الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، الذي يُحيي ذكرى مولد النبي محمد ﷺ، كان وما يزال واحدًا من المناسبات الهامة في العالم الإسلامي. تطورت أشكال الاحتفال بهذه المناسبة على مر العصور منذ بدايات الإسلام حتى العصر الحديث، واتخذت طقوسًا وتقاليد متنوعة.

1. البدايات الأولى في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين
في الفترة النبوية وأثناء عهد الخلفاء الراشدين، لم يكن هناك احتفال رسمي أو علني بمولد النبي ﷺ. كان المسلمون في هذه الفترة منصبين على بناء الدولة الإسلامية، ولم يكن الاحتفال بالمناسبات الدينية شائعًا بهذا الشكل.

2. العصر العباسي
بدأ الاحتفال بالمولد النبوي يأخذ شكلًا رسميًا في العصر العباسي (750م – 1258م)، حيث ظهرت أولى الملامح المنظّمة للاحتفال بهذه المناسبة في بغداد. أصبحت الاحتفالات الدينية تُستخدم كوسيلة لتعزيز سلطة الخلفاء العباسيين وتوحيد المسلمين تحت راية الدولة. تضمنت الاحتفالات الخطب الدينية، توزيع الصدقات، وإقامة موائد طعام عامة. في نهاية العصر العباسي، أصبح الاحتفال بالمولد مناسبة عامة، خاصة في بغداد ومدن أخرى في العالم الإسلامي.

3. العصر الفاطمي
بلغ الاحتفال بالمولد النبوي ذروته في العصر الفاطمي (909م – 1171م)، حيث اعتمد الفاطميون على الاحتفالات الدينية لتعزيز الروابط بين الدولة والشعب. تميزت احتفالاتهم بالمسيرات الجماعية، الزينات في الشوارع، والولائم العامة. كما كانت الاحتفالات تُقام في المساجد الكبرى، حيث كان العلماء يلقون دروسًا وخطبًا عن سيرة النبي.

4. العصر الأيوبي والمملوكي
في العصر الأيوبي (1171م – 1260م)، كان الاحتفال بالمولد النبوي أقل بروزًا مقارنة بالعصر الفاطمي. ومع نهاية العصر الأيوبي وبداية العصر المملوكي (1250م – 1517م)، عاد الاحتفال بقوة. في عهد السلطان الظاهر بيبرس، أصبح الاحتفال بالمولد جزءًا من الاحتفالات الرسمية للدولة، حيث كانت تُقام في الساحات العامة وتُزين الشوارع، ويشارك فيها الجميع من السلاطين إلى عامة الناس.

5. العصر العثماني
في العصر العثماني (1299م – 1922م)، تم ترسيخ الاحتفال بالمولد النبوي كمناسبة دينية وشعبية. كانت الاحتفالات تُقام في القصور السلطانية والمساجد الكبرى مثل آيا صوفيا. تميز الاحتفال بالتكبيرات، الابتهالات، والمدائح النبوية، وكان يُخصص هذا اليوم للصدقات وتوزيع الطعام على الفقراء.

6. العصر الحديث
في العصر الحديث، استمر الاحتفال بالمولد النبوي في معظم الدول الإسلامية والعربية، مع بعض التغييرات التي تعكس تطور الزمن. شملت الاحتفالات وسائل الإعلام الحديثة مثل الإذاعة والتلفزيون، حيث تُبث برامج دينية تتناول حياة النبي وأخلاقه. في دول مثل مصر، المغرب، وإندونيسيا، تقام المواكب الشعبية وتُزين الشوارع وتُقام الحفلات الدينية، مع إعداد الحلويات التقليدية مثل "حلوى المولد" في مصر.