه الإذاعة كانت صارمة حول بث أغانى السيدة أم كلثوم وحدها فقط ولمدة خمسة ساعات يوميا تبدأ من الخامسة وحتى العاشرة مساء .

ووسط هذه الصفحة الناصعة البياض والمشرفة من تاريخ النضال المصرى ظهرت نقطة سوداء وضعتها مجموعة من السياسيين القدامى الذين عقدوا اجتماعا ضم عناصر من أحزاب الوفد والسعديين والأحرار الدستوريين والإخوان المسلمين ، وكان معهم سليمان حافظ الذى كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية فى بداية الثورة، وكان من قبل نائبا لرئيس مجلس الدولة – وقد قرروا فى نهاية اجتماعاتهم إعداد رسالة موجهة للرئيس جمال عبد الناصر، وبقيت أمامهم مشكلة من الذى يسلم هذه الرسالة للرئيس جمال عبدالناصر . .

فى يوم الجمعة 2نوفمبر1956 أوفد المستشار سليمان حافظ زوج ابنته الضابط عبد اللطيف الرافعى لمقابلة صلاح نصر مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة فى ذلك الوقت، يطلب سليمان حافظ فى رسالته تدبير لقاء فورى بين الرئيس حمال عبد الناصر وسليمان حافظ لأمر بالغ الخطورة؛ فقام صلاح نصر بتكليف من الرئيس بمقابلة سليمان حافظ ليستطلع منه شخصيا عن أسباب طلبه اللقاء ، وفهم منه أن الرسالة تخص الأحداث المتعلقة بالوضع المترتب على العدوان الثلاثى ، وأن هناك اقتراحات بتنحى القيادة السياسية الحالية عن مسئوليتها لإنقاذ مصر من الدمار الذى ستتعرض له وكرر طلبه مقابلة الرئيس .

كانت تحركات واتصالات سليمان حافظ وغيره من السياسيين القدامى مرصودة بالطبع فى تلك الفترة، ولما أبلغ صلاح نصر رسالة سليمان حافظ للرئيس رفض مقابلته، وكلف عبد اللطيف البغدادى بمقابلته ، ولما بلغ صلاح نصر الضابط الرافعى بأن البغدادى كلف بمقابلة سليمان حافظ، طلب على لسان الأخير أن يحضر المقابلة أيضا اللواء عبد الحكيم عامر، وقابله فعلا كلا من البغدادى وعامر الذى قال بعد المقابلة : "الراجل ده حقيقى أنيابه زرقاء . . ولم ينس حقده على جمال عبد الناصر . . . فهو يطلب تنحى عبد الناصر لأنه مكروه – هكذا !! – وأن يتولى محمد نجيب رئاسة مصر ، حيث أنه مؤهل للاتفاق مع الإنجليز ، ويعلن حياد البلد، وتتولى وزارة حزبية الأمور فى البلاد ، وأن يعود العسكر! إلى ثكناتهم"، وعندما نقلا الرسالة للرئيس كان تعليقه : " أنه من سيحضر إلى هنا منهم سوف يضرب بالنار" .

ثبت بعد ذلك من واقع تقارير المعلومات وتحريات الأجهزة الأمنية أن اللواء محمد نجيب لم يكن بعيدا عن بقايا جبهة أزمة مارس سنة1954 فى هذه الأحداث ، ورغم تشابه موقف السياسيين القدامى- من حيث الشكل- مع موقف صلاح سالم إلا أن منطلقات كل طرف كانت مختلفة تماما ، فصلاح سالم الذى خانته أعصابه فى لحظة ما ، أكد تصرفه اللاحق بالتوجه إلى السويس وقيادة المقاومة الشعبية فيها قدرا عاليا من الفدائية، كما عكس نبل أهدافه، وأن الأمر يكمن فقط فى الخشية من آثار العدوان وغيرته على سلامة البلاد، ولم يكن متطلعا إلى سلطة أو نفوذ رغم الاختلاف معه فى أسلوب تعبيره عن هذه الأهداف أو انفعاله على الرئيس جمال عبد الناصر، أما عناصر الأحزاب والسياسيين القدامى فقد كان موقفهم نابعا عن تفكير متخاذل وانهزامية واضحة ، علاوة على أنه كان يعكس قدرا عاليا من الشماتة والرغبة فى تصفية الحسابات مع الثورة ، وانتهاز الفرصة لتجديد علاقاتهم بالإنجليز ، وهى نفس المواقف التى طبعت سلوكهم السياسى فى فترة ما قبل الثورة .
سامي شرف أحد مؤسسي المخابرات العامة المصرية، وسكرتير الرئيس عبد الناصر الشخصي للمعلومات، ووزيرشؤون رئاسة الجمهورية .
اقرأ ايضا:


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك