تبقى الطفرة التي أحدثها الشيخ سيد درويش في الأغنية الوطنية من جوانب تأثيره القوي وبصماته التي مازالت محل التحليل والبحث بعد 100 عام من وفاته.
فقد شهدت الأغنية الوطنية طفرة نوعية عندما ظهر الشيخ سيد على الساحة الفنية.
ويمكن القول بأن الأغاني الوطنية منذ عام 1919 اتخذت شكلين أساسيين يمكن تمييزهما في موسيقى سيد درويش:
الأول: الأناشيد الحماسية القوية المثيرة للعاطفة والقائمة على كلمات وطنية صرفة سواء بالفصحى أو العامية مثل: بلادي بلادي، وقوم يا مصري، وأحسن جيوش في الأمم.
والثاني: الأغاني التي تأخذ بعداً عاطفياً تعبيرياً مع التركيز على ملمح أو أكثر مما يزيد تعلق قلب المصري بوطنه ويدعم اعتزازه به، مثل: سالمة يا سلامة.. أهو ده اللي صار.. ده بأف مين اللي يألس ع المصرية.
من الأغاني المهمة التي كتبت خلال فترة الأحداث الممهدة للثورة وقدمت لأول مرة بعد شهرين من اندلاعها، واستخدم بديع خيري في مقدمة الأغنية مطلعاً فلكلورياً هو "سالمة يا سلامة رحنا وجينا بالسلامة"، ولحنها الشيخ سيد.
كان أغلب كتاب الأغاني الوطنية في هذه الفترة يلتقطون شعارات المحتجين لتصبح أساسا لكلماتهم، ويظهر ذلك في كثير من أغاني سيد درويش، ولكن طقطوقة "أهو ده اللي صار"، والتي تعد واحدة من أشهر أدوار درويش، ذهبت إلى منطقة أبعد تعبر عن الجذور المصرية الفرعونية وهو ما ظهر في في كلماتها المطالبة بتحرك المصريين لإنجاح الثورة (إيدك في إيدي وقوم نجاهد.. وإحنا نبقى الكل واحد.. والأيادي تكون قوية)، وهي الكلمات المستنبطة من نص ورد في كتاب الموتى الفرعوني: (عندما يصير الزمن إلى خلود، سوف نراك من جديد، لأنك صائر إلى هناك، حيث الكل في واحد).
عند التدقيق في كلمات النسخة الأولى من الطقطوقة كانت على الأرجح تشير إلى الزعيم سعد زغلول «يا مصر يا أم العجايب.. (سعدك) أصيل والخصم عايب»، وتحولت (سعدك) إلى (شعبك) في النسخ الحديثة للأغنية، كالنسخة التي غنتها المطربة اللبنانية فيروز.
*أول نشيد وطني
ينسب أيضاً إلى سيد درويش أن قبل وجوده لم يكن هناك نشيد قومي متداول بين أفراد الشعب، وقد ولد أول نشيد مع تلحينه لـ«قوم يا مصري» في رواية «قولوله» من كلمات بديع خيري في عام 1919، وعبر الثنائي سيد درويش وبديع خيري عن هذه اللحظة المهمة في عمر الوطن، داعيًا الجماهير للنهضة والمشاركة: «قوم يا مصري مصر دايما بتناديك..خد بنصرى نصرى دين واجب عليك».
وتشير الكلمات إلى نفي زعيم الأمة سعد زغلول بـ«يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك»، وتحمل الأغنية كثير من هذه المعاني المبطنة والمقصود بها سعد مثل «نيلها جى السعد منه» و«يوم مبارك تم لك فيه السعود».
درويش ملحنا لأغاني عن المرأة
كما كان للمرأة نصيبها من هذا النوع الغنائي، وهو أمر مختلف ونادر في ذلك الوقت، حيث قدم درويش بالتعاون مع خيري في نفس المسرحية "قولوله" طقطوقة بنت مصر، وأدتها المطربة حياة صبري، تبدأ بسؤال استنكاري: «ده بأف مين اللى يألس على بنت مصر بأنهي وش؟» وكانت كلمة «بأف» شائعة بين عامة المصريين في هذا التوقيت وتشير إلى الشخص «النكرة» الذي لا أهمية لرأيه.
وفي عام 1923 لحن سيد درويش استعراض «بنت اليوم» الذي كان جزء من رواية «الانتخابات» من تأليف أمين صدقي، وتقديم فرقة علي الكسار، وهي آخر المسرحيات التي شارك فيها سيد درويش قبل وفاته في نفس العام.
والأغنية التي تبدأ كلماتها بـ«ده وقتك ده يومك يابنت اليوم..قومي اصحي من نومك بزياداكي نوم..وطالبي بحقوقك واخلصي من اللوم» ناقشت أوضاع المرأة وحقوقها وطالبت بأن تمارس حقوقها المشروعة، كالحق في الانتخاب.
بالإضافة إلى طقطوقة "أنا المصري كريم العنصرين" والتي لحنها الشيخ سيد في مسرحية "شهوزاد" أو شهرزاد" أولى مسرحياته لفرقته المسرحية الخاصة وعرضت لأول مرة يوم ٧ يونيو ١٩٢١، وظهر تأثره بموسيقى فاجنر في الجز الأول منها كما ورد في تحليلات ألحانه التي نشرت بمجلة الموسيقى في عدد 16 سبتمبر 1935 احتفاء به.
تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام