اقتصرت شعائر اليوم الأخير من شهر رمضان المبارك بين خيام النازحين بمواصي خانيونس جنوبي قطاع غزة، على "انتهاء من شدة الجوع والعطش نهاراً"، في ظل المجاعة، التي كمشت أمعاءهم جوعًا طوال الشهر الفضيل.
واختفت أصوات التكبيرات والأناشيد بين خيام النازحين وبيوت المكلومين المهدمة، ولم تتحرك نساءهم لتجهز المكان لاستقبال المهنئين، فلا عيد طرق أبواب القماش المهترئة، ولا حبيبًا سيشرّف صباح اليوم الأول، معيّدًا جابرًا لخواطرهن، في ظل حرب الإبادة المتواصلة على القطاع.
وتواصل "إسرائيل" لليوم الثاني عشر على التوالي، استئناف عدوانها وحرب الإبادة على قطاع غزة، وشن غاراتها الجوية والقصف المدفعي على مناطق متفرقة منه.
ويودع الغزيون شهر رمضان في ظل الإبادة المتواصلة منذ 18 يناير، وإغلاق المعابر المستمر منذ اليوم الأول من رمضان.
دفنوا شعائره
ويقول النازح شادي عرمانة لوكالة "صفا": "ما في عيد، والكل يعرف أننا نسونا معنى كلمة عيد منذ عامين".
ويضيف "مرت حربين إبادة على عيدين الله أكبر، عيد كله دماء وشهداء وقصف ورعب، فكيف سنحيي شعائر الله أكبر، واليهود يقتلون أبناءنا وأطفالنا ونساءنا".
وبدت الصورة قاتمة بين الخيام، فلا سمك عيدٍ ظهر بالأسواق الفارغة رفوفها وبسطاتها، ولا كعك ولا حلقوم، بينما انتشر الأطفال بين الخيام، عراةً بملابس بالية، ووجوه شاحبة، وأجساد أرهقها فزع الحرب وأصوات الصواريخ.
ووقفت نازحة بثوب صلاتها على باب إحدى الخيام، تستر بابها بأناملها التي شوهها دخان الحطب ولسعات النار، التي توقدها لتعد طعامًا لأولادها "إنْ بعث الله".
احنا في بلاد والعيد في بلاد
وتشير للمكان "كما ترون لا المكان يصلح لاستقبال أحد، ولا نملك ما نقدمه لأي أحد أحب أن يزورني".
ودخلت المجاعة بغزة أولى مراحلها رسميًا الأسبوع الماضي، بعد أن فقد قرابة مليوني إنسان أمنهم الغذائي بالكامل، بفعل إغلاق المعابر من قبل الاحتلال.
غصة الأمهات
وما يغص قلب الأم تهاني الشاعر، أنها "فشلت في توفير لبس العيد لأبنائها".
وتقول لوكالة "صفا": "يعلم الله حاولت أن أنسي أولادي جو الحرب، وأوفر لهم لبسة العيد، لكن ما قدرنا، الحال ضيق والوضع مخيف".
ويستحي صاحب بسطة فيها بعضًا من البسكويت، أن يفتح تكبيرات العيد، وسط المجازر والإبادة التي تتواصل على غزة.
ويقول لوكالة "صفا" "نحاول أن نوفر الموجود للناس، رغم أن إغلاق المعبر أخفى كل شيء، وهذه الأنواع صنع محلي بالمعقول".
ويضيف "الواحد منا يخجل حتى أن يفتح تكبيرات العيد، من الدماء والأشلاء والصواريخ التي لا يتوقف صوتها حولنا".
ومنذ 18 مارس الجاري، استأنفت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، متنصلة من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى مع حماس استمر 58 يومًا منذ 19 يناير 2025، بوساطة قطر ومصر ودعم الولايات المتحدة.
واستشهد منذ 18 مارس 896 مواطنًا وأصيب 1984 آخرين، 70% منهم من النساء والأطفال والمسنين.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 162 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.