في مشهد غير مسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، برز اسم الكاردينال العراقي لويس روفائيل ساكو ضمن الدائرة المغلقة للمرشحين المحتملين لشغل منصب البابا في حال شغور الكرسي الرسولي، بحسب ما أوردته تقارير صحفية أوروبية، من بينها صحيفة لا كروا الفرنسية المتخصصة في الشئون الدينية.
ويعكس هذا التطور تحوّلاً في بوصلة الفاتيكان، التي باتت تميل أكثر فأكثر نحو الأصوات القادمة من الأطراف، ومن الجنوب العالمي تحديدًا.
ولد ساكو عام 1948 في مدينة زاخو، شمال العراق، لعائلة كلدانية تنتمي إلى الكنيسة الشرقية الأقدم في بلاد الرافدين، تلقى تعليمه اللاهوتي في الموصل، قبل أن يُبتعث إلى روما، حيث حصل على دكتوراه في علم آباء الكنيسة من المعهد البابوي الشرقي، ثم على دكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون بفرنسا.
وعاد إلى العراق في ثمانينيات القرن الماضي، وبدأ خدمة رعوية في ظل تصاعد الحروب والعقوبات والحصار، ثم اجتياح بغداد وسقوط نظام صدام حسين عام 2003.
منذ توليه منصب بطريرك الكنيسة الكلدانية عام 2009، برز ساكو كأحد أبرز المدافعين عن الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، لم تكن مواقفه تنحصر داخل الإطار الكنسي، بل تجاوزته إلى الفضاء الوطني، حيث دعا مرارًا إلى تأسيس دولة مدنية في العراق تضمن الحقوق المتساوية لكل مكوناته، كما لعب دورًا حاسمًا في إجلاء آلاف العائلات المسيحية من الموصل وسهل نينوى خلال اجتياح تنظيم "داعش" عام 2014، وفقا لبي بي سي.
وفي عام 2018، قام البابا فرنسيس بترقية ساكو إلى رتبة كاردينال، ليصبح بذلك أول بطريرك كلداني يدخل مجمع الكرادلة، وهو المجلس الأعلى الذي يحق له انتخاب البابا.
واعتُبرت هذه الخطوة بمثابة إقرار صريح بدور الكنائس الشرقية، لا سيما تلك التي قاومت موجات الهجرة والتهميش في بلدانها الأصلية.
ومع تدهور الأوضاع السياسية في العراق، اصطدم ساكو مؤخرًا بقرارات الحكومة العراقية التي ألغت اعترافها بصفته البطريركية، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من الفاتيكان ومن عدد من المؤسسات الكنسية الدولية، ووصف مراقبون هذا القرار بأنه استهداف رمزي لحضور المسيحيين في البلاد، ورغم ذلك، رفض ساكو مغادرة العراق وأصر على البقاء "شاهدًا ومؤمنًا بأن الوطن ليس فندقًا نغادره عند الشدة"، بحسب تصريحاته لوكالة فرانس برس
لا يُعرف ما إذا كان الكرسي الرسولي على وشك الانتقال إلى شخصية غير أوروبية، لكن إدراج ساكو ضمن لائحة الـ"باباوات المحتملين" يعكس تقديرًا عالميًا لدوره في الدفاع عن الأقليات، وتاريخه الطويل في مدّ الجسور بين الشرق والغرب.
ووفقًا لمجلة ذا تابلِت الكاثوليكية البريطانية، فإن تاريخه الأكاديمي واللاهوتي، إلى جانب تجربته في مناطق النزاع، يجعلان منه مرشحًا يحمل رؤية جامعة لعالم متغيّر.
وفي حال تم انتخابه، سيكون ساكو أول بابا من العراق، ومن كنيسة شرقية غير لاتينية، وهو ما قد يشكل نقطة تحول كبرى في تاريخ الفاتيكان الممتد لمئات السنين.