العالم محمد ثروت يكشف لـ«الشروق» سر فنجان قهوة مع زويل وكيف طور ليزر «الأوتوثانية»؟ - حوار - بوابة الشروق
الأربعاء 18 سبتمبر 2024 5:42 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العالم محمد ثروت يكشف لـ«الشروق» سر فنجان قهوة مع زويل وكيف طور ليزر «الأوتوثانية»؟ - حوار

حوار.. أمانى إبراهيم
نشر في: الثلاثاء 15 فبراير 2022 - 11:24 م | آخر تحديث: الأربعاء 16 فبراير 2022 - 3:18 ص

قبل ثلاثين عاما، تمكن العالم المصري أحمد زويل من رصد حركة الذرات والجزيئات في زمن الفمتوثانية، في خطوة علمية هامة حصد عنها جائزة نوبل، وبعد عشرات الأعوام، يأتي العالم المصري محمد ثروت حسن، ليستكمل خطاه، ويتمكن من رصد حركة الإلكترونات في زمن الأتوثانية الأسرع ألف مرة، ليس هذا فحسب، بل يسعى لدمجه بميكروسكوب رباعي الأبعاد.

مسيرة علمية حافله خاضها العالم المصري محمد ثروت، حتى توجت أبحاثه بحصوله على جائزة مؤسسة "كيك" الأمريكية في العلوم والتكنولوجيا -منفردا- لدعم أبحاثه بقيمة مالية قدرها 1.1 مليون دولار أمريكي، وهي جائزة تُمنح للباحثين الرواد في مجالهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ لما لهم من أبحاث متفردة قد تُحدث نقلةً نوعيةً عظيمةً في البحث العلمي، ونادرا ما تمنح للباحثين المنفردين، بحسب ما نشرته مجلة "العلوم" الأمريكية.

"الشروق" تواصلت مع الدكتور ثروت، الأستاذ بقسم الفيزياء والليزر بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، والحاصل على درجة الدكتوراه من معهد "ماكس بلانك" في ألمانيا، والذي تم اختياره ضمن قائمة أبرز العلماء المصريين بالخارج.

وإلى نص الحوار..

دعنا نبدأ البداية التقليدية، لتحدثنا عن نشأتك وطفولتك؟ وكيف كانت مراحلك الدراسية الأولى؟

أنا من مواليد محافظة الفيوم، كنت متميزًا في الرياضيات والعلوم بأنواعها وخاصة الفيزياء والكيمياء، حتى وصلت إلى مرحلة الثانوية العامة، في العام 1999، وفي تلك المرحلة وكعادة كل الأسر المصرية "بيحطوا فى دماغك إنك لازم تطلع مهندس أو دكتور".

 

ماذا بشأن دراستك الثانوية؟ وكيف مرت عليك تلك المرحلة؟

في الثانوية العامة وتلبية لرغبة الأسرة، لم أتخصص علوم أو رياضيات كما هو الدارج، واخترت "المجموعة الشاملة"، لأدرس كل العلوم وأنا بطبيعة الحال كنت أحبها، ولكن فى السنة الثانية توفي والدي، ما أثر علي نفسيا، وانعكس على مجموعي في النتيجة النهائية بالسنة الثالثة، إذ حصلت على نسبة 87.5%، ومن هنا بدأ يتدخل القدر في رسم مسيرة حياتي العملية إذ جاء تنسيق الهندسة 88%، أكبر من مجموعي بنحو نصف درجة فقط، حالت دون تحقيق رغبة أسرتي، فوقعت في حيرة من أمري لاختيار كلية أخرى بعد أن ضاعت مني الهندسة.

 

ماذا عن مرحلتك الجامعية، ولماذا اختارت الالتحاق بكلية العلوم؟

تزامنت فترة الثانوية واختياري للكلية مع فوز الدكتور أحمد زويل بجائزة نوبل فى مجال الكيمياء، وكانت تلك المُصادفة الغريبة، التي رسمها القدر لي؛ بمثابة حافز أوّلي، شجعني على انتهاج الطريق ذاته؛ ولم أكن مُرغمًا على الالتحاق بكلية العلوم، لكن قصة الكفاح المهني للدكتور زويل؛ كانت ملهمة ليّ؛ فضلًا عن حُبي للعلوم الفيزيائية، والرياضيات، والكيمياء، منذ مراحل التعليم الأولى

وتشجعت وتخصصت في قسم الكيمياء، وبالرغم من أنني لم أكن الأول على الدفعة، لكنني من الخمسة الأوائل دائما فيها.

 ماذا بعد تخرجك من كلية العلوم؟

بعد التخرج، لم أقبل على دراسة الماجستير فورا، وقررت البحث عن فرصة عمل بشركات البترول، وفي ذلك الوقت قدم لي أحد أصدقائي على منح أكاديمية البحث العلمي، وبالتزامن مع قبولي في منحة الماجستير بمعهد علوم الليزر، ليأتيني تعيين بوظيفة كيميائي بإحدى شركات البترول الكبيرة في مصر، براتب كبير( 17 ضعف منحة الماجستير) ، وكانت مفارقة لطيفة أن تجد نفسك، بعد أن أضناك البحث؛ لديك عرضان، في وقت واحد؛ وظيفة في شركة بترول، وباحث ماجستير في الجامعة؛ رغم الفارق الشاسع بينهما !

من ساعدك في اتخاذ قرارك بين الماجستير والتعيين؟

هنا كرر القدر لعبته معي، ولكن كانت هذه المرة بشكل غريب، فأثناء مقابلتي مع مدير شركة البترول، وجدتني أتحدث معه بكل صراحة عن منحة الماجستير وأسأله رأيه في أيهما أقبل؛ لأتفاجأ برده: "عقد التعيين قدامك من بكره تبدأ الشغل، ولكن لو أخدت الماجستير هتبني نفسك"، ثم قال لي نصا: "ومش بعيد تبقى زي أحمد زويل في يوم من الأيام".

 

حدثنا عن دراسة الماجستير، وكيف تأقلمت مع نقل جامعتك إلى القاهرة؟

 بدأت مرحلة جديدة؛ وهي الدراسة في معهد علوم الليزر، بجامعة القاهرة، وكان الغريب فيها هو؛ الطاقة التي كانت بداخلي، لتحمُّل مشاق المسافة الطويلة من الفيوم مرت السنوات سريعًا، وحصلت على الماجستير، بعد رحلة مضنية، ثم بدأت أبحث عن منحة في الخارج؛ ليس بغرض السفر، ولكن لشعفي بالعلم للتعلُّم، وجملة

مدير شركة البترول ترن في أذني. 

 

 

كيف كانت خطتك بعد دراسة الماجستير وإنهائه؟

بعد الماجيستير، بدأت في البحث عن منحة فى الخارج، لم يكن هدفي أن أسافر ولكن كان هدفي أتعلم أكثر، لأن في هذا الوقت لم يكن هناك اهتمام بالبحث العلمي في مصر، وكان البحث العلمي يجب أن تتولاه بنفسك أو تجد مركزا بحثيا يستطيع تبني أفكارك وتوفير الإمكانيات لك.

قدمت تقريبًا على أكثر من 600 تطبيق جديد من الجامعات خارج مصر، وراسلت العديد من الجامعات بأمريكا وأوروبا وأستراليا، ودائما ما كان يقابلني الرفض أو عدم الرد.

 

كيف وصلت إلى معهد ماكس بلانك بألمانيا؟

كان حلمي وهدفي الأساسي أن أذهب إلى معهد "ماكس بلانك" الألماني، أحد أشهر المعاهد البحثية في العالم، فقدمت 5 مرات ورُفضت، إلى أن تم قبولي في المرة السادسة وحُدد موعد المقابلة في شهر مايو من العام 2008.

ذهبت إلى السفارة الألمانية بالقاهرة؛ للحصول على الفيزا؛ تمهيدًا للسفر، فتفاجأت برد الموظف الذي تلقى مني الصورة؛ بأنها ليست متطابقة، ويكمل ضاحكاً وأتذكر أنني رددت عليه وقتها،  بكل تلقائية: "ألمانيا هي اللي خسرانة".

وأرسلت "إيميل"، من فوري؛ لماكس بلانك؛ شرحت فيه تفاصيل الموقف الذي حدث لي في السفارة الألمانية، وفي اليوم الثاني؛ تلقيت اتصالًا من السفارة الألمانية بالقاهرة؛ يقدمون لي فيه اعتذارًا، وطلبوا مني الذهاب لتسلُّم الفيزا، دون مقابل، وقالوا لي فى السفارة : "إنت رايح ماكس بلانك؛ يعنى إحنا اللي عاوزينك"، ووقتها؛ أدركت مدى أهمية "ماكس بلانك" فى ألمانيا، فمعظم من حصلوا علي جائزة نوبل تخرجوا فيها.

 

 

حدثنا عن رحلتك داخل معهد "ماكس بلانك"؟

سافرت إلى ألمانيا؛ وتسلمت العمل في المعهد، وفي أول يوم؛ قررت أن أكون على قدر التحدي؛ الذي وضعني فيه القدر، واجتهد في عملي؛ لأصبح بنفس خبرة الباحثين الموجودين معي نفس المجموعة البحثية، الذين يعملون معي؛ وهذا تطلَّب مني مجهودًا مضاعفًا.

وبدأت رحلة الدكتوراه، فعليًّا؛ في يوليو من العام 2009؛ وانتهيت منها في مارس 2013؛ أي في غضون ٣ سنوات وثمانية أشهر فقط؛ لأصبح أسرع باحث فى المعهد، بذلك الوقت؛ يتمكن من الحصول على الدكتوراه، في وقت قياسي، وكان هذا مرجعه؛ إلى أنني كنت أعمل وقتًا إضافيًّاواضع مجهود مضاعف 

في العمل.

وخلال أبحاث الدكتوراه؛ تمكنت من توليد أول نبضات الليزر الأتوثانية الضوئية، والموجودة بموسوعة جينس العالمية؛ كأسرع نبضات ليزر ضوئي، واستخدمت هذا الليزر لقياس حركة الإلكترونيات داخل الذرة؛ لأول مرة.

 .

 

حدثنا عن لقائك الأول مع العالم الكبير أحمد زويل؟

 

تعود قصة هذا التحوّل الفارق في حياتي المهنية؛ إلى أحد أيام الجمعة، في شهر يوليو، من العام 2012، وكنت مازلت مرحلة الدكتوراه، ولم أنتهِ منها بعدُ؛ إذ دعيت إلى مؤتمر، فى لوزان بسويسرا؛ لإلقاء محاضرة عن أحد أبحاثي الخاصة في الدكتوراه، وكان الدكتور زويل مدعوًّا لإلقاء المحاضرة الختامية، فانتهزت تلك الفرصة؛ وأرسلت له رسالة، عبر البريد الإلكتروني؛ أخبره فيها برغبتى؛ فى أن يحضر مُحاضرتي، لكنه لم يحضر !

انتهت المحاضرة، وغادرت القاعة، ولكن القدر لم يتركني في هذا اليوم؛ لأتفاجأ، وأنا في طريقي؛ بالدكتور زويل، فتقدمت سريعًا لمصافحته، فقال لي: "إنت محمد اللي بعتلي إميل ؟!"، فأومأت له برأسي؛ فما كان منه، وبكل تواضع العلماء، إلّا أن بادرني بالاعتذار عن عدم حضور المحاضرة؛ لتأخُّر طائرته عن ميعاد المحاضرة، ودعاني لتناول فنجان من القهوة معه، وبدأ يتحدث معي، بأريحية غريبة، لدرجة أن حديثنا قارب الساعتين، وفى نهاية اللقاء طلب مني أن أرسل له سيرتي الذاتية.

 

ماذا حدث بعد ذلك؟ 

بعد عودتي إلى ألمانيا؛ فوجئت برئيس الفريق البحثي، الذى كنت أعمل معه؛ يستدعيني إلي مكتبه، ويسألني: "هل قدمت أوراقك للعمل فى جامعة "كالتك" الأمريكية" ؟! فأجبته بالنفي، وأنا في حالة استغراب، أنهاها بقوله : "إنّ الدكتور زويل يطلبك للعمل معه، لقد أرسل لي بريدًا إلكترونيًّا؛ يخبرني فيه باختيارك للانضمام إلى مجموعته البحثية، وأنا لن أستطيع تركك قبل عامين؛ لأنك عضو مهم في فريقي البحثي، ويوجد العديد من المشاريع البحثية، التي يتعين علينا إنجازها".

وقعت فى حيرة شديدة من أمري؛ وترددت بين تمسُّك أستاذي في معهد ماكس بلانك، ورغبة الدكتور زويل في ضمي لفريقه، حتى حسمت اختياري، بعد اتصال، تلقيته من الدكتور زويل نفسه؛ طلب فيه مني السفر لأمريكا، والانضمام إلي فريقه البحثي دون تردد، وهو يقول لي : "أنت بقى مش عايز تشتغل معانا ولا إيه يا دكتور محمد ؟!"؛ 

 

هل وافقت على طلب الدكتور زويل؟

لم يكن أمامي سوى تلبية هذه الدعوة، التي وضعتني على درجة أعلى في سلم أحلامي، وبعد حصولي على الدكتوراة من "ماكس بلانك" في العام 2013 سافرت إلى أمريكا لأصبح، بالفعل عضوًا في الفريق البحثي الخاص بالدكتور زويل، الذي يضم جنسيات مختلفة ومن دواعي فخري أنني كنت المصري الوحيد بالفريق في ذلك الوقت.

ثلاث سنوات قضيتها في مدرسة د. زويل البحثية تعلمت منه الكثير، على المستويين العلمي والإنساني حتى رحيله؛ لأكمل بعده مسيرته البحثية في مجال اختصار الزمن من "الفيمتوثانية" إلى "الأتوثانية".

 

كيف حدث ذلك؟ وما الفارق بينه وبين إنجاز الراحل أحمد زويل؟

في عام 1984 نجح العالم المصري الراحل الدكتور أحمد زويل في استخدام الليزر لقياس حركة الجزيئات في التفاعلات الكيميائية، وأثمر ذلك عن تطوير الميكروسكوب رباعي الأبعاد الذي يعمل بسرعة (الفيمتو ثانية)، وأصبح هذا الميكرسكوب أساسا للعديد من التطبيقات، وتسلمت الراية من د.زويل لمحاولة الوصول إلى سرعة في شعاع الليزر تفوق الفيمتو ثانية، فوصلت إلى زمن (الأوتو ثانية) عام 2016، وبدأت بعد ذلك رحلة التطبيقات.

بعد نحو 5 سنوات من البحث، تمكنا باستخدام ليزر الأوتو ثانية، ليس فقط من رصد حركة الإلكترونات داخل الزجاج، بل والتحكم في خواصها لتحويل الزجاج من مادة عازلة إلى مادة موصلة للتيار الكهربائي، وهو العمل الذي تم توثيقه في دراسة نشرتها دورية "نيتشر فونتكس" في 20 ديسمبر الماضي، واستطاع د.زويل الوصول لمدى زمني قليل للنبضة بسرعة "الفيمتو ليزر"، وهي مليون مليار جزء من الثانية، والتطوير الذي حدث هو الوصول لزمن "الأوتو ليزر" الذي يفوق الفيمتو ألف مرة، أي ما يعادل مليار من مليار جزء من الثانية.

 

 

ما الخطوة المقبلة التي تعكف عليها؟

أسعى إلى تطوير الميكروسكوب رباعي الأبعاد ليعمل بسرعة "الأوتو ثانية"، ليحقق نقلة كبيرة تفوق الميكرسكوب الذي يعمل بزمن "الفيمتو ثانية "، والذي أنجزه الدكتور زويل عام 2006.. الميكروسكوبات الإلكترونية قبل إنجاز الدكتور زويل كانت نوعين، أحدهما يمسح سطح المادة المراد رؤيتها ويسمى (الميكروسكوب الإلكتروني الماسح) وآخر نافذ يسمى (الميكروسكوب الإلكتروني النافذ)، ووظيفته محاولة رؤية ما تحت السطح. ما أنجزه زويل هو تجاوز رؤية سطح المادة وما تحت السطح، إلى تصوير حركة الجزيئات والذرات داخل المادة، باستخدام شعاع الليزر في سرعة (الفيمتو ليزر)، وما أسعى إليه هو تطوير هذا الميكروسكوب ليعمل بسرعة (الأوتو ثانية).

 

 

وإلى هنا؛ انتهى هذا الفصل في مسيرة كفاح الدكتور محمد ثروت، المصري الصعيدي ابن الفيوم ، أحد أهم العُلماء في العالم، الآن؛ من الفيوم، فـ "ماكس بلانك"، إلى "كالتك"؛ بما فيها من دروس، وعِبر، لكل الباحثين المصريين، أهمها؛ أن المصري قادر على التحدي، وتحقيق المستحيل؛ لو توافرت له الإمكانات.

وحاليًا؛ يشغل الدكتور ثروت منصب؛ أستاذ الفيزياء والضوء، بجامعة أريزونا، بالولايات المتحدة الأمريكية، وتتهافت المؤسسات العلمية الأمريكية على دعم أبحاثه؛ لما لها من ثمار عملية؛ تُمثِّل دافعًا وحافزًا للعلماء في مصر؛ ليحذوا حذوه، بمضاعفة إنتاجهم، وبذل المزيد من الجهد؛ لقيادة مصر نحو مستقبل أفضل، والمنافسة بقوة، مع دول العالم المتقدم، في مجال تطوير منظومة البحث العلمي.

 

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك