مئوية سيد درويش : عندما تحدث عبد الحليم حافظ عن شموع فنان الشعب وكهرباء موسيقار الأجيال - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 2:26 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مئوية سيد درويش : عندما تحدث عبد الحليم حافظ عن شموع فنان الشعب وكهرباء موسيقار الأجيال

محمد نصر
نشر في: الخميس 14 سبتمبر 2023 - 2:05 م | آخر تحديث: الخميس 14 سبتمبر 2023 - 4:12 م

في ذكرى رحيل عبدالحليم حافظ، نشرت مجلة الكواكب الصادرة في نهاية مارس 1992، مقالا للناقد الفني الأستاذ حسن إمام عمر، بعنوان "أخطاء في حياة عبدالحليم حافظ"، قال فيه:" روى لي عبدالحليم – وكأنه يزيح حملا ثقيلا من على صدره – كيف أخطأ في أواخر الخمسينات عندما هاجم الشيخ سيد درويش في أحد أحاديثه الصحفية، وذلك نتيجة استفزازه من سؤال وجه إليه عن سبب امتناعه عن ترديد ألحان سيد درويش، كان عبدالحليم يرى أن الألحان التي يغنيها توائم المرحلة التي يعيش فيها، وأن ألحان سيد درويش كانت تمثل مرحلة انتهى عهدها".

أسطورة كاذبة

وفي عام 1960، وتحديدا 18 يونيو صدرت صحيفة "الجمهورية" وقد حوت كالمعتاد مقالا للكاتب راجي عنايت، معنونا مقاله بـ "رأي غريب"، ولكنه لم يكن رأيه بل كان يعرض ما طلب منه المطرب عبدالحليم حافظ أن ينشر على لسانه، فنقل عنه عنايت ما قاله وكتب: "قال عبدالحليم حافظ (اكتب على لساني.. سيد درويش أسطورة كاذبة.. موسيقاه كانت شيئاً في زمنه.. أما الآن فموسيقانا التي نقدمها تفوق موسيقاه بمراحل عديدة)"..

ويشير الدكتور نبيل حنفي محمود، في باب "أشهر المعارك الفنية"، بمجلة "الهلال"، سبتمبر 2003، إلى أنه وفي كل التغطيات والموضوعات الصحافية عن عبدالحليم حافظ والتي سبقت ما نقله "عنايت" قد اتسمت بقدر هائل من الود، ولم يحدث أن كتب كاتب خلال سنوات الخمسينات مقالاً أو خبراً يهاجم النجم الصاعد حينها ... وإنما كان الحنان والحب والتقدير هما سمة لكل ما يكتب أو يذاع عنه.

ولذا وفقاً لحنفي محمود، كان من الغريب أن يصدر مقال عنايت والذي تابع فيه قائلا: "كانت مناسبة هذا الكلام ما قيل إن محمد البحر ابن الشيخ سيد درويش سيرفع قضية على محمد عبد الوهاب لأنه صرح بأن "الكوكايين" قضى على سيد درويش".

وواصل عنايت: "بدأ عبدالحليم حديثه مدافعا عن كلام عبد الوهاب، قائلا إنه درس هذه الحقيقة في معهد الموسيقى، وأن دفتر محاضراته يضم محاضرة عن سيد درويش، ورد ضمنها أن المخدرات قضت عليه، ثم استطرد عبدالحليم فجأة.. قائلاً رأيه في موسيقى سيد درويش مصراً على اعتبارها موسيقى متخلفة بالنسبة لما نسمعه من أغاني هذه الأيام..

وفي مقاله يختلف عنايت مع ما قاله عبدالحليم قائلاً: "أختلف مع عبدالحليم اختلافا تاما، فالذي أصبح عتيقاً عند سيد درويش، قد يكون التوزيع الموسيقى أو التأدية أو حتى كلمات بعض الأغاني أما موسيقاه فجوهرها ما زال متطوراً عن معظم ما نسمعه هذه الأيام، وهمسة في أذن عبد الحليم اسأل كمال الطويل.. على أي أرض تقف موسيقى «حكاية شعب»؟!"

ووفقا لما كتبه الدكتور نبيل حنفي محمود، فقد أحدث مقال راجي عنايت بالوسط الفني، دوياً وصدمة وحيرة لدى كل من قرأه، فلم يجد كل من قرأ المقال سببا مقنعا قد يدفع بعبدالحليم حافظ، ليهاجم رائدا راحلاً من أعظم من أنجبت مصر من موسيقيين؟!

ردان مختلفان

بحسب محمود ظهر رد عبدالحليم الأول بصحيفة الجمهورية في حديثه مع الشاعر الغنائي مأمون الشناوي تحت عنوان: "عبدالحليم حافظ: لست ملحنا حتى أحقد على سيد درويش"، وفي إجاباته على أسئلة مأمون الشناوي قال:" كيف يتهموني بالحقد على سيد درويش؟، هل أنا ملحن حتى أحقد عليه؟ هل عشت في عصر سيد درويش ورفض أن يعترف بي؟ هل كانت حياة سيد درويش حياة ناعمة سهلة تثير الحقد؟ إن حياة سيد درويش كانت مأساة طويلة تستحق العطف والرثاء والبكاء ... إن سيد دويش هو الذي وضع الأساس للموسيقى المصرية الصميمة بعد أن كانت مجرد بشارف وموشحات تركية". منوها في نهاية حديثة إلى أن ما قاله عن سيد درويش كان من باب الدراسة وليس التشهير.

لكن الرد الثاني لعبدالحليم في أخبار اليوم اختلف عما صرح به لمأمون الشناوي، فجاءت أقواله بمقال لجليل البنداري بعنوان: "عبدالحليم حافظ: سيد درويش اخترع الشموع وعبد الوهاب اخترع الكهرباء".

وفقا لحنفي محمود فقد صاغ البنداري مقاله في صورة سؤال منه وإجابة من عبدالحليم، تميزت بالمباشرة والصراحة في هجومه على سيد درويش، ونحى جانبا محاولاته في عدد نفس اليوم من الجمهورية لتخفيف وقع حديثه السابق عن سيد درويش، مستعيناً بآراء لكتاب أخرين وضرب الأمثلة لتوضيح أسباب هجومه على سيد درويش، وبدأ حديثه لجليل البنداري بقوله:" نعم أنا قلت إن سيد درويش كان يتعاطى المخدرات والكوكايين، لست جبانا حتى أنكر رأيا قلته بلساني!"، ليعود ويصف أعمال سيد درويش بأنها قد أضحت قديمة قدم المصباح الذي يعمل بالزيت، ذلك إذا ما قورنت بموسيقى محمد عبدالوهاب والتي تشبه مصباح الكهرباء!"

أسباب ودوافع..

وفي مقاله الذي روى أحداث تلك المعركة يرى دكتور نبيل حنفي محمود، أنه يمكن القول بأن العلاقة الوطيدة بين الموسيقار محمد عبدالوهاب وتلميذه، شكلت أول أسباب عبدالحليم للهجوم على سيد درويش، فقد كان الهجوم تاليا لحديث أخر أدلى به عبدالوهاب لصلاح عبد الصبور بمجلة روز اليوسف قال فيه عبدالوهاب: إن سيد درويش كان يعيش تحت سطوة المخدر.

واستطرد بأن من يتابع أحداث هذه المعركة الآن، سوف يخرج بسؤال هل كانت معركة بلا أسباب؟ كان يكون اندلاعها إثر زلة لسان.. حاول بعض الكتاب اللعب عليها للنيل من عبدالحليم حافظ، أم أنها كانت معركة لها من الأسباب الخفية ما يسوغ شنها؟

ويسترجع حنفي محمود الزمن إلى السنوات ما بين 1955 و1960، كاشفا عن أن في تلك السنوات ازداد التقارب بين عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، تمثل في قيام الأستاذ بإيثار تلميذه الموهوب بمزيد من الألحان الناجحة، وإنتاج فيلمين له، وأن في هذا إشارة واضحة إلى احتضان عبدالوهاب للنجم الصاعد حينها، وقد مضى التقارب عاما بعد عام، توج في عام 1960، بالشراكة في إنشاء شركة للإنتاج الفني، وامتد أيضا إلى شؤون عائلية.

وأما السبب الثاني فقد أرجعه حنفي محمود إلى سلسلة النجاحات المتلاحقة التي حققها عبدالحليم فنيا وشخصيا خلال ثماني سنوات، بدءا من علاقته على المستوى الشخصي بعبدالوهاب، وما لقيه عبدالحليم من رعاية وتشجيع في ظل ثورة يوليو، والتي جعلته بين من مثلوا أهل الغناء بمؤتمر الاتحاد القومي، وقد ولد لديه إحساس بالثقة والأهمية، ليبلغ ذلك الإحساس وتلك المشاعر قبل أيام قليلة من هجومه على سيد درويش، حينما أشاد الرئيس جمال عبدالناصر به وبأستاذه عبدالوهاب في حديثه مع رؤساء تحرير الصحف.

وإزاء هذه اللفتة توجه محمد عبدالوهاب مصطحبا عبدالحليم إلى القصر الجمهوري صباح اليوم التالي لنشر حديث الرئيس، لتسجيل شكرهما في دفتر الزيارات على لفتة الزعيم الذي التقاهم أثناء مغادرته إلى بيته وفق ما ذكرت صحيفة الأهرام.

ويشير حنفي محمود إلى ما يمكن تخيله مما يكون قد ملأ عقل وقلب عبدالحليم من أفكار ومشاعر، وهو الفتى القادم من ملجأ بالزقازيق مطلع الأربعينيات ليبحث عن ثقب إبرة لحياة كريمة، وإذ به بعد أقل من 20 عاما يصافح رئيس الدولة الذي يشيد به ويذكره في حديثه إلى بعض كبار مثقفي البلد.

متسائلا "ألا يدفع ذلك ببعض الغرور والخيلاء إلى نفس شاب في العام الواحد والثلاثين من عمره" مؤكدا على أن "مظاهر التكريم تلك التي تلاحقت على عبد الحليم مطلع صيف عام 1960، كافية لتشويش عقل الحكماء، فكيف بعبدالحليم؟ حتى إذا ما جاء ذكر سيد درويش في جلسة بين أصدقاءه فإنه – بدافع غرور ألم به – قال ما قاله في حق موسيقار الشعب الراحل".

تابع قراءة ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك