تحتضن مدينة القاهرة، تراثا ثريًا ومتنوعا، يقف شاهدا وموثقا لأحداث تاريخ، وشخصيات مرت على مصر في حقب مختلفة من تاريخها الممتد.

ولا يقتصر تاريخ القاهرة على مساجدها التاريخية ومآذنها الشامخة أو القصور المنيفة؛ ففي مقابرها وجباناتها كنوزا مخفية لم يرها ولم يوثقها الكثير من قبل.

ووثق الدكتور مصطفى الصادق، أستاذ الطب المتفرغ بقصر العيني والمهتم بالتاريخ والتراث، جولاته بجبانات مقابر القاهرة التي أمضى بها سنوات عديدة، وجمع مادة ثرية من صور المقابر التاريخية، وصدرت أواخر يناير الماضي في كتاب: "كنوز مقابر مصر.. عجائب الأمور في شواهد القبور"، عن دار ديوان للنشر.

وتشارك "الشروق"، قراءها رحلة التعرف على الكنوز المخفية لجبانات ومقابر القاهرة من خلال حلقات مسلسلة تحت عنوان "شواهد القبور"، ما يمنحهم زاوية جديدة لإعادة قراءة تاريخ مصر وأحداثه وشخصياته:

نواصل حلقاتنا مع شاهد قبر أحد الشخصيات العسكرية البارزة في العهد الخديوي، وهو سعيد يكن باشا الذي كان أحد قادة الجيش المصري في حرب الحبشة.

* عائلة عسكرية

يقول الدكتور مصطفى الصادق في كتابه: "على الأرجح هو صاحب السعادة عبد الله سعيد يكن باشا ابن أحمد شكري يكن باشا سر عسكر الجيوش المصرية بالحجاز، ناظر الجهادية من سنة 1829 إلى سنة 1833، محافظ جدة (1827) ومكة (1840)، وأخي عباس شكري يكن باشا.

ويقع المدفن في حوش عباس باشا يكن بشارع السادات البكرية بقرافة الإمام الشافعي بجوار حوش علي باشا شريف.

* تفاصيل التركيبة

التركيبة من الرخام من مستويين، مستطيلة الشكل، وهي تحفة فنية تزينها الزخارف النباتية المذهبة وتتخللها الكتابات، وفقًا للمساحات المتاحة بين الزخارف.

يعلو المستوى الأول في أركانه كأسان والاثنتان الأخريان غير موجودتين، ولها قواعد مربعة مكتوب عليها أسماء الله الحسنى، ويحد المستوى الأول أعمدة مربعة، أما الثاني فتحده أعمدة أسطوانية النقوش الكتابية بخط الثلث البارز المذهب، ما عدا الكتابات التي تتوسط المستوى الثاني فإنها بالخط الفارسي البارز المذهب.

والخط من كتابة الفنان حافظ زكي، وهو خطاط غزير الأعمال، له كثير من النقوش الكتابية على الشواهد والتراكيب بالقرافة.

* طربوش أحمر

يعلو التركيبة أربعة شواهد قبور اثنان أماميان واثنان خلفيان الأماميان أولهما مستطيل من الرخام لعباس باشا يكن، والثاني أيضًا من الرخام مستطيل الشكل كُتب عليه بالخط الفارسي البارز المذهب باللغة العربية 12 سطرًا ويعلوه طربوش أحمر.

الشواهد الخلفية من الرخام المستطيل، أحدها عليه زخارف نباتية بارزة مذهبة لفروع متشابكة وله قمة عليها زخارف نباتية، والثاني عليه زخارف نباتية بارزة أقل ثراء من الأولى.

الشاهد الأمامي كتب عليه نقش كتابي من الخط الفارسي البارز المذهب من 12 سطرًا تُقرأ كالتالي:

"هو الحي الباقي
أيها الزائر الودود الرشيد
هون الأمر
فالمصاب شديد
ها هنا يستوي ضيوف البرايا
فيه سيان سادة وعبيد
عنده ينتهي مسير السرايا
يستوي الشيخ والصبي الوليد".