وقائع «حرق الكتب» في العالم العربي والإسلامي ليست شائعة ومنتشرة بشكل كبير، ولكن كل واقعة على حدة تثير جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية لفترة طويلة.
ليست الواقعة التي أقدمت فيها وزارة التربية والتعليم على حرق بعض الكتب، وصفتها بـ«الإخوانية» في مدرسة "فضل" بحي فيصل بمحافظة الجيزة، هي الأولى من نوعها، حيث شهد العالم وقائع عديدة مماثلة.
1- أحمد عمر هاشم يدعو لحرق «وليمة لأعشاب البحر»
رواية سورية، صدرت أول طبعة منها عام 1983 للأديب السوري حيدر حيدر، تدور أحداثها حول "مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، غير أنه يلتقي بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة، والخراب الذي لحق بالمناضلين هناك".
أثارت تلك الرواية جدلا واسعا وتم منعها من قبل مؤسسة الأزهر، بعد إعادة طبعها عام 2000، بدعوى الإساءة إلى الإسلام "بعد اتهام مؤلفها بتطاوله على الدين الإسلامي من خلال عبارات وردت على لسان الأبطال خلال الأحداث".
وفي حوار له مع إحدى الصحف القومية، وصف أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، رواية حيدر بـ«الكتاب المشؤوم»، وقال "دعوت إلى حرق الكتب التي تتنافى مع الشريعة الإسلامية الغراء، وطالبت بمصادرتها ولم أخش في الله لومة لائم".
2- الثقافة المصرية تحرق «أبو نواس» العباسي
في يناير من عام 2001، ترددت أخبار حول قيام وزارة الثقافة المصرية بحرق نحو 6000 نسخة من أحد دواوين الشاعر العباسي "أبو نواس"، يرجح أن تكون هذه النسخ لديوان «شبق مثلي».
كان ذلك في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، الذي اتخذ قرارا في ذلك التوقيت بتنظيم حركة النشر في الهيئات التابعة للوزارة، بعد طلب إحاطة من محمد جمال حشمت، ممثل الإخوان في البرلمان، اعتبر فيه أن بعض كتب وزارة الثقافة تحوى خدشا للحياء.
ولكن عكس الأخبار التي تم تداولها حول هذه الواقعة، نفى رئيس هيئة قصور الثقافة في ذلك الوقت، السيد محمد غنيم، أن تكون الوزارة قد حرق هذه النسخ من ديوان أبي نواس.
وفي تصريح له على أحد المواقع العربية، قال الأديب جمال الغيطاني: إن "الحرق معنوي باعتبار أن الأجزاء الأربعة للديوان طبعت بالفعل وبدلاً من أن تتجه إلى القارئ مع الباعة وفي المكتبات أخذت طريقها إلى المخازن لتعدم في هدوء".
3- «إيرا» الموريتانية تحرق «الفقه المالكي»
في إبريل عام 2012، قامت منظمة «إيرا» المدافعة عن الرق في موريتانيا بحرق كتب، تصنف على أنها من أمهات كتب الفقه المالكي، بدعوى أنها تمجد العبودية وتدعو لاستمرارها في موريتانيا.
وأثار هذا الفعل استنكارا واحتجاجا كبير في موريتانيا، وأدانته فئات مختلفة من المجتمع وهيئاته المدنية من أحزاب وحركات سياسية، معتبرين ذلك إساءة إلى الدين الإسلامي وعلمائه وإهانة للثقافة العامة التي تحكم الموريتانيين.
وأصدرت عدة أحزاب سياسية بيانات شجب وتنديد لما أقدمت عليه منظمة "إيرا" بإشراف رئيسها، حيث أعلن الحزب الحاكم إدانته لهذا التصرف، وطالب النخب الدينية والثقافية بالتحرك في وجه ما سماه "الفسق البواح الذي دنس به هؤلاء علاقتنا كمجتمع وكأمة، بكل ما هو حميمي لدينا وعزيز على قلوبنا ونفوسنا وعقولنا ومرجعياتنا الدينية والعقدية".
4- «مصر العروبة.. عراق العجم» تدفع عراقيين إلى حرقها
في نوفمبر 2014، نشر الشاعر العراقي سعدي يوسف قصيدة بعنوان "مصر العروبة.. عراق العجم"، ما أثار غيرة الكثير من الأدباء والمثقفين العراقيين، ودعا بعضهم إلى حرق كتبه في شارع المتنبي بالعراق.
واعتبر العراقيون أن هذه القصيدة إساءة لبلدهم العراق، الذي وصفها بالعجم، فقال في قصيدته:
هل العراق عربى؟
يرِدُ تعبير "شيخ العراقَيين" عن فقهاء أجمعَ الناسُ عليهم.
يعنون: عراق العرب
وعراق العجم.
الدولة الحديثة، بتأسيسِها الأوروبي، الاستعماري، ليست دولة الفقيه.
هى دولة لإدارة كيانٍ جغرافى (قد يكون متعددَ الإثنيّات، وقد لا يكون).
لكن العراق ليس مستحدَثاً.
اسمُ العراق آتٍ من أوروك!
إذًا..
ما معنى السؤال الآن عن أحقيّة العراقِ في دولةٍ جامعةٍ؟
ما معنى أن يتولّى التحكُّمَ في البلدِ، أكرادٌ وفُرْسٌ؟
ما معنى أن تُنْفى الأغلبية العربية عن الفاعلية في أرضها التاريخية؟
ما معنى أن تُستقدَم جيوشٌ من أقاصى الكوكبِ لتقتلَ عربًا عراقيّين؟
ما معنى أن تكون اللغة العربية ممنوعةً في إمارة قردستان عيراق البارزانية بأربيل؟
إذا..
نحن في عراق العجم!
سأسكن في مصر العربية!
5- «داعش» يحرق محطات من تاريخ العراق
قرر تنظيم "داعش" أوائل شهر فبراير من هذا العام القضاء على كتب ومخطوطات يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين وفترة الحكم العثماني، بحسب ما تداولته الصحف العراقية.
وقعت تلك المحرقة في مدينة الموصل العراقية أمام جموع من المواطنين، واستهدفوا مئات الكتب الموجودة في "المكتبات الخاصة والجامعية في المدينة، ومتحف الموصل والمكتبة المركزية الحكومية والمكتبة الإسلامية ومكتبات الكنائس والمساجد القديمة، بحسب صحيفة القدس العربي".
وتناقلت المواقع العراقية أن التدميرات تشمل الصحف العراقية التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن العشرين، والخرائط والكتب من الإمبراطورية العثمانية، ومجموعات كتب قدمتها نحو 100 من العائلات الراسخة في الموصل".
وعلى موقعها على الإنترنت، أعربت المدير العام لمنظمة اليونيسكو إيرينا بوكوفا عن قلقها العميق بعد المعلومات الواردة في العديد من وسائل الإعلام عن إضرام النيران في آلاف الكتب في المتاحف والمكتبات والجامعات، في مدينة الموصل، في العراق.
وبحسب اليونيسكو، فإنه "إذا تأكدت هذه التقارير حول حرق آلاف الكتب، فإن هذا الأمر يكون واحدا من أكبر أعمال التدمير المتعمدة للكتب في تاريخ البشرية".