نعيش خلال شهر رمضان المبارك نفحات إيمانية جليلة، وما أطيب أن نتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذا الشهر الكريم.
وفي حلقات متواصلة، ترصد "الشروق" حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في منزله كزوج، موضحة علاقته بزوجاته "أمهات المؤمنين"، في سلسلة بعنوان: "نساء النبي"، وذلك كما وردت في الكتاب الذي يحمل نفس الاسم للكاتبة الدكتورة عائشة عبدالرحمن، المعروفة بـ"بنت الشاطئ".
الحلقة الثانية والعشرون..
• قصة أم المساكين.. زينب بنت خزيمة
لم يكن قد مضى على دخول حفصة بنت عمر بن الخطاب البيت المحمدي غير وقت قصير، حين دخلته أرملة شهيد قرشي من المهاجرين الأولين، خامسة أمهات المؤمنين زينب بنت خزيمة، ويبدو أن قصر مقامها ببيت النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف عنها كتاب السيرة ومؤرخي عصر المبعث، فلم يصل إليهم من أخبارها سوى بضع روايات لا تسلم من تناقض أو اختلاف.
فيروي الطبري، أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج زينب بنت خزيمة من بني هلال في شهر رمضان، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها، وهذه رواية تختلف عن إنها امرأة الشهيد، كما اختلف كتاب السيرة أيضا فيمن تولى زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم فعن ابن الكلبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطبها إلى نفسها فجعلت أمرها إليه فتزوجها، ولكن روى ابن هشام أنه زوجه إياها عمها قبيصة بن عمرو الهلالي وأصدقها صلى الله عليه وسلم 400 درهم.
واختلف كتاب السيرة في المدة التي قضتها زينب بنت خزيمة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الإصابة رواية تقول: "كان دخوله بها بعد دخوله صلى الله عليه وسلم على حفصة بنت عمر، ثم لم تلبث عنده شهرين أو 3 وماتت"، وفي رواية أخرى عن ابن الكلبي: "فتزوجها في شهر رمضان سنة 3 هجريا، فأقامت عنده 8 أشهر ثم ماتت في ربيع الآخر عام 4 هجريا".
على الرغم من اختلاف المؤرخون وكتب السيرة في أمر زينب بنت خزيمة، إلا أنهم أجمعوا على وصفها بالطيبة والكرم والعطف على الفقراء، حتى أنها لقبت بأم المساكين، لرحمتها ورقتها على الجميع، وعن الزهري قال: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة وهي أم المساكين، وسميت بذلك لكثرة إطعامها للمساكين وهي من بني عامر ابن صعصعة".
والراجح أن زينب بنت خزيمة توفاها الله تعالى وهي تبلغ من العمر 30 عاما، وذلك كما ذكره الواقدي ونقله ابن حجر في الإصابة، وحسبنا أن نتمثلها أنها كانت في بيت النبي صلى الله عليه وسلم قريرة العين بما نالت من شرف الزواج بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمومة المؤمنين منصرفة عن شواغل الحريم بما كان يشغلها من أمر المساكين.
وكما عاشت زينب بنت خزيمة في سلام، رقدت في سلام وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليها ودفنها بالبقيع، وكانت أول من دفن من أمهات المؤمنين هناك رضي الله عنهن جميعا، فلم يمت من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في حياته سوى السيدة خديجة ودفنت بالحجون في مكة، ثم الثانية كانت زينب بنت خزيمة فدفنها النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع.