من جوانب تأثير سيد درويش القوية وبصماته التي مازالت محلا للتحليل والبحث بعد 100 عام من رحيله هو ما قدمه للمسرح المصري.
كانت الفترة التي برز فيها اسم درويش تتزامن مع قوة وصعود المسرح المصري وتصدره كوسيلة الترفيه والتثقيف الأساسية في المجتمع، وقد تعاون درويش مع أغلب الفرق المسرحية الشهيرة في ذلك الوقت، ونتعرف في السطور التالية على بعض الفرق التي لحن لها خلال مرحلة إزدهاره الفني، وفق ما ورد في كتاب "مسيرة المسرح في مصر- فرق المسرح الغنائي".
كانت بداية الشيخ سيد درويش في مجال المسرح عام ١٩٠٩، عندما سافر مع فرقة أمين عطا الله إلى الشام، ولكن هذه الرحلة باءت بالفشل، وتكررت مرة أخرى عام ١٩١٢، فكان النجاح من نصيبها، وعندما عاد الشيخ سيد من الشام وعمل بالغناء في مقاهي الإسكندرية، نصحه أصدقاء له بالسفر إلى القاهرة، وبالفعل رحل إلى القاهرة عام ١٩١٧.
وفي القاهرة كانت أول فرقة يتعامل معها فرقة "عمرو وصفي"، وبدأ التعاون الفني بينهما عندما لحن درويش مسرحية "الشيخ وبنات الكهربا"، تأليف فرح أنطون، وقدمت في تياترو منيرفا بكازينو الجلوب، خلف مخازن شكوريل بشارع بولاق، عام ١٩١٧، وفي العام التالي قام درويش بتلحين مسرحية "فيروزشاه" لفرقة جورج أبيض، ومسرحية "ولو" لفرقة الريحاني، كما ألْقى بعض القطع الغنائية لجوق الأوبريت الشرقي بكازينو دي باري.
وعام ١٩١٩ لحن درويش مسرحيات: أش، قولوله، فلفل، رن، لفرقة نجيب الريحاني، وفي عام ١٩٢٠ لحن مسرحيات مرحب لفرقة الماجستيك، و"كلها يومين" لفرقة منيرة المهدية، وهدى وعبد الرحمن الناصر لفرقة عكاشة، كما لحن الشيخ سيد العديد من المسرحيات الأخرى لمعظم الفرق المسرحية في ذلك الوقت.
"الجوق" فرقة سيد درويش المسرحية
استطاع درويش بعد احتكاك لسنوات مع أغلب الفرق المسرحية الغنائية تكوين خبرة جيدة بإنشاء الفرق المسرحية، لذلك قرر أن يكون له فرقته الخاصة، بالاشتراك مع عمر وصفي، أطلق عليها اسم "جوق سيد درويش"، وافتتح عملها بمسرحية "شهوزاد" أو "شهرزاد" يوم ٧ يونيو ١٩٢١ بمسرح برنتانيا، وكانت من تمصير عزيز عيد، ومن تمثيل: سيد درويش، عمر وصفي، حياة صبري، حسين رياض، مسيو ألبير، نظلي، مزراحي، حسن القصبجي، منسي فهمي، كلود ريكان، محمد المغربي، عبد العزيز أحمد، إلياس صوفان، وقد لاقتْ هذه المسرحية نجاحًا كبيرًا مما جعل الفرقة تُعيد تمثيلها.
ونشرت جريدة "مصر" حينها عن هذه المسرحية كلمة في عدد ١٦ يونيو ١٩٢١ تحت عنوان "نهضة فن التمثيل" جاء فيها – كما ورد في الكتاب سالف الذكر- "إن النهضة التي أوجدتها الفرقة الجديدة، التي ألّفها الأستاذ الشيخ سيد درويش، قد أظهرت فوائد التمثيل بواسطة الروايات الفكاهية الراقية، التي تجمع بين العظمة وجمال الموضوع، فضلًا عمَّا فيها من قطَع الألحان الموسيقية البديعة، التي تأخذ بمجامع القلوب، بحسن إدارة الشيخ سيد درويش، الذي له المنزلة الأولى بين الملحنين، علاوة عَلَى جمال رواية شهرزاد وما صادفته من الإقبال، بالنسبة للروايات التي تعادلها موضوعًا وألحانًا وتمثيلًا، وإقبال الجمهور يدل عَلى تفوق هذا الجوق ويشجع الفاتحين القائمين بهذه النهضة التمثيلية الجميلة".
وبعد شهر من نجاح مسرحية شهوزاد، قامت الفرقة بتمثيل مسرحية "العشرة الطيبة" لمحمد تيمور، ومن أزجال بديع خيري، وتلحين سيد درويش، في يوليو ١٩٢١، بدأت الفرقة موسمها التمثيلي الثاني في نوفمبر من نفس العام، حيث قدمت مسرحيتها الثالثة "البروكة" بدار التمثيل العربي، من ترجمة محمود مراد، وكانت المسرحية الرابعة بعنوان "العبرة" في شهر ديسمبر، ثم تلتها مسرحية "حلاق إشبيلية"، وظلت الفرقة فيما بعد تقدم نفس النصوص بالإضافة إلى إعادة لبعض المسرحيات الأخرى المأخوذة من الفرق الأخرى، مثل: المحامي المزيف، البخيل، البدوية، حتى وفاة الشيخ سيد درويش في منتصف شهر سبتمبر عام 1923.
تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام