ينجح الأديب العالمى هشام مطر من خلال رواية أصدقائى استكشاف موضوعات المنفى، الهوية، والصداقة. تدور أحداث الرواية حول ثلاثة أصدقاء ليبيين: خالد، مصطفى، وحسام، الذين يلتقون فى لندن بعد مغادرتهم ليبيا لأسباب سياسية وتعليمية. تبرز الرواية الروابط العميقة التى تجمعهم، وكيف تتأثر هذه العلاقات بالظروف السياسية والاجتماعية التى مروا بها.
تبدأ القصة فى عام 1984، حيث يشارك خالد ومصطفى، وهما شابان ليبيان يبلغان من العمر ثمانية عشر عامًا، فى مظاهرة أمام السفارة الليبية فى لندن. يأمل الاثنان فى العودة إلى وطنهما بعد إتمام دراستهما، لكن الأحداث تأخذ منعطفًا غير متوقع، مما يدفعهما للبقاء فى المنفى. يلتقيان بحسام، ليبى آخر يعيش فى لندن، وتنشأ بينهم صداقة قوية تستمر لعقود، تتخللها تحديات الغربة، الحنين للوطن، والتغيرات السياسية فى ليبيا.
تستكشف الرواية تجربة العيش بعيدًا عن الوطن، وكيف يؤثر ذلك على هوية الأفراد وشعورهم بالانتماء.تُظهر الرواية قوة العلاقات الإنسانية وكيف يمكن للصداقة أن تكون مصدر دعم فى أوقات المحن.
تتناول الرواية تأثير الأحداث السياسية فى ليبيا على حياة الشخصيات، وكيف تتشابك السياسات مع الحياة الشخصية.
الرواية تتناول الصراع الداخلى الذى يعيشه المنفيون، فهم يعيشون فى دول جديدة، لكن أرواحهم لا تزال متعلقة بوطنهم الأم. فى أصدقائى، يستند هشام مطر إلى الخيال الأدبى بدلًا من السرد التوثيقى المباشر، ليقدم قصة خالد، الطالب الليبى الذى يصل إلى لندن بمنحة لدراسة الأدب الإنجليزى فى جامعة إدنبرة.
يجد خالد نفسه وسط دوامة الأحداث عندما ينضم إلى تظاهرة أمام السفارة الليبية فى 17 أبريل 1984، بتحريض من صديقه مصطفى. تنتهى التظاهرة بمأساة، حيث يُطلق الرصاص من داخل السفارة، ويُصاب خالد بجروح خطيرة. هذا الحدث حقيقى وليس من نسج الخيال، لكنه يصبح نقطة تحول فى حياته، إذ يدرك بعدها أنه لم يعد بإمكانه العودة إلى بلاده، ويتعين عليه الاختباء خشية أن يصل إليه أعوان النظام الليبى فى لندن، الذين كانوا يكتبون التقارير الاستخباراتية عن المعارضين.
بلا موارد أو دعم، يواجه خالد صعوبة فى البقاء، لكن شبكة من الأصدقاء تقف إلى جانبه. يظهر رجل غامض، يرافقه مساعده، يقدم له ولصديقه مصطفى دعمًا ماليًا ومساعدات تمكنهما من العيش فى لندن بأمان. يتضح لاحقًا أن هذا الشخص أحد قادة المعارضة الليبية، الذى سيلعب دورًا فى إسقاط النظام، لكنه يُغتال لاحقًا.
تتجلى أهمية الصداقة فى الرواية عبر شخصيات مثل رنا، الطالبة اللبنانية فى الهندسة المعمارية، التى تمنحه مكانًا للإقامة مؤقتًا، فضلًا عن أستاذه فى الأدب الإنجليزى الذى يساعده على إيجاد عمل والتسجيل فى الجامعة. كما تلعب الشرطة البريطانية دورًا رئيسيًا فى تأمين لجوئه السياسى سرًا.
لكن رغم كل ذلك، لا يبتعد خالد عن واقعه السياسى. صديقه مصطفى يدفعه إلى الانخراط فى النضال، ثم يعود إلى ليبيا للمشاركة فى الثورة، ليصبح لاحقًا قائدًا عسكريًا. أما حسام، وهو كاتب وصديق قديم، فقد شارك أيضًا فى الثورة، لكنه اضطر إلى الهروب بعد أن عمّت الفوضى السياسية، ليستقر فى كاليفورنيا.
العودة إلى الماضى.. الحنين والذاكرة
الرواية تنطلق من لقاء خالد بحسام فى محطة قطار فى لندن، وهو آخر لقاء بينهما.
بعد ذلك، يسير خالد فى شوارع لندن غارقًا فى الذكريات، مستعيدًا أحداث حياته، بدءًا من لقائه الأول بحسام عندما كانا فى فندق فى باريس، وصولًا إلى قصتهما المشتركة فى ليبيا ولندن.
تعيد الرواية القارئ إلى ليبيا خلال حكم القذافى، حيث يسود القمع ويخضع الجميع لرقابة مشددة. أحد المشاهد المؤثرة هو بث إذاعة هنا لندن لقصة قصيرة كتبها حسام، مما أدى إلى اغتيال الصحفى الليبى الذى قرأها على الهواء. هذه الحادثة تظل راسخة فى ذاكرة خالد، وتصبح نقطة مركزية فى السرد.
التأمل فى الاغتراب والتصالح مع المكان
تستلهم الرواية الكثير من أدب المنفى، وتستحضر تجربة الروائى السودانى الطيب صالح فى موسم الهجرة إلى الشمال، حيث يتناول التصادم الثقافى بين الشرق والغرب.
لكن على عكس أبطال الطيب صالح، يبدو خالد أكثر تصالحًا مع لندن. يجد فى المدينة مأوى آمنًا، حيث توفر له الصداقات والمكتبات والمقاهى والموسيقى ملاذًا من واقع المنفى القاسى.
مع مرور الوقت، يدرك خالد أن ليبيا لم تعد كما كانت، والأصدقاء يتفرقون فى أنحاء العالم. حسام يهاجر إلى أمريكا، مصطفى يظل فى ليبيا، بينما يبقى خالد فى لندن، متأملًا فى ماضيه، وكأنه يعيش فى «رسالة الغفران» لأبى العلاء المعرى، التى كانت، بحسب الرواية، مصدر إلهام لـ الكوميديا الإلهية لدانتى.
لغة الرواية وتأثيرها
اعتمد هشام مطر أسلوبًا سرديًا هادئًا لكنه ملىء بالعاطفة، مستخدمًا لغة بسيطة لكنها عميقة، ما جعل الرواية تنال إشادة واسعة.
صحيفة لودوفوار الكندية علّقت قائلة: «قوة هشام مطر تكمن فى دفع القارئ إلى السير معه فى المنطقة الرمادية للمنفى، حيث لا يقين، ولا نهاية واضحة للانتظار».
أصدقائى ليست مجرد رواية عن الصداقة، بل شهادة أدبية عن تأثير المنفى، وعن ليبيا التى لم تعد كما كانت فى ذاكرة المنفيين، وعن الروابط الإنسانية التى تتحدى المسافات والحدود.
حظيت أصدقائى بإشادة واسعة من النقاد. وصفت صحيفة الجارديان الرواية بأنها «مليئة بالمشاعر الإنسانية المعقدة»، مشيدةً بقدرة مطر على مزج الأحداث الحقيقية مع الشخصيات الخيالية لتقديم «لوحات تاريخية» مؤثرة.
من خلال أصدقائى، يواصل هشام مطر تقديم أعمال أدبية تتناول القضايا الإنسانية العميقة، مستندًا إلى تجاربه الشخصية وخبراته فى المنفى، مما يجعل الرواية إضافة قيمة إلى الأدب المعاصر.