لم تكن تعلم في السنوات الأولى من طفولتها أنها لن تعيش حياة طبيعية؛ بسبب مرض وراثي نادر يهاجم الأعصاب، شخصه الأطباء في البداية بعيب خلقي في القدم، حيث كانت خطواتها صعبة وثقيلة وغير متزنة، قبل أن تتأكد أنه اضطراب نادر في الأعصاب تسبب لها في حركات لا إرادية بالجسم، بدأت معه رحلة تحدي وأمل سطرت بها قصة مُلهمة عنوانها "وراء كل مِحنة منحة من الله".
في البداية كان أقصى طموح الشابة "شيماء سعيد"، استكمال تعليمها الجامعي، خوفًا من الاستسلام لمصير شقيقتها التي اكتفت بالتعليم الإعدادي؛ بسبب التنمر على مرضها، وبالفعل حصلت على ليسانس آداب جامعة الإسكندرية، لتنتصر على كل التحديات التي واجهتها في مسارها التعليمي، والذي ساندتها فيه العائلة وخاصة والدتها التي كانت تذهب بها إلى الكلية، لصعوبة حركتها أحيانًا.
"كل ما بكبر في السن حالة عدم الاتزان بتزيد، ولحد ثانوي كنت بقدر أمشي، لكن في الكلية كنت بقع كتير وبخاف أمشي لوحدي"، بهذه الكلمات بدأت سعيد تروي لـ"الشروق"، كيف كانت رحلة كفاحها، بين صعوبة الحركة والاتزان بسبب الحركات اللاإرادية في الجسم تارة، وبين تنمر البعض من حولها تارة أخرى، الأمر الذي أثر عليها نفسيًا بشكل كبير وجعلها تخجل من نظرات الناس في بداية الأمر، خاصةً بعدما حال مرضها وحالتها الصحية بينها وبين العمل في أي وظيفة عادية مثل أي فتاة في عمرها.
فرغم محاولاتها المستمرة للحصول على وظيفة عقب التخرج، باءت كل هذه المحاولات بالفشل، لتقرر بعدها إنشاء عالم خاص بها، بعيدًا عن العمل الشاق الذي يتطلب خروجها يوميًا، واختارت الهواية التي تحبها مُنذ طفولتها، فطالما كانت طفلة محبة للخيوط والأعمال اليدوية في حجرة التدبير المنزلي بالمدرسة، وبدأت ترسم ملامح مشروعها بالخيوط الملونة التي تنسجها بإبرة الكروشية، لتخرج أعمالًا مبدعة بلمسات خيالية ودقة عالية سواء في صناعة المفروشات أو الملابس أو حتى صناعة الدمي ولعب الأطفال والحقائب المختلفة.
"الموضوع في البداية كان هواية وعملت شنطة لصديقة ليا وماتخيلتش النتيجة والترحيب بيها، وجبت الطريقة من على الإنترنت وبدأت اتعلم كروشية، وحاليًا بتعلم مكرمية"، استكملت سعيد حديثها عن أولى تجاربها في عالم الكروشية الذي تعلمته منذ حوالي 6 سنوات بمزيد من الإصرار والتحدي، وصقلت موهبتها بالتعليم الذاتي عبر الإنترنت، قبل أن تبدأ في تلقي الدورات والمشاركة بأعمالها اليدوية في المعارض الفنية المختلفة، لتتحول موهبتها الخاصة إلى مصدر دخل لها.
ولم تكتف بطلة الكروشية أو "مشمشة سعيد"، كما يطلق عليها رواد السوشيال ميديا، بالمعارض الفنية بل أنشأت صفحة خاصة بها على موقع التواصل الاجتماعي، لعرض منتجاتها بنفسها والظهور فيها للتواصل مع عملائها؛ لدعم ذوي الهمم ومن يعاني من نفس ظروفها المرضية، وإعطاء الأمل لكل إنسان يسعى لكسب الرزق، وفتح مشروعه الخاص رغم التحديات والعقبات التي تواجهه، ولاقت الشابة نجاحًا كبيرًا، وأصبح لديها عملائها الذين يعرفونها، ويقبلون على شراء ما تصممه من إبداعات الكروشيه.
وقالت سعيد: "بشعر بسعادة لما بلاقي حد اشترى مني داخل يطلب أوردر تاني، وبحس بقيمة تعبي لما بشوف فرحة الناس بشغلي"، معربة عن سعادتها بردود فعل الجمهور في المعارض على أعمالها الفنية بالكروشيه، رغم عزوف البعض عن الشراء الفترة الأخيرة لارتفاع التكلفة نتيجة زيادة أسعار الخيوط؛ بسبب ارتفاع سعر الدولار، لذا تحاول جاهدة الاستمرار في مشروعها وتطويره دائمًا بجودة مرضية وأسعار معقولة.
وأنهت سعيد حديثها، ناصحة الشباب بألا ييأسوا من الحياة، أو العقبات سواء بسبب المرض أو التنمر أو نقص الإمكانيات، ويجتهدوا ولا يستسلموا للتحديات حتى يكونوا قادرين على تحقيق حلمهم وتطوير موهبتهم.
كما تتمنى أن يتوسع مشروعها ويصبح البراند الخاص معروف على المستوى المحلي والعالمي.