بعد انهيار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وسيطرة إدارة العمليات العسكرية التي دشنتها الفصائل المسلحة على البلد، استعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أوجه التشابه بين ما يحدث في سوريا وما حدث في أفغانستان قبل ثلاثة أعوام، لا سيما فيما يتعلق بالأسلحة التي تمت السيطرة عليها، فضلاً عن تفكك القوات الحكومية بشكل كامل ومفاجئ.
* السيطرة على مخزونات الأسلحة
وفقًا لـ"فورين بوليسي"، ليس واضحاً حجم مخزون الأسلحة التابع للجيش السوري– التي يتألف معظمها من أسلحة سوفيتية وروسية – الذي ورثته الفصائل المسلحة، على افتراض أنها تفادت الغارات الإسرائيلية التي وقعت الأسبوع الماضي واستهدفت تدمير أجزاء كبيرة من هذا المخزون، بما في ذلك السفن الحربية والمقاتلات ومستودعات الذخيرة.
وما يزيد تعقيد الأمور، وفقا للمجلة الأمريكية، ان مزيداً من الأسلحة ربما تركتها القوات النظامية الروسية والمرتزقة الذين فروا من مواقعهم خارج القواعد الروسية في طرطوس واللاذقية، حيث يجرى الآن إجلاء أكثر تنظيماً للجنود.
وأوضحت المجلة الأمريكية أن هناك أمراً واحداً واضحاً: انه بعد عقود من رعاية إحدى القوى العظمى، ترك كلا النظامين – في سوريا وأفغانستان – "جبال من الأسلحة والذخيرة" التي قدمتها الدول الحليفة.
*ما الذي خسرته روسيا في سوريا؟
ذكرت "فورين بوليسي" أن العلاقات الروسية السورية المتعلقة بالأسلحة يرجع تاريخها إلى الحرب الباردة، عندما استخدم الاتحاد السوفيتي مجمعاً شاسعا للصناعات العسكرية لإرسال الطائرات والدبابات والمدفعية والصواريخ إلى الدول التي يدعمها حول العالم.
وتظهر البيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام انه في الفترة من 1950 إلى 1991، شكلت الأسلحة السوفيتية نسبة 94% من إجمالي واردات سوريا من الأسلحة.
وفقدت سوريا قدراً هائلاً من الأسلحة والمعدات خلال حربي 1967 و1973. ومع ذلك، في الفترة من عام 1975 إلى 1991، أعاد الاتحاد السوفيتي تزويد دمشق بالسلاح، بمنحها أو البيع لها 20 قاذفة، و250 طائرة مقاتلة، و117 مروحية، و756 مدفعا ذاتي الدفع، و2400 مركبة مشاة قتالية، و2550 دبابة، وما لا يقل عن 7500 صاروخ مضاد للدبابات، وأكثر من 13 ألف صواريخ أرض جو.
وعند بداية الاضطرابات بسوريا في عام 2011 ، كانت القوات الجوية السورية تمتلك نحو 700 طائرة ثابتة الجناحين وذات أجنحة دوارة بمستويات مختلفة من الجاهزية. وكانت القوات البرية تمتلك نحو 5 آلاف دبابة و4 آلاف مركبة مدرعة، و3400 قطعة مدفعية، و3600 سلاح مضاد للدبابات، و600 مركبة استطلاع.
وبحسب "فورين بوليسي"، تم تدمير العديد من تلك الأسلحة خلال القتال الحضري الكثيف في مواجهة معاقل الفصائل المسلحة ولاحقاً ضد تنظيم داعش الإرهابي.
واستخدم باحثو المصادر المفتوحة أدلة بالصور والفيديو لتأكيد أن الجيش السوري فقد ما لا يقل عن 3380 دبابة ومركبة مدرعة بين عامي 2011 و2020.
وبحسب "فورين بوليسي"، أعادت عمليات التسليم الروسية للطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية ومئات من الدبابات والصواريخ التكتيكية وآلاف من صواريخ الدفاع الجوي المضادة للدبابات خلال الصراع تجهيز الجيش السوري.
لكن المجلة أشارت إلى انه من غير الواضح عدد الدبابات والمركبات المدرعة التي تركها الجيش السوري. ووثق "أوريكس"، مرصد لمراقبة الصراعات مفتوح المصدر، استيلاء ما تسمى بهيئة التحرير الشام على المعدات خلال هجومها السريع.
وتضمن ذلك ما لا يقل عن 150 دبابة، وأكثر من 75 قطعة مدفعية، و69 مركبة مشاة قتالية، و64 قاذفة صواريخ متعددة ومدافع مضادة للطائرات، بحسب "فورين بوليسي"، مشيرة إلى أن الآلاف من المركبات المدرعة والأسلحة والصواريخ على الأرجح أصبحت بين أيدي هيئة تحرير الشام الآن، أو قريبا ستكون ذلك.
في المقابل، أفاد جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن الغارات التي شنها "دمرت معظم مخزون الجيش السوري من الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية الأخرى"، بما في ذلك "صواريخ سكود وكروز والأرض جو والطائرات بدون طيار والمقتلات والمروحيات الهجومية والدبابات".
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن العشرات من الصواريخ طويلة المدى المضادة للسفن والسفن التي تحملها تم تدميرها خلال الغارات ضد ميناء اللاذقية وميناء البيضا. كما استهدف جيش الاحتلال المطارات العسكرية السورية وحظائر الطائرات والعديد من مواقع تصنيع الأسلحة.
لكن وفقاً لـ"فورين بوليسي"، يوجد سبب للشك في ادعاءات جيش الاحتلال، مشيرة إلى أن الاستنزاف من القصف الجوي دائماً ما يكون مبالغ فيه.
*ماذا فعلت طالبان في أفغانستان؟
أما في أفغانستان، قدرت هيئات رقابية حكومية أمريكية أن حركة طالبان استولت على معدات أمريكية بقيمة أكثر من 7 مليارات دولار بعد انهيار الحكومة الأفغانية قبل ثلاثة أعوام.
وفي تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية في أغسطس عام 2022، تبين أن مركبات برية بقيمة 4.12 مليار دولار ومروحيات عسكرية بقيمة 923.3 مليون دولار ظلت في أفغانستان بعد انسحاب الولايات المتحدة.
وأفاد تقرير للكونجرس بأنه لم يتم الكشف عن أن 9524 من الذخيرة الجو أرض، و40 ألف مركبة، و300 ألف قطعة سلاح خفيف، و1.5 مليون طلقة ذخيرة تم تركها هناك.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن حركة طالبان لديها قوتها الجوية الآن. ووجد تقرير صدر في نوفمبر 2022 عن مراقب حكومي أمريكي أن "قبل نحو أسبوعين من سيطرة طالبان، أشارت سجلات وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" إلى ان القوات الجوية الأفغانية كان لديها 162 مروحية قدمتها الولايات المتحدة في مخزونها، من بينها 131 كانت صالحة للاستخدام".
مع ذلك، سيّر الطيارون الأفغان نحو ثلث تلك الطائرات والمروحيات إلى طاجيكستان وأوزباكستان خلال الأيام الأخيرة للانسحاب. واعتبرت القوات الأمريكية 80 أخرى في مطار كابول غير صالحة للاستخدام.
وربما تم إصلاح بعض تلك الطائرات والمروحيات منذ سيطرة طالبان على البلد. وفي غضون ذلك، اعتمدت الحركة على الطائرات المتبقية وتعود إلى الحقبة السوفيتية لنقل القوات والشحنات العسكرية والإنسانية ومسئولي حكومتها.
*من تلقى ضربة أكبر؟
لكن تلك الأرقام التي تقارن بين أفغانستان وسوريا، وفقاً لـ"فورين بوليسي"، تخفي اختلافا كبيراً بين الترسانتين المفقودتين، موضحة أن الروس يمكنهم استخدام تلك الأسلحة اليوم، في حين تركت الولايات المتحدة القليل من أفضل معداتها في أفغانستان.
وبحسب المجلة الأمريكية، تم تصميم الجيش الأفغاني وقوات الشرطة للأمن الداخلي وتم تجهيزهم إلى حد كبير بمعدات أمريكية من الدرجة الثانية والثالثة كان من المفترض أن تكون كافية للتعامل مع تمرد مسلح بشكل خفيف.
وكان الكثير من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان في نفس الوقت مكلفًا للغاية بحيث لا يمكن إعادته إلى البلد ويفتقر إلى القيمة العسكرية الكافية لجعل هذا الجهد يستحق العناء. كان من الأرخص قطع العديد من المركبات الأمريكية أو تركها لقوات الأمن الأفغانية.
في المقابل، كانت روسيا تفقد الآلاف من المركبات القتالية والطائرات وحتى السفن الحربية منذ الحرب في أوكرانيا في فبراير عام 2022. ومنذ بداية الحرب، أفادت تقارير بأن روسيا فقدت نحو 8800 مركبة قتالية مدرعة، وأكثر من 3 آلاف دبابة، وما يقارب الـ250 طائرة مقاتلة ومروحية. وفقدت روسيا نحو 300 دبابة خلال المعركة التي استمرت خمسة أشهر للسيطرة على بلدة أفديفكا الأوكرانية.
ولكن من خلال أعداد وأنواع الأسلحة التي فقدتها روسيا ودمشق التي كانت تحظى بدعمها، تلقت موسكو ضربة أكبر بكثير من واشنطن بخسائرها في المعدات التي كثيراً ما تم الحديث عنها في أفغانستان، على حد تعبير المجلة الأمريكية.