تحتفل جامعة القاهرة، اليوم 21 ديسمبر بذكرى تأسيسها في عام 1908، تحت مسمى "الجامعة المصرية"، والتي كانت تعبيرا صادقا عن الوطنية المصرية، وصورة من صور مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر آنذاك.
وتستعرض "الشروق"، مع ذكرى الافتتاح، فصولًا من تاريخها ومعايشة للأحداث التي صاحبت أحد أكبر المشروعات الثقافية والفكرية لمصر من خلال قراءة بكتاب "تاريخ جامعة القاهرة" للدكتور رؤوف عباس.
وقال الدكتور رؤوف عباس في كتابه "تاريخ جامعة القاهرة": "لطالما كانت الطبقة الوسطى العمود الفقري للحركة الوطنية في مصر، خصوصًا في مواجهة سياسات الاحتلال البريطاني، بقيادة مصطفى كامل والحزب الوطني، مثلت هذه الطبقة القوة الدافعة للمقاومة، ومن هنا جاءت معارضة سياسة الاحتلال التعليمية في مقدمة أولوياتها، برزت مطالب إنشاء نظام تعليمي وطني كأحد أهم الوسائل لتحقيق الاستقلال الثقافي والفكري عن الاحتلال".
*البذور الأولى لفكرة الجامعة المصرية
في ظل هذه الظروف، نمت فكرة تأسيس جامعة مصرية تكون منارة للعلم والفكر، استلهم المصريون الفكرة من الجامعات الأوروبية التي تعرفت عليها النخبة الثقافية المصرية أثناء دراستهم بالخارج، وأيضًا من تجربة جامعة "عليكره" في الهند التي تأسست عام 1875، والتي دمجت بين التراث والفكر الحديث، كذلك كانت هناك تجربة المدرسة الكلية الأمريكية السورية (جامعة بيروت الأمريكية لاحقًا)، التي جذبت بعض المصريين لدراسة مختلف العلوم.
*الصحافة ودورها في طرح الفكرة
لعبت الصحافة دورًا حاسمًا في الترويج لفكرة الجامعة منذ أواخر القرن التاسع عشر، كان لجورجي زيدان دور ريادي عندما دعا على صفحات مجلة "الهلال" عام 1903 إلى إنشاء جامعة، كما ساهمت مجلة "المقتطف" بمقالاتها التي ناقشت الجامعات ودورها في نهضة الأمم.
*جهود الشخصيات الوطنية لدعم المشروع
دعا الشيخ محمد عبده، الذي فقد الأمل في تطوير الأزهر، إلى إقامة جامعة بدعم من الأثرياء، حاول إقناع المنشاوي باشا، الذي أبدى استعداده لتمويل المشروع، إلا أن وفاته عرقلة التنفيذ، وكذا نشر مصطفى كامل مقالات على صفحات جريدة "اللواء"، داعيًا إلى تأسيس الجامعة كجزء من النهضة الوطنية، ونجح في جمع دعم مادي نسبي من بعض الأعيان، إلا أن تجاهل الخديوي للمشروع أضعف الجهود.
*المناورات السياسية وتأسيس الجامعة
في عام 1906، واجه المشروع تحديات سياسية لإقصاء الحزب الوطني ومصطفى كامل، إذ اجتمعت لجنة تحضيرية ضمت سعد زغلول وقاسم أمين وعددًا من الأعيان لتنظيم المشروع، وتم افتتاح الجامعة رسميًا في 21 ديسمبر 1908، بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني وكبار الشخصيات.
الطلاب وبدايات الجامعة
استقطبت الجامعة في بداياتها طلابًا من مختلف الفئات الاجتماعية، أغلبهم من أبناء الطبقة الوسطى، بلغ عدد الطلاب حوالي 489، شملوا تلاميذ المدارس، رجال القضاء، الصحفيين، وأصحاب المهن الحرة، ولعب هؤلاء الطلاب دورًا أساسيًا في تحقيق رؤية الجامعة كمنارة علمية وطنية.
* محطات تاريخية
وفي مساء يوم الافتتاح بدأت الدراسة في الجامعة على هيئة محاضرات، ولما لم يكن قد خصص لها مقر دائم آنذاك فقد كانت المحاضرات تلقى في قاعات متفرقة كان يعلن عنها في الصحف اليومية كقاعة مجلس شورى القوانين، ونادي المدارس العليا، ودار الجريدة حتى اتخذت الجامعة لها مكانا في سراي الخواجة نستور جناكليس الذي تشغله الجامعة الأمريكية حاليا.
ونتيجة للمصاعب المالية التي تعرضت لها الجامعة خلال الحرب العالمية الأولى انتقل مبناها إلى سراي محمد صدقي بميدان الأزهار بشارع الفلكي اقتصادا للنفقات.
وكافحت الجامعة الوليدة لتقف على قدميها، ولكي تتمكن من إعداد نواة لهيئة التدريس بها بادرت بإرسال بعض طلابها المتميزين إلى جامعات أوربا للحصول على إجازة الدكتوراة والعودة لتدريس العلوم الحديثة بها وكان على رأس هؤلاء المبعوثين طه حسين، ومنصور فهمي، وأحمد ضيف.
كما أنشأت الجامعة مكتبة ضمن نفائس الكتب التي أهديت لها من داخل البلاد وخارجها.
ونتيجة لما حققته الجامعة الأهلية من آمال كبار عبرت عن تطلعات المصريين، فقد فكرت الحكومة في عام 1917، في إنشاء جامعة حكومية، وألفت لجنة لذلك أشارت بضم المدارس العليا القائمة إلى الجامعة فضمت مدرستا الحقوق والطب إلى الجامعة في 12/3/1923.
وتم الاتفاق بين الحكومة وإدارة الجامعة الأهلية على الاندماج في الجامعة الجديدة على أن تكون كلية الآداب نواة لهذه الجامعة.
وفي 11 مارس 1925 صدر مرسوم بقانون إنشاء الجامعة الحكومية باسم الجامعة المصرية وكانت مكونة من كليات أربع هي الآداب، والعلوم، والطب، والحقوق، وفى العام نفسه ضمت مدرسة الصيدلة لكلية الطب.
وفى عام 1928 بدأت الجامعة في إنشاء مقار دائمة لها في موقعها الحالي الذي حصلت عليه من الحكومة تعويضا عن الأرض التي تبرعت بها الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل للجامعة.
وفي 22 أغسطس عام 1935 أصدر المرسوم الملكي بقانون رقم 91 بإدماج مدارس الهندسة والزراعة والتجارة العليا والطب البيطري في الجامعة المصرية.
وفي 31 من أكتوبر عام 1935 صدر مرسوم بإلحاق معهد الأحياء المائية بالجامعة المصرية.
وفي عام 1938 انفصلت مدرسة الطب البيطري عن كلية الطب لتصبح كلية مستقلة، وفي 23 من مايو عام 1940 صدر القانون رقم 27 بتغيير اسم الجامعة المصرية إلى جامعة فؤاد الأول.
وفى 24 من أبريل عام 1946 صدر القانون رقم 33 بضم كلية دار العلوم إلى الجامعة.
وفى 28 سبتمبر عام 1953 صدر مرسوم بتعديل أسم الجامعة من جامعة فؤاد الأول إلى جامعة القاهرة.