مئوية سيد درويش : ماذا لو عاش فنان الشعب وامتد به العمر؟ رؤى موسيقية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 2:23 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مئوية سيد درويش : ماذا لو عاش فنان الشعب وامتد به العمر؟ رؤى موسيقية

محمد نصر:
نشر في: الثلاثاء 19 سبتمبر 2023 - 4:52 م | آخر تحديث: الثلاثاء 19 سبتمبر 2023 - 4:52 م

ربما كان العمر القصير لسيد درويش أحد العوامل التي صنعت أسطورته، الحية إلى وقتنا هذا بعد مضي قرن من الزمان على وفاته في الخامس عشر من سبتمبر 1923، وهذا العامل الثانوي يثير دائما تساؤلا: ماذا لو عاش سيد درويش وامتد به العمر؟
تتباين آراء عشاق سيد درويش ومريديه ما بين نزوع نحو الإغراق في الواقعية، وبين رؤى حالمة، وربما في كلا الرؤيتين ما يعضدهما.
وفي ذكرى مئوية الفنان الخالد سيد درويش، قد تجدر بنا استعادة ما قاله النقاد ومعاصروه وتلاميذه وأيضا من عملوا على إنتاجه وانطباعاتهم عمّا لو أنه عاش وامتد به العمر!

في مارس 1959، عرض لنا الملحن الموسيقى، الراحل سليمان جميل، على صفحات مجلة "الغد" الثقافية عدد من آراء بعض النقاد والمؤلفين الموسيقيين والأدباء في أعمال سيد درويش، "في مدى ما كانت تصيبه موسيقانا العربية من نهضة لو أن سيد درويش قد عاش حتى الآن" ساعيا لأن يستخلص منها نتيجة تهدي في الكشف عن منابع موسيقانا القومية وإحيائها.

هل يقوى التاريخ على ابتلاع التراث؟

وفي مقاله يرى سليمان جميل أن البحث عن شخصيتنا القومية في صور الفن المختلفة يقتضي بالضرورة تتبع ودراسة مصادر فنوننا الشعبية عبر تاريخنا الطويل حتى يمكن الحصول على تراث فني صنعته الاجيال المتعاقبة، وان كان هذا التراث مختفيا في حقب مظلمة من الزمن فان التاريخ لا يقوى ابدا على ابتلاعه، وأن إحياء ذكرى فنان الشعب "انما يوحي بالسعي الي جمع شتات تاريخنا الموسيقي الشعبي كي لا يموت"، لا سيما "إذا علمنا ان الفنان المطلوب لتطوير خاماتنا الموسيقية غير موجود في مجتمعنا بصورته المثلى، يكون المطلوب منا بالضرورة أن نجد حلولا أولية تزيل الغموض الذي يكتنف مشكلتنا الموسيقية.

وأشار إلى أن "الحديث عن سيد درويش يتطلب منا دراسة أعماله الموسيقية ودراسة الملابسات السياسية والاقتصادية التي تلون بها المجتمع الذي ساهم سيد درويش في تطويره فعلا بموسيقاه"، فهي "كاشفة عن معالم الطريق الى مجرى موسيقانا الشعبية الغزيرة".

وفقا لجميل يرى الشاعر والكاتب المسرحي بديع خيري كونه أحد من عاصروا وزاملوا سيد درويش في إنتاجه الفني: "إن سيد درويش الفنان الأصيل قد شارك الشعب المصري في بيئاته المختلفة افراحه وأحزانه وأحلامه وأنه باندماجه الصادق في حياة الناس أحدث انقلابا ثوريا في الموسيقى العربية بعدما أصبحت ألحانه يغنيها الشعب، وبعد أن كانت الموسيقى العربية جامدة ومجرد وسيلة يقتل بها الحكام فراغهم". مشيرا إلى أن "سيد درويش رغم شهرته كفنان لم يعرف الغرور الى نفسه سبيلا ... سيد درويش كان يغني مع الناس أناشيده الحماسية في الطريق العام، في ثورة 1919، دون أن يخشى رصاص الإنجليز". مؤكداً أن سيد درويش لو عاش "لأعطانا دون أدنى شك الأوبرا الصحيحة التي لا تفرق في شيء عن الأوبرا العالمية ولأمكنه أن يحقق أهداف ثورتنا في الموسيقى.

ويتابع خيري في إجابته قائلا: "تلحين اليوم قاصر عن أن يصل إلى مستوى ألحان سيد درويش لا سيما مسرحياته الغنائية التي تمثل ألحانها المواقف الإنسانية، وتعبر عن البيئة الشعبية بصدق وعمق ... وفيما يختص بإعداد ألحان سيد درويش للأوركسترا الحديث فإنني أحبذ أن يهتم المختصون بذلك الاتجاه الحديث مع المحافظة على جوهر اللحن".

دور الفرد..

ويرى سكرتير جمعية أصدقاء سيد درويش الكاتب والمحامي الراحل يوسف حلمي أن سيد درويش لو بقي حيا: "لتغير الكثير من المعالم والأحداث والناس"، مشيرا إلى أن "مجرد تصور الاحتمالات التي كانت ستنجم عن بقائه حيا ليوضح خطر الدور العظيم للفرد العظيم في توجيه التاريخ، خصوصا إذا كان ملتصقا بالجماهير ... من يدرس قطاعا ما من تراث سيد درويش سوف يهتدي بسهولة إلى حقيقة ثابتة، هي أن هذا الرجل كان وما يزال له أثره في مجالات حياتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية مع أنه مات قبل السينما والراديو بسنوات عديدة. فماذا لو أنه عاش بعدهما؟.

طريق الأوبرا..

ووفقا للموسيقار محمد عبد الوهاب فإن سيد درويش كانت فنانا متطوراً "قد خرج عن أسوار مصر، فتأثر بكل جميل في الموسيقى الأجنبية. تأثر من حيث الأداء بالغناء التركي والرومي، وخرج على القواعد التقليدية للموسيقى الشرقية. وحاكى الفنانين الأوروبيين في علم الهارموني بشكل غير مبالغ فيه، كما سار على النهج الأوروبي في الأوبريت وفي بعض اللهجات الموسيقية".

وأضاف في مجلة الغد عام 1959 أن سيد درويش كان له من سعة الأفق ما جعله لا يقف جامدا أمام الجديد ما دام هذا يساعده على النهوض بفنه وألحانه.

ويؤكد عبد الوهاب: "أستطيع أن أقول انه لو بقي بيننا لكان دائم التطور والتجديد، ويمكنني أيضا أن أقول ان هذا التطور كان سيسير في نفس الطريق الذي أحبه سيد درويش.. طريق الاوبريت والأوبرا ... لقد كان سيد درويش بطبعه صارخ اللون في إعطاء الكلام ما يوافقه من اللحن، وكان رائعا في الحوار الموسيقى. والمجال الطبيعي لهذا وذاك هو الأوبريت والمسرح الغنائي، ومن هنا جاء يقيني بأن الطريق الذي كان سيسلكه الشيخ سيد درويش، هو طريق الأوبريت والأوبرا.

محرر الأغنية المصرية..

أما الموسيقار أبو بكر خيرت فإنه يعتبر أن "سيد درويش الذي عاش بين معظم طبقات الشعب هو محرر الأغنية المصرية، وفي طليعة صف المؤلفين للأغاني الذين حددوا بصورة عملية مميزة الموسيقى الشعبية المصرية". وذلك بسبب أن "الصورة الميلودية البدائية التي ارتكزت عليها كل أعماله" ولبدائيتها فقد وصلت إلى نفوس الجماهير.

وذكر في مجلة الغد عام 1959 أنه لو "حدث أن سيد درويش كان قد درس وارتفع بمستوى فنه لباعد ذلك بينه وبين الجماهير"!.

«الفدائي» سيد درويش..

ويعدد الناقد الراحل محمد علي حماد المعجزات التي خلدها سيد درويش في خمس سنوات هي عمره الفني بدءا من ثورة 1919 قائلا، "قاد ثورة سياسية كبرى وخلق ثورة فنية أكبر، ووضع أساس الأوبريت الصحيح في "العشرة الطيبة"، ووضع أساس تطوير قواعد الموسيقى الشرقية، وخلق الأوبرا المصرية في الفصل الأول من "كليوباترا" ... لقد كان سيد درويش يمثل الشعب بطوائفه أنغاما كانت تحكى باللحن ألوان المجاميع، وتعبر عن آلامها وآمالها أروع ما تقصه وتحكيه الألفاظ والكلمات".

وعما كان يمكن أن يحققه سيد درويش لو كانت بين يديه امكانات ضخمة، يشير حماد إلى أن "سيد درويش ألف فرقة غنائية بنقود قليلة، ولحن لها شهرزاد والبروكة فماذا تراه كان فاعلا لو وجد بين يديه ألفا من الجنيهات؟ ألفا واحدة ولا أقول عشرات الألاف مما تقدمه الدولة اليوم على الفرق المسرحية ... لقد ضرب المثل، أروع المثل، لفنانينا الذين يملكون مئات الألوف ويطالبون الدولة بالعون والمساعدة ولا يجسرون أن يحتذوا حذو «الفدائي» سيد درويش"!.

رأي مقابل..

في المقابل كان للكاتب والناقد الموسيقى الراحل كمال النجمي أيضا رأي في إجابته عن التساؤل حول ماذا لو عاش سيد درويش وامتد به العمر؟.

ففي مقاله بمجله الهلال بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد سيد درويش 1992، يشير النجمي إلى أن من شهوات الإعجاب لدى عشاق درويش قولهم: "لو لم يمت في ريعان شبابه لصنع من الألحان ما لم يصنعه أحد في القرن العشرين".

ويجيب النجمي على التساؤل مؤكدا: "بلى.. قد كان جديرا أن يصنع ذلك وأكثر منه، ولكن الحي لا ينصف الميت إذا حكم عليه بما كان مرتقبا أن يصنعه لو عاش كذا من السنين فوق العمر الذي عاشه. ولا ينتقص من سيد درويش من يقول إنه - في ميزان الفن – يساوي بالضبط ما أتيح له أن يساويه فعلا خلال عمره الخاطف العاصف".

ويتابع: "لو عاش لكان ممكنا أن يبلغ نهاية جهده بعد شوط قصير، فيدور في حلقة مفرغة، ويسبقه الزمن، ويتفوق عليه ملحنون جدد، وينقلب سيد درويش المجدد إلى سيد درويش المحافظ المتزمت، فإن هذا الفنان لم يكن ثمرة ناضجة سقطت فجأة من الفضاء، بل كان ثمرة نبتت في الأرض وأنضجتها الشمس في زمانه ومكانه، وقد عوجل من استكمال فنه، ولكن فنه هذا الذي لم يكتمل، هو فنه كاملا غير منقوص".

ويؤكد النجمي على أن حتمية التطور كانت لتفرض على درويش نفس مسلك من خلفوه قائلا: "لو عاش سيد درويش وأتى بالعجائب لكانت عجائبه هذه مجرد موجة في تيار التطور الذي أجراه الملحنون في الثلاثينات وما تلاها من عقود، ولفرض عليه هذا التطور أن يسلك الطرق التي سلكوها، أو يشق لنفسه مثلها، فهم لم يلحقوا به في زمانه، وهو لا يلحق بهم في طرائقهم التي انتهجوها في زمانهم، ولا يمكن قصر التاريخ الفني وغير الفني أن يمحو المسطور في صفحاته".

ويري النجمي أن: "أبلغ الإنصاف لسيد درويش أن يقدمه محبوه وعارفوه إلى الأجيال الجديدة في حجمه الطبيعي. ملحنا ومغنيا ومفكرا موسيقيا. ويخلصوا سيرته ومأثره الفنية من شهوات الإعجاب، فإنها كثيراً ما تنقلب إلى تشويهات.

تابع القراءة في ملف الشروق عن سيد درويش 100 عام من الإلهام



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك