نطمح فى أن تكون الرواية أدبا عابرا للأجيال مثل «أليس فى بلاد العجائب»
ألف ليلة وليلة كتاب مركزى فى ثقافتنا ولم نستفد منه جيدا حتى الآن
مصطفى الشيمى يجمع الكثير من ملكات الكتابة.. روائى وقاص وكاتب سيناريو، وكاتب مسرحى، وكاتب أدب طفل واليافعين، ودائما ما توصف كتابته بأنها مشاغبة ومثيرة للجدل، إضافة إلى أنها كتابة تجريبية.
فاز الشيمى بالعديد من الجوائز الأدبية الرفيعة، من بينها جائزة كتارا للرواية العربية فرع اليافعين، وجائزة دبى الثقافية.
صدر له ثلاث مجموعات قصصية، وروايتان، ورواية لليافعين، وأكثر من ثلاثين قصة مصورة للطفل، وأحدث أعماله رواية اليافعين «شهرزاد.. بضع ليال أخرى»، والصادرة عن دار الشروق، ورسومات نور الترزى. حاورته «الشروق»، للتعرف على تفاصيل الرواية، وكتابته لليافعين:
< كيف أتت فكرة الكتابة عن شهرزاد الصغيرة فى بالك، وما المغزى الذى أردته من ذلك؟
ــــ من يعرف شهرزاد؟ هذا هو استهلال روايتى ومنه ولد العالم كله، قد نزعم – نحن الكبار – أننا نعرف شهرزاد جيدًا لكن هذه كذبة. عالم ألف ليلة وليلة يضع شهرزاد كمقدمة منطقية للنص، لكننا لا نملك عنها الكثير.
أعتقدُ أن فكرة الكتابة عن طفولة شهرزاد كان أمرا حتميا، وكان لابد أن ندركه مبكرا؛ لكننا كما يرى السارد «مثل المجانين تركنا طفولة شهرزاد تضيع عن أعيننا» لانشغالنا بسير الملوك. فما الذى جعل شهرزاد، تلك المرأة القوية، تقف أمام الملك المجنون وتعيد إليه رشده؟ ثمة مساحة سردية بيضاء كانت أمام أعيننا طوال الوقت، لكننا لم نرها. من حسن حظى أننى فعلت وأردت أن أشغل هذا الفراغ بالحكايات؛ تخيلت أن طفولة شهرزاد لم تكن طفولة عادية، لأنها ليست شخصية عادية، ولابد أنها رأت من العجائب ما لم يره غيرها. اختارت شهرزاد دورها فى ملحمة ألف ليلة وليلة فى مواجهة القمع، كانت مؤهلة لتلعب هذا الدور، عبر سنوات الطفولة، فتحويل الخوف إلى طاقة إبداعية، لعبة فى الأصل.
فى «شهرزاد» كل الفرص التى يرغب فيها أى كاتب، بوابة للحياة وللموت، للأمل واليأس، وللتمرد ضد القيود والأدوار المفروضة، وفى شهرزاد فرصة أيضًا لإعادة أدب الأطفال إلى الأطفال، عبر مغامرات حافلة بالخيال الحر.
< كيف ترى الطريقة الأمثل التى من الممكن أن تصل بها حكايات ألف ليلة وليلة الغرائبية للأطفال أو اليافعين؟
ــــ ثمة ألعاب فى الكتابة يمكننا بها إيصال حكايات ألف ليلة وليلة للقراء، منها التجريد أو التناص أو إعادة سرد الحكايات فى إطار عصرى، وحتى لو اقتصر دور الكاتب على إعادة سرد حكايات ألف ليلة وليلة، فعليه أن يتخلص من الوعظية واللغة التراثية، وأن يقدمها بلغة بصرية، ولابد أن يتم تقديمها برسوم حديثة مبتكرة، بدلًا من الرسوم المجانية والمباشرة. ويمكن تحويلها إلى روايات جرافيك، خاصة أننا فى عصر الصورة.
< هل الحكايات التى فى روايتك من مغامرات شهرزاد الأصغر سنا كلها من وحى خيالك؟
ـــــ نعم، روايتى «شهرزاد» منفصلة عن «ألف ليلة وليلة»، وتستعير منها شخصيات مثل شهرزاد ودنيازاد وشهريار. مثلما قدّم نجيب محفوظ روايته الخاصة المستلهمة من «ألف ليلة وليلة» فى رواية «ليالى ألف ليلة»، التى تقدّم Sequel (سيكويل) للأحداث التى وقعت بعد القصة الرئيسية، على نقيض محفوظ، فى روايتى «شهرزاد» قدّمت Prequel (بريكويل) للأحداث التى وقعت قبل القصة الرئيسية.
لم أسعَ لإعادة سرد «ألف ليلة وليلة»، بل قدّمتُ بضع ليالٍ أخرى، جديدة، وأحداث غير مألوفة، فالجدة والأصالة هى مفتاح الدهشة، أن تكسر النمطية ويعيش القارئ فى حكايات وأساطير وعالم جديد. أردت أن أخلق سردًا خاصًا لا يستمد جذوره من «ألف ليلة وليلة»، بل من الثقافة العربية والإسلامية، النبع نفسه الذى استلهمت منه «ألف ليلة وليلة» عوالمها أو هضمت فيه قصص الحضارات الأخرى. فتخيلت «العماليق» الذين يذكرهم «الإخباريون» أو خلقت «أقزام الساعة الرملية» فى رحلة خاصة، مع العديد من المخلوقات الأسطورية فى الثقافة العربية مثل أحصنة وحيدة القرن أو الغيلان.
مع ذلك، قد تغازل روايتى «ألف ليلة وليلة» أحيانا، بصفتها المقدمة الدرامية لها، فيمر السرد على امرأة بالسوق تلمس بساطًا وتسأل البائع مداعبة إن كان يطير، فلا تعرف يقينًا إن كانت جادة أم مازحة، ولا تعرف إن كانت الأبسطة السحرية فى حكايات شهرزاد الكبيرة جزءا من واقعية عالمى الغرائبى أم بعض خيالاتها.
< بماذا تصنف رواية «شهرزاد.. بضع ليال أخرى»، أعلم أنها مصنفة رواية يافعين ولكننى حين قرأتها شعرت بأنها مناسبة لجميع الأعمار؟
ــــ أعتقد أن «شهرزاد» تطمح فى أن تكون أدبا عابرا للأجيال، مثل «أليس فى بلاد العجائب» أو غيرها من الأعمال الخالدة فى أدب اليافعين التى تقرأ من اليافعين والبالغين والمسنين. «أليس» يمكن أن يرى اليافع فيها الطفلة العالقة فى عالم غرائبى ومدهش، عالم ملىء بقوانين بلهاء للبالغين، ويمكن قراءتها فى نظر البالغ بأنها هجاء عميق للمجتمع الفيكتورى الصارم أو احتفاء باللامعنى، وسخرية من العقلانية والمنطق.
فى روايتى شهرزاد أيضا عالم مفتوح، على مفاهيم الفقد والوجود والزمن والقوة الخارجة على إرادتنا، يمكن للصغار أن يعيشوا مغامرة غرائبية، فى أرضنا العربية للعجائب، حيث كل شىء ممكن وساحر، وعبر شخصية فى رحلتها الخاصة للنضج، ويمكن للكبار والمسنين والنقاد أيضًا، والمغرمين بألف ليلة وليلة، أن يجدوا أنفسهم فى العالم الذى أحبوه من قبل، وقد وهبته أرضًا جديدًا، وربما عمرًا أطول، كما آمل.
< ماذا تمثل ألف ليلة وليلة وشهرزاد تحديدا بالنسبة لك؟
ــــ «ألف ليلة وليلة» كتاب مركزى فى ثقافتنا، زاخر بالألعاب السردية المعقدة ومخزن هائل للحكايات. وفى تقديرى أننا لم نستثمر هذا الكتاب المقدس بما يليق، فلم نصنع منه عملا دراميًا أو سينمائيًا يصل إلى العالم كله، رغم أنه عملتنا الثقافية، على نقيض الغرب الذى يتعامل مع «ليالينا العربية» كجزء أصيل من تراثه.
أما شهرزاد، فهى بالنسبة لى ربة الحكايات، وعرشها أعلى من عرش الميزوات التسع؛ اختارها المخيال الشعبى كامرأة من الهامش، لتقف أمام سلطة المتن. لم تصل امرأة لمثل منزلتها، ومنها تعلمنا أن السرد فعل مقاومة، وأنه قادر على أن ينتصر على صولجان الملك أو سيف الجلاد، بل إنه قادر على إعادة التوازن أيضًا. لذا، علينا أن نسرد القصص كما فعلت شهرزاد، لأن العالم كله قصص تروى، أو قصص تروض أخرى.
< كيف ترى الرسومات فى الكتاب وماذا أضافت له؟
ـــــ نور الترزى هو رسامى المفضل فى أدب اليافعين، تعاونا معًا فى قصص وروايات عديدة لليافعين. وحين اقترحت اسمه لدار الشروق تحمست الأستاذة أميرة أبو المجد والأستاذة نانسى حبيب. رسوم نور التقطت خفة الظل والكوميديا الموجودة فى النص، وأجادت فى رسم هويته الثقافية العربية والإسلامية.
قدم نور الترزى لوحات مميزة، مثل قزم الساعة الرملية المربوط بخصلة شعر فى أصبع قاطع الطريق، أو ظهوره أسفل عين دنيازاد التى بدت غريبة وكبيرة مقارنة بحجمه، أو العمالقة الذين يجرون سفينة فى الصحراء. أنا ممتن لنور الترزى، وكل رسومه فى أعمالى هى إضافة كبيرة لى، وتعطى للسرد والرسم وحدة فنية.
< كيف ترى كتب الأطفال واليافعين بشكل عام فى الوقت الحالى؟
ـــــ ثمة طفرة كبيرة فى أدب الأطفال خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة، توجد كتب جميلة ورسوم مدهشة. ومع ذلك، أرى الطفرة أقل فى أدب اليافعين الذى لا يزال يقدم نصوصًا يغلب عليها الوعظ أو التسطيح، وكأننا نتعامل مع اليافعين على أنهم أصغر سنا أو أقل ذكاء، وهذا نابع من تصوراتنا الخاطئة أو السلطوية.
ولأننى أكتب للكبار ولليافعين أيضا، آمل أن يهتم كتاب أدب الكبار بالكتابة للأطفال ولليافعين، كما فعل أحمد شوقى، يحيى الطاهر عبد الله، عبد الوهاب المسيرى، عبده خال. أتخيل أن هذا سيحقق نقلة نوعية، وهو ضرورة، فالطفل أو اليافع الذى تستثمر فيه اليوم هو من سيقرأك غدا، وبناء الوعى خيط مستمر.
< لقد كتبت الرواية والقصة، وأدب اليافعين، وأدب الطفل، فكيف جمعت بين كل هذه الكتابات المختلفة؟
ــــ أؤمن بشعرية النوع الأدبى، أو الكتابة عبر النوعية، بمصطلح إدوار الخراط، هذا التداخل يخلق أدبا أكثر ثراء. كتابتى لليافعين قد تكون جسرا بين هذا الأدب وأدب الكبار، مثلما تمثل المرحلة العمرية جسرا بين الطفولة والنضج؛ فالكتابة لليافعين قد تمثل عتبة قراءة، يمكن أن يطلع فيها اليافع على نصوص أدبية عالمية أو أفكار فلسفية. هذه لعبة الكتابة، الأفكار البسيطة يمكن رؤيتها بصورة تبرز تعقيدها وتشابكها مع أفكار أخرى، وأى فكرة معقدة يمكن رؤيتها ببساطة. المنظور هو الفيصل. ثمة حَفر فى أدب اليافعين، لكنه مدفون فى العمق، بحيث يعيش النص مع اليافع عبر رحلته مع النضج ويعود إليه للقراءة.
< كيف تصنف نفسك فى الكتابة؟
ــــ سؤال صعب؛ ما أعرفه عن نفسى هو أننى أرى الكتابة لعبة ولا أضع نفسى فى القفص. أعتقدُ أن هذا حال الأطفال أيضًا، فهم موجودون فقط للعب، خيالهم حر ولا يتبع نمطًا. يمكن القوى إننى طفل كبير يكتب..
طفل يفرح بتلك اللعبة!