ساعات تفصلنا عن انطلاق معرض القاهرة الدولي للكتاب في نسخته 55 لهذا العام 2024.
يعد معرض القاهرة الدولي للكتاب أحد أهم وأشهر معارض الكتاب في العالم العربي وإفريقيا، وهو ثاني أكبر معرض للكتاب بعد معرض فرانكفورت الشهير.
وفي كل عام يشهد الوسط الثقافي حالة نشاط منقطعة النظير بين عناصر العملية الثقافية في مصر والعالم العربي أجمع، حيث يعكف القراء على تجهيز ما عرف بقوائم الكتب التي يودون اقتنائها والتي يصعب الحصول على البعض منها في غير أوقات المعرض، ويذهب الناشرون إلى الإعلان عن أحدث الإصدارات وأماكن تواجدهم داخل قاعات وصالات المعرض.
أما الكُتاب فيعتبرونه تتويج لمجهوداتكم الأدبية فهو فرصة للقاء القراء بشكل تلقائي بين أروقة المعرض وتلقي الانطباعات حول أعمالهم القديمة والاحتفاء بما هو جديد، بالإضافة إلى عقد الندوات وحفلات التوقيع على هامش المعرض.
كما يعتبر معرض القاهرة فرصة لإحياء التراث الثقافي لما تنتجه الهيئة العامة للكتاب وقصور الثقافة وكذلك مكتبة الأسرة، والمركز القومي للترجمة من أعمال تعد من النوادر الأدبية لكبار الكتاب والمثقفين الذين صنعوا تاريخ الثقافة المصرية والعربية، بالإضافة إلى مشروع سلسلة الجوائز الذي يهتم بترجمة وإصدار أهم الأعمال العالمية خاصة الكلاسيكية منها والحاصلة على أهم الجوائز العالمية، وأهم ما يميز تلك الجهات هو توفير الأعمال الأدبية بأسعار مناسبة لكافة القراء وفقا لظروفهم كافة الاقتصادية المختلفة.
كما تحرص دور النشر المصرية والعربية الخاصة أي التي لا تتبع وزارة الثقافة بصفة حكومية على توفير أكبر قدر من العروض والخصومات لمساعدة القاريء في الحصول على الكتب التي يرغب في اقتنائها.
تبدأ هذه المجهودات قبل بداية دورة معرض الكتاب التي توافق إجازة نصف العام منذ دورتها الأولى، وبالرغم من الأعباء والمسؤوليات التي تقع على كاهل المواطن المصري وتثقله، دائما ما يأتي بما يخرج عن التوقعات بل وعن آمال الناشرين والكتاب، ففي كل عام يشهد العالم أزمة جديدة تؤثر على حال الأسرة المصرية فينتاب القائمين على إدارة معرض الكتاب تخوف من درجة الإقبال على زيارة المعرض، لتخيب الأسرة المصرية التوقعات بحضور لافت يزداد سنويا.
أصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب بمثابة كرنفال يعبر المصريون من خلاله عن مدى صلابة تاريخهم الحضاري ووعيهم الثقافي بأهمية القراءة وعالم الكتابة والكتب مهما واجه المجتمع من تحديات وصعوبات.
_ صاحب فكرة إقامة معرض للكتاب بالقاهرة
وبالنظر إلى ذلك وبالرجوع إلى أرشيف معرض الكتاب تشعر عزيزي القارئ أن أمنية الفنان التشكيلي عبدالسلام الشريف (مايو1911_نوفمبر 1997) مؤسس المعهد العالي للنقد والتذوق الفني ورائد فن الإخراج الصحفي، قد تحققت بالفعل حين تقدم إلى وزير الثقافة الأشهر ثروت عكاشة (فبراير 1921_ فبراير 2012) بفكرة ضرورة إنشاء معرض دولي للكتاب في مصر بالتزامن مع احتفال القاهرة بألفية تأسيسها الأولى فيكون المعرض شاهد على تطور مدينة القاهرة وتاريخها.
خطوات انطلاق الدورة الأولى لمعرض الكتاب
وبالفعل تبنى السيد ثروت عكاشة الفكرة وأرسل مندوب وزارة الثقافة آن ذاك الأستاذ إسلام شلبي إلى ألمانيا بعد أن أجرى اتصالاته بسوق الكتاب الدولي في مدينة ليبزج لإقامة معرض دولي للكتاب في مصر على غرار ما يحدث في ألمانيا، ثم عهد إلى الكاتبة والناقدة والمترجمة سهير القلماوي (يوليو 1911_ مايو 1997) رئيسة الهيئة العامة للكتاب في ذلك الوقت بالإشراف على إقامة أولى دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تم افتتاحه مساء 22 يناير عام 1969.
_ ملامح الدورة الأولى من معرض القاهرة الدولي للكتاب
ومنذ الدورة الأولى عام 1969 استمرت دورات معرض الكتاب في نفس الفترة من كل عام، وفي هذا الصدد يجب الإشارة إلى أن هذا التوقيت كان أكبر تخوفات القائمين على الدورة الأولى والمتابعين للحركة الثقافية أيضا ويرجع السبب إلى أن شهر يناير يوافق بداية العام، كما يوافق الاحتفال بالأعياد القبطية المجيدة لذلك قد لا يلقى إقبال لما يكابده المواطن المصري من إلتزامات عديدة، فضلا عن التقلبات الجوية في هذا الوقت من العام، ولكن كانت النتيجة مغايرة إلى حد مبهر، فبالرغم من سوء الحالة الجوية في هذا اليوم شهد المعرض إقبال جماهيري كبير أجبر القائمين على المعرض على فتح أبوابه للزوار يوميا منذ الساعة العاشرة صباحا حتى السابعة مساء دون لحظة توقف واحدة.
وشهدت الدورة الأولى مشاركة 100 ناشر يمثلون 32 دولة من أمريكا وأوروبا وآسيا والدول العربية أيضا، واستمر المعرض فاتحا أبوابه ثمانية أيام، وكانت حلقات المناقشة الخاصة بالمعرض في ذلك الوقت تنصب على مشاكل الناشرين وتزويد الكتب العربية في بيروت بالكم الوفير من إصدارات الأدب المصري، كما عقدت ندوة لمناقشة دور الكتاب العربي في المنطقة العربية والمجال الدولي.
هكذا اقتصرت الدورة الأولى على هذا النوع من الأنشطة لكن في السنوات التالية تمت إضافة البرنامج الثقافي والندوات والفعاليات الفنية في الثمانينيات والتسعينيات، كما تمت إضافة فكرة ضيف شرف المعرض وكانت ألمانيا هي أول ضيف، كما تم إطلاق جوائز معرض الكتاب في كافة فروع الأدب بالإضافة إلى جوائز الناشرين.
_ أهم الأقلام التي وثقت للدورة الأولى من معرض الكتاب
وكما لقيت الدورة الأولى إقبال جماهيري لافت، لاقت إشادة من المفكرين المصريين وأساتذة الجامعة الذين وثقوا شهادتهم عن الدورة الأولى لمعرض الكتاب وكان منهم الدكتور فؤاد زكريا (ديسمبر 1927_ مارس 2010) أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة حين كتب شهادته في مقال تحت عنوان بين معرض ومؤتمر تم نشره في مجلة الفكر المعاصر عدد فبراير 1969 بعد انتهاء معرض الكتاب.
كما كتب الأستاذ أحمد عيسى رئيس تحرير مجلة الكتاب العربي في ذلك الوقت شهادته هو الآخر في مقال نشر في افتتاحية عدد إبريل 1969 تحت عنوان على هامش أسبوع معرض القاهرة الدولي للكتاب.
وجدير بالذكر في هذا الصدد أن كانت هناك محاولات سابقة في العهد الملكي لإقامة أول معرض للكتاب عرفت بمعرض الكتاب العربي عام 1946 افتتحه وزير المعارف العمومية في ذلك الوقت.
ومع زيادة أهمية معرض القاهرة الدولي للكتاب ازداد الفضول حول دورته الأولى، أشبع هذا الكاتب والباحث في الشأن الثقافي محمد سيد ريان بإصدار كتاب تحت عنوان حكاية أول معرض دولي للكتاب مزودا بالوثائق والصور نهايات عام 2018 ضمن سلسلة كتاب الجمهورية، ليزامن صدور الكتاب الاحتفال باليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب عام 2019.
_ أشهر الأماكن التي احتضنت معرض الكتاب
أقيم معرض الكتاب خلال 55 دورة في ثلاثة أماكن، شهدت الدورة الأولى عام 1969 في أرض الجزيرة "دار الأوبرا حاليا"، وفي عام 1982 تم نقل المعرض إلى أرض المعارض بمدينة نصر، وفي عام 2011 للظروف الثورة في ذلك الوقت تم إقامته بأرض هيئة الكتاب بمنطقة فيصل، وفي السنوات التالية تم إعادته إلى مدينة نصر مرة أخرى حتى عام 2019 احتفالا باليوبيل الذهبي لمعرض الكتاب تم نقله إلى مقره الحالي بمركز مصر للمعارض الدولية في التجمع الخامس.
_ أهم الأزمات التي واجهت معرض الكتاب
لم تمر دورات معرض الكتاب مرور الكرام كما قد يظن البعض فقد واجه بعد العراقيل وبعد المواقف التي لن تنسى، كان أولها المعارضة الشديدة لمشاركة إسرائيل في معرض الكتاب، وكان شاهدا على ذلك دورة معرض الكتاب برئاسة الشاعر صلاح عبدالصبور حيث شهد المعرض مظاهرات ترفض اتفاقية كامب ديفيد وقيام المتظاهرين بحرق العلم الإسرائيلي.
ومن منا لا يتذكر المناظرة الشهيرة عام 1989 بين الشيخ الغزالي والمفكر الكبير فرج فودة.
وأزمة الروايات الثلاثة التي صدرت عن هيئة قصور الثقافة عام 2001 في عهد فاروق حسني، حيث اتهم ممثلون من جماعة الإخوان ثلاثة أعمال روائية بخدش الحياء العام والمطالبة بإقالة القائمين على الهيئة في ذلك الوقت، وهي أحلام محرمة لمحمود حامد، وأبناء الخطأ الرومانسي لياسر شعبان، وقبل وبعد لتوفيق عبدالرحمن، وبالفعل تمت مصادرة هذه الأعمال وعلى إثر ذلك تم إعلان مقاطعة وزارة الثقافة وكافة أنشطتها من معارض وندوات وأمسيات، سواء في معرض الكتاب الدولي وأنشطة المجلس الأعلى للثقافة، وأنشطة الثقافة الجماهيرية، وكافة إصدارات وزارة الثقافة، وكان من الموقعين على البيان الروائي جمال الغيطاني، والكاتب أسامة أنور عكاشة، ويوسف القعيد، ويوسف أبورية، والناقد فاروق عبدالقادر، والدكتور عبدالعظيم أنيس، والكاتب عزت القمحاوي، والإعلامية فريدة الشوباشي.
أما أشهر الأزمات التي مر بها معرض القاهرة الدولي للكتاب كانت في عام 2011 حين تم تأجيل موعد الافتتاح أكثر من مرة بسبب الأحداث السياسة ويوميات ثورة 25 يناير حالت دون إقامة المعرض، لكن العام لم ينتهي دون إقامة دورة معرض الكتاب التي عرفت بالدورة الاستثنائية وأقيمت في ال 25 من أغسطس 2011.
وفي عام 2012 كانت الدورة الوحيدة التي شهدت حضور محدود للقراء بسبب الأحداث السياسية في ذلك الوقت
شهد معرض الكتاب التأجيل مرة أخرى عام 2021 إلى 30 يونيو من نفس العام بسبب ظروف الجائحة التي اجتاحت العالم.
في النهاية يعد كل ما سبق شاهد قوي كيف استطاع معرض القاهرة الدولي للكتاب الصمود لأن يصبح وجهة الكثيرين من مثقفي الوطن العربي، ومحط أنظار العالم العربي من الكتاب والقراء، ومازالت وستظل دوراته شاهدة على الوعي الثقافي للشعب المصري كما تشهد العديد من الذكريات النبيلة التي تجمع أصدقاء القراءة معا في معرض القاهرة الدولي للكتاب بمشاركة الكتب وهمهمات الأحلام التي لا يسمعها أحد سوى أرفف الكتب.