"مررنا بأيام ثقال وألم يعتصر قلوبنا على ما أصاب أجسادنا من رصاص الغدر، لكننا نتزوج وننجب أطفالا ونستأنف حياتنا".. هكذا بدأ عيد، أحد سكان قرية الروضة الذي نجا من مذبحة أو هجوم بئر العبد، أو هجوم مسجد الروضة والذي لم تشهدها مصر سابقا، حيث أصيب في قدمه، حديثة لـ"الشروق" عن مشهد الأطفال الذي يؤلم النفس فكثير منهم فقد الأب أو الأخ، ووعت أعينهم على مشاهد الرعب التي حدثت في مسجد الروضة ومحيطه.
يجمع الشيخ مسعد حامد أبو جرير شيخ الطريقة الجريرية الأحمدية، رفاق الطريقة، في مجلس مغطى بسعف النخيل الجاف مجاور للمسجد، وفيه تعلو الأذكار ودروس النصح والإرشاد، ويفد إلى المكان مريدين من عدة قرى وتجمعات بشكل دوري، وكلهم على نفس النهج متحابين صابرين يرتدون جلاليب وعمائم بيضاء.
تبدو بيوت القرية ساكنة بهيئة مختلفة عما كانت عليه قبل هجوم المسجد، فقد تولت عدة جهات حكومية ومجتمعية إعادة ترميم البيوت وتوصيلها بالخدمات، وفي مدخل القرية بدت عمليات إعادة تأهيل مكتب البريد واضحة، فقد أصدر اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء تعليمات بإعادة تشغيله، وهذا ما أكده الأهالي أن العمل بدأ فعليا في إنجاز معاملات الأهالي وأن ما يتم حاليا أعمال ترميم إضافية.
طرقات القرية لم تعد خالية كما كانت في السنوات الأولى بعد الهجوم، حراك يتجدد، أطفال يسيرون، بعضهم يمارس الألعاب في مركز شباب القرية الذي تم تجديده بالكامل وآخرين منتظمون في مقرئة حفظ القرآن أو التدريب على إلقاء الأناشيد الدينية، كذلك تنتظم المدارس عامرة بطلاب المراحل التعليمية المختلفة، وبين وقت وآخر توجه الجمعيات الأهلية متطوعيها بتقديم برامج الدعم النفسي للأطفال والسيدات لتجاوز أهوال ما مروا به.
وفي جانب آخر، بدأ مسجد القرية الشهير في كامل بهاء المشهد، وثبتت عند بابه الرئيسي لوحة مكتوب عليها "مسجد روضة الشهداء"، كما أزيلت كل آثار الرصاص من على جدرانه الداخلية، إلا أن مهابة ما حدث لا تزال مرسومة في عيون رواده، عيون تركز على سقف وجدران المسجد، وكأنها تستحضر الذكرى الأليمة، وبينهم أمام المسجد ابن محافظة الشرقية الذي أصيب في الهجوم، ورغم ذلك لم يبرح المكان حيث يتمسك من تبقى من الأهالي بوجوده بينهم، وسيبقى المسجد بمأذنته المرتفعة، وقبته الشهيرة شاهدا على أبشع جريمة إرهابية عرفتها مصر، وربما دول العالم، حيث ارتقى تحت قبته 309 شهداء وأصيب 128 فردا يوم 24 نوفمبر 2017، أثناء صلاة الجمعة، وعلى بعد كيلو ونصف مسافة تفصل المكان عن 3 مقابر جماعية سجى فيها الشهداء قبل 7 سنوات .
وتقع قرية الروضة جنوب الطريق الدولي الساحلي على بعد 50 كيلومترا غرب العريش، وتتبع مركز بئر العبد إداريا، وهنا ترتكز بيوت الأهالي ومقراتها الخدمية، وفي الجهة الشمالية من الطريق فضاء ممتد حتى ساحل البحر، وفيه تقع مواقع إنتاج الملح التي يعمل فيها العديد من أهالي القرية، حيث العمل الرئيسي، بيننا يعمل آخرين في تربية الأغنام أو الزراعة.