• بقاء القضية الفلسطينية بدون حلّ يشجع أطرافا إقليمية ودولية على استغلالها واستمرار حالة الفوضى
• يجب زيادة عُزلة إسرائيل لدفعها إلى طريق السلام القائم على رؤية حلّ الدولتين وإنهاء الاحتلال
• اعتراف العديد من دول العالم بدولة فلسطين خطوة مُهمّة وضرورية منحت الأمل للشعب الفلسطينى
• إسرائيل خلقت جيلاً جديدًا حول العالم مدرك لحقيقة الاحتلال ومطامعه وحجم الظلم الواقع على الشعب الفلسطينى
أكد السفير الدكتور سعيد أبو على، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، ورئيس قطاع شئون فلسطين والأراضى العربية المحتلة، أن ما تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى يعد «جرائم حرب»، مشيرا إلى أن بقاء القضية الفلسطينية بدون حلّ يشجّع أطرافا إقليمية ودولية مُختلفة على استغلالها، واتخاذها ذريعة لإدامة حالة «الفوضى» وعدم الاستقرار، بل والإرهاب الذى يُهدد العالم بأسره وليس المنطقة فحسب.
وأضاف أبو على فى حوار مع «الشروق»، أن تحقيق السلام والاستقرار والأمن بالمنطقة يأتى من خلال حلّ جذور الصراع. فالشعب الفلسطينى لن يتنازل عن حقوقه التاريخية والوطنية المُقررة بالشرعية الدولية، ولن تُكسر إرادته، لافتا إلى أنه يجب على المجتمع الدولى ومجلس الأمن تحمّل مسئولياته وإنفاذ قراراته بإنهاء الاحتلال، واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى فى الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وتجسيد دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية.
وإلى نص الحوار:
< ما رأيك فى موقف مملكة النرويج وقرار الأمم المتحدة الأخير بشأن الأونروا؟
ـــ أقدمت العديد من الدول منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى على اتخاذ القرار المُنسجم مع مبادئ القانون الدولى، والمُتّسق مع رؤيتها للحلّ وتحقيق السلام والاستقرار فى المنطقة، وفق حلّ الدولتين وتجسيد الدولة الفلسطينية المُستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية، حيث اتخذت هذه الدول وفى مُقدمتها «النرويج» قرار الاعتراف بدولة فلسطين فى خطوة مُهمّة وضرورية تُعطى الأمل للشعب الفلسطينى، وتؤكد على إصرار هذه الدول على عدم الانسياق وراء الرواية الإسرائيلية الرافضة للحلول السلمية، والمُصرّة على التمادى فى آلة القتل والتهجير وتدمير كافة مناحى حياة الشعب الفلسطينى.
ورحّبت جامعة الدول العربية بخطوة النرويج المُهمة، وفى الوقت ذاته نطالب باتخاذ المزيد من هذه الخطوات بالاعتراف بدولة فلسطين بما يشكّل رافعة للأمن والسلام فى المنطقة، ورغم الإجراءات الإسرائيلية «العدوانية» ضد هذه الدول، إلا أن موقف النرويج ظلّ صامدًا ولم يتأثر بمثل هذه التهديدات، حيث أقدمت على طرح وصياغة قرار فى الجمعية العامة للأمم المُتحدّة يطلب الرأى الاستشارى من محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل كقوة احتلال بنشاط المُنظمات الأممية والإنسانية وتأمين وصول المُساعدات المُقدمة من الدول أيضًا، فى ضوء منعها للأونروا من أداء عملها فى الأراضى المُحتلّة، وما يُمثّله من مخاطر على الاستجابة الإنسانية وتُمثّل عدوانا على ميثاق الأمم المُتحدة وولايتها الأممية.
< وماذا عن طبيعة الدور الذى تقوم به الجامعة العربية سواء على مستوى الدول الأعضاء أو ممثلة فى قطاع شئون فلسطين؟
ـــ إن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والدول العربية تُقدّر وتشكر وتدعم مواقف النرويج، وشاركت العديد من الدول العربية إلى جانبها فى رعاية مشروع القرار أمام الجمعية العامة للأمم المُتحدّة، وتدعم التوجّه إلى محكمة العدل الدولية لإصدار رأيها الاستشارى، وعملت الدول العربية على حشد الدعم اللازم لتبنّى القرار، حيث حصل على الأغلبية بتصويت 137 دولة لصالح القرار المُقدّم من النرويج، وتستمر الجهود الدبلوماسية العربية إلى جانب الدول الصديقة والمؤمنة بقيم العدالة والإنصاف للشعب الفلسطينى والمُدافعة عن حقوق الإنسان فى تقديم كافة أشكال الدعم السياسى والدبلوماسى والقانونى والإغاثى للشعب الفلسطينى وعدالة قضيته.
< كيف تنظر لمن يعتقد حتى الآن أن تحديات فلسطين بمنأى عن تحديات المنطقة العربية ككل؟
ـــ أقول له إن تحقيق السلام والاستقرار والأمن بالمنطقة يأتى من خلال حلّ جذور الصراع، وليس فقط نتائجه أو أعراضه، ولمّا كان ومازال السبب الرئيسى لغياب الأمن والاستقرار والسلام عن منطقتنا هو عدم تنفيذ الحلّ العادل والشامل والدائم للقضية الفلسطينية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلى، فإن هذا الواقع بكل مخاطره وتداعياته سيبقى قائمًا ما لم ينعم الشعب الفلسطينى بحريته واستقلاله.. هذه بديهة تعيشها المنطقة عبر عقود الصراع المُستمر، فالشعب الفلسطينى لن يتنازل عن حقوقه التاريخية والوطنية المُقررة بالشرعية الدولية، ولن تُكسر إرادته، بل رغم كل الجراح يزداد إيمانا بحقوقه وعدالة قضيته، ويزداد قوة وإصرارًا على مواصلة نضاله.
لهذا فيجب على المُجتمع الدولى ومجلس الأمن تحمّل مسئولياته وإنفاذ قراراته بإنهاء الاحتلال، واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى فى الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وتجسيد دولته المُستقلة بعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومُبادرة السلام العربية.
كما أؤكد أن بقاء القضية الفلسطينية بدون حلّ، يشجّع أطرافا إقليمية ودولية مُختلفة على استغلالها، واتخاذها ذريعة لإدامة حالة «الفوضى» وعدم الاستقرار، بل والإرهاب الذى يُهدد العالم بأسره وليس المنطقة فحسب، ومن المهم والضرورى تفويت الفرصة على هذه الأطراف عبر الدفع باتجاه عملية سلام جادة وذات مصداقية وبإطار زمنى محدد تُفضى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى، وتجسيد دولة فلسطين وفق رؤية حل الدولتين.
< هل أداء المجتمع الدولى إزاء القضية الفلسطينية كافٍ لوقف حرب الإبادة وحصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة؟
ــــ هناك جهود إقليمية ودولية كبيرة تُبذل لوقف الحرب العدوانية، سواء فى المُنظمات الدولية والإقليمية ومنها الأمم المُتحدة وجامعة الدول العربية، إلى جانب تدخّل هيئات العدالة الدولية التى أصدرت قرارات مُلزمة، وخاصةً محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان، هذه الجهود التى تبذلها أيضًا دول جماعية ومُبادرات مُستمرة.
وأنوه فى هذا الصدد إلى الجهود المصرية والقطرية والأردنية والسعودية المُتواصلة، لكن جهود وقف الحرب ما زالت تصطدم أولاً بالموقف الإسرائيلى، وثانيًا بمظلّة الحماية من بعض الدول الكُبرى الفاعلة على المستوى الدولى، مع الأخذ فى الاعتبار أن الجهود الدولية المُشار إليها لا تقتصر على وقف الحرب، وإنما تشمل أيضًا مُتطلّبات الإغاثة الإنسانية، والعمل من أجل فتح أُفُق سياسى يُفضى لإنهاء الاحتلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.
وهناك العديد من الدول المُساهمة فى هذا الجهد، بدءًا من الاعتراف بدولة فلسطين، واستصدار قرارات تُدين العدوان، واستصدار آراء استشارية من محكمة العدل الدولية، ومنح فلسطين امتيازات إضافية بالجمعية العامة للأمم المُتحدة كدولة مُراقب، والمساعى لعقد مؤتمر دولى للسلام وتنفيذ حلّ الدولتين فى شهر يونيو المُقبل 2025، ونأمل أن تُفضى جميعها إلى وقف الإبادة، وضمان النفاذ الكامل للمُساعدات الإنسانية لأهالى القطاع وصولاً إلى إنهاء الاحتلال، وهذه الأمور تتطلب فى المقام الأول إرادة دولية حقيقية، ومُمارسة جميع أشكال الضغط على إسرائيل (القوة القائمة بالاحتلال) اقتصاديًا وسياسيًا وقانونيًا وجنائيًا، وزيادة عُزلتها بما فى ذلك منعها من المُشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المُتحدة، لدفعها إلى طريق السلام القائم على رؤية حلّ الدولتين وإنهاء الاحتلال.
< ما تعليقك على استمرار حرب الإبادة بحق الشعب الفلسطينى رغم القرارات الدولية التى تنصف القضية الفلسطينية؟
ــــ برأيى أن هناك مسئوليات تقع على عاتق الأسرة الدولية، تتمثّل فى منع كل ما من شأنه إدامة الاحتلال غير القانونى تنفيذًا لفتوى محكمة العدل الدولية، والأوامر العاجلة للمحكمة بشأن ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة، وبما فى ذلك وقف تصدير السلاح لإسرائيل، وإلزامها باحترام القانون الدولى وحقوق الإنسان الفلسطينى والإرادة الدولية، والانتصار لقوة القانون وعدم تبرير استخدام إسرائيل لقانون القوة سبيلاً لتحقيق أهدافها ومطامعها الاستعمارية التوسّعية.
وبكل اختصار فإن السياسات الإسرائيلية الراهنة ومُخططاتها وما ترتكبه من عدوان، ما هى إلا سياسة الجنون المُطلق والاستهتار المُطلق بشعوب ودول المنطقة وبأبسط قواعد القانون الدولى، وهذه العنجهية وهذا الجنون هو عنوان الشرّ المُطلق الذى لن تكون له إلا العواقب والتداعيات الكارثية، ليس فقط على أمن واستقرار المنطقة، بل على السلم والأمن العالميين وعلى نظام الأمن الدولى.
< فى ضوء التأييد العالمى للقضية الفلسطينية.. كيف تنظر إلى الانتصار الآخر للقضية الفلسطينية من خلال هذه الحرب؟
ــــ لقد كشفت إسرائيل نفسها أمام العالم، كقوة احتلال عنصرى استعمارى توسّعى تُطبّق نظام الأبارتهايد - نظام الفصل العُنصرى على الشعب الفلسطينى - فسقطت جميع ادعاءاتها بأنها «واحة للديمقراطية واحترام الحرّيات والقانون فى المنطقة»، وأثبتت من خلال جرائمها ونيّة مسئوليها حقيقة هذا الاحتلال أمام العالم الذى خُدع لسنوات، ولم يستطع أن يصمت أمام حجم وهول المجازر المُرتكبة بحق الفلسطينيين، وخلقت إسرائيل بسياساتها ومُمارساتها وانتهاكاتها جيلًا جديدًا حول العالم يُدرك حقيقة هذا الاحتلال ومطامعه، وعلت أصوات العالم المُطالبة بفرض العقوبات على إسرائيل وسحب الاستثمارات منها ومُقاطعتها.
وهنا أود الإشارة إلى أهمية دور الدبلوماسية الفلسطينية والعربية فى مواجهة السردية الإسرائيلية وتفنيدها، والترويج لعدالة القضية الفلسطينية، وتوضيح حقيقة الأمور وحجم الظلم والمُعاناة الواقعة على الشعب الفلسطينى، فتم ترجمة هذه الجهود إلى مواقف حقيقية للعديد من الدول حول العالم، تمثّلت باعتراف المزيد من الدول الأوروبية ودول الكاريبى بدولة فلسطين، واتجاه العديد من الدول الأخرى لاتخاذ نفس الخطوة.