- التغيرات البيئية والصيد الجائر وراء تصاعد هجمات القروش في البحر الأحمر
- 2009 إلى 2024 سجل حافل بهجمات القروش في مصر وتأثيرها على السياحة
- مشروع رصد سلوك القروش يتوقف رغم استثمارات ضخمة في الأجهزة المتطورة
- الصيادون غير التقليديين خطر على التنوع البيئي في البحر الأحمر
- القروش والنظام البيئي أهمية غير معترف بها
أثار حادث هجوم سمكة قرش في منطقة شمال مرسى علم، الذي أسفر عن وفاة سائح إيطالي وإصابة والده بجروح خطيرة، قلقًا واسعًا وأعاد تسليط الضوء على العلاقة المعقدة بين الإنسان والطبيعة البحرية، ووفقًا لوزارة البيئة، تم تشكيل لجنة بالتنسيق مع محافظة البحر الأحمر والجهات المعنية لدراسة أسباب الحادث.
• حوادث متكررة تسلط الضوء على العلاقة بين الإنسان والقروش
رغم ندرة هجمات أسماك القرش، إلا أن تداعياتها النفسية والبيئية تثير تساؤلات عميقة حول الممارسات البشرية وتأثيرها على سلوكيات الكائنات البحرية، تتكرر هذه الحوادث بسبب تجاوز السياح لنطاقات السباحة المحددة، بالإضافة إلى التغيرات البيئية الناتجة عن الصيد الجائر، الذي يؤثر على التوازن الإيكولوجي ويُغير سلوك أسماك القرش.
•حوادث بارزة من 2009 إلى 2024
حصلت «الشروق» على تقرير من المعهد القومي لعلوم البحار يوضح عدد هجمات أسماك القرش على السياح منذ عام 2009 حتى عام 2024، حيث وقع في يونيو 2009، مقتل سائحة فرنسية بعد هجوم لسمكة قرش، حيث رجح أنها نزفت حتى الموت على الشاطئ بعد إصابتها في المياه بإحدى ساقيها، في مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر.
وفي آواخر عام 2010، قُتلت سائحة ألمانية سبعينية وأصيب 4 سياح روس بجروح بالغة، في 3 هجمات لأسماك القرش في مدينة شرم الشيخ السياحية.
وفي عام 2014 أسفر هجوم سمكة قرش عن مقتل صياد في منطقة مرسى علم على البحر الأحمر، شرق مصر، وأصدرت السلطات المصرية بيان أكد أن فرق الإنقاذ والغوص نجحت في انتشال ما تبقى من جثة الصياد.
وفي 2015، قُتل سائح ألماني خمسيني بعدما هاجمته سمكة قرش حين كان يسبح خلال رحلة بحرية في مدينة القصير السياحية المطلة على البحر الأحمر، جنوب شرقي البلاد.
وفي عام 2017 تعرضت امرأة تبلغ من العمر 25 عاما لهجوم من قبل سمكة قرش عندما كانت تغوص في مصر في مرسى علم، بينما عام 2018 تم قتل سائح تشيكي في هجوم سمكة قرش عندما كان يسبح في البحر الأحمر قبالة سواحل مصر.
وفي عام 2018، عثر على بقايا جثة سائح تشيكي على أحد شواطئ مدينة مرسى علم، بعدما أكد مسئول أنه قرر السباحة في منطقة توجد فيها أسماك قرش.
في 2020 وقع هجوم في منطقة رأس محمد جنوب سيناء أسفر عن إصابة ثلاث اشخاص، إضافة إلى تعرض سائحة ألمانية للعض في الكتف أثناء الغوص في منطقة الفينستون.
في عام 2021 تم نقل غواص يدعى طارق خلف يبلغ من العمر (58 عاما) إلى المستشفى في عام 2021 بعد هجوم سمكة قرش أصابته بإصابة خطيرة في ذراعه اليسرى.
في يوليو 2022، فقدت سائحتان حياتهما في الغردقة بمحافظة البحر الأحمر، إثر هجوم قرش أثناء ممارستهما السباحة.
في سبتمبر 2023، هاجمت سمكة قرش امرأة مصرية في مدينة دهب الواقعة على البحر الأحمر، مما تسبب في بتر إحدى ذراعيها، يليها واقعه في نفس العام أدت إلى وفاة سائح روسي نتيجة هجوم لسمكة قرش نمر.
في عام 2024 وفاة سائح أيطالي يبلغ من العمر 48 عامًا وإصابة والده الذي يبلغ من العمر 69 عامًا، في منطقة شمال مرسي علم.
• الأسباب البيئية والممارسات البشرية
أكد رئيس قطاع حماية الطبيعة بوزارة البيئة أن 90% من حوادث هجوم القروش تحدث نتيجة خطأ غير مقصود من الأسماك، حيث تعاني من صعوبة في تحديد طبيعة الفريسة.
ولفت في تصريحات سابقة له، إلى رصد 11 حادث هجوم لأسماك القرش منذ عام 2010 حتى عام 2020، على عكس عدد كبير من الدول الأخرى.
أشار إلى أن الممارسات السلبية، مثل إلقاء المخلفات الغذائية في البحر وكثافة أنشطة الغوص، تُغير سلوكيات أسماك القرش وتجذبها إلى المناطق التي يرتادها البشر.
• مشروع رصد السلوكيات: فرصة ضائعة
قامت وزارة البيئة في شهر يونيو 2023، بتركيب أجهزة رصد حديثة لمعرفة تحركات وسلوكيات القروش فى البحر الأحمر، وذلك بالاستعانة بخبيرة أجنبية متخصصة فى تركيب الأجهزة بالتنسيق مع باحثى محميات البحر الأحمر.
وعلمت «الشروق» من مصدر مسئول بوزارة البيئة، أن مشروع رصد سلوكيات أسماك القرش قد توقف منذ مدة من تركيبه، وذلك بعد أن ركبت الوزارة 3 أجهزة، علمًا بأن الأجهزة بلغت تكلفتها 5.5 مليون جنيه بواقع 50 جهازًا.
أكد أن الجهاز كان مقرر أن يدرس حياة القرش بالكامل من خلال رصد جميع تحركاته ليستمر تحليل البيانات ورصد السلوك الحركى وأسباب تغير سلوكه لمدة 15 شهرا، فضًلا عن قياس جميع العوامل المحيطة به مثل درجة حرارة المياه، والعمق الذى يتواجد به القرش، وموعد ظهوره على سطح الماء، وأيضا موعد وضع الأجنة بتحديد الشهر.
• أهمية القروش للنظام البيئي
كشف أستاذ الأحياء البحرية بمعهد علوم البحار بالغردقة الدكتور محمود معاطي، لـ«الشروق»، إن السواحل المصرية على البحر الأحمر تضم أكثر من 470 نوعا من القروش في بحار ومحيطات العالم، منها 48 نوع مسجلين في البحر الأحمر، وداخل المياه المصرية يوجد 28 نوع من أسماك القرش منها «الماكو والنمر والمحيطين ابيض الطرف والثعلب» وغيرها.
وفيما تتصدر أسماك القرش المشهد كأحد أبرز الكائنات البحرية المثيرة للجدل، يكشف الدكتور محمود معاطي، أستاذ الأحياء البحرية بمعهد علوم البحار بالغردقة، حقائق هامة حول دورها في النظام البيئي، وعلاقتها بالإنسان، والتحديات التي تواجهها بسبب التغيرات المناخية.
أكد أن القروش تعتمد في غذائها على أسماك مثل الماكريل والتونة، بالإضافة إلى بعض السلاحف والطيور البحرية، وتحتاج إلى نحو يومين لهضم وجبة واحدة.
رغم الصورة النمطية التي تصور القروش كخطر داهم على البشر، أكد معاطي أن الإنسان ليس الوجبة المفضلة للقروش، وأن هذه الكائنات تفضل المياه المعتدلة والأعماق التي تصل إلى 150 مترًا، حيث تسافر لمسافات طويلة تصل إلى 2776 كم في رحلاتها، فقد سجلت معدلات سفر يومية تصل إلى 58 كم، ما يعكس طبيعتها الديناميكية والتنقلية.
أكد أن الاحترار العالمي يغير مواضع تجمعات أسماك القرش، مما يجعلها أكثر عرضة للصيد والانقراض، فضًلا أن ارتفاع درجات حرارة المياه يدفع أنواعًا مثل قرش "النمر" إلى الهجرة نحو مناطق أبرد، مثل القطب الشمالي وشمال شرق الولايات المتحدة، ما يسبب خللاً في التوازن البيئي.
فيما يتعلق بالقروش الموجودة في البحر الأحمر، قال أستاذ الأحياء البحرية بمعهد علوم البحار بالغردقة، إن بعض الأنواع مثل القروش المرجانية تعد غير خطيرة وصديقة للإنسان، ولابد من إبراز أهمية الوعي بدور القروش في النظام البيئي، فبدلاً من اعتبارها تهديدًا، يجب التركيز على التحديات التي تواجهها، ومنها الصيد الجائر وتغير المناخ، لضمان استدامة هذه الكائنات البحرية التي تلعب دورًا حيويًا في صحة المحيطات.
• القروش أقرب إلى الإنسان مما يُعتقد
وفقًا لدراسة حديثة نشرت في عام 2023 بدورية «بلوس وان» بجامعة ولاية كاليفورنيا، أن اسماك القرش كانت قريبة من الانسان في كثير من الأحيان أكثر مما كان يعتقد سابقاً»، ووجدوا أن 97% من الوقت الذي كان فيه الشخص في الماء في أكثر الشواطئ شهرة، كانت هناك سمكة قرش قريبة، وفي معظم الحالات، كان البشر يسبحون بالقرب من أسماك القرش البيضاء، والتي لا يُعرف عنها سوى أنها عدوانية تجاه البشر.
وجد الباحثون أن أسماك القرش، خصوصاً الصغيرة، تميل إلى السباحة بالقرب من الشاطئ أكثر مما كان يُعتقد سابقاً، وغالباً ما تغامر على مسافة 50 إلى 100 متر من الشاطئ، ووجدوا أيضاً أنه «عندما كانت أسماك القرش والبشر على مقربة من بعضهم البعض، لم يبدُ أن الإنسان علم بوجودها.
• الصيد الجائر والتشريعات القانونية
تواصلت «الشروق» مع الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب مجدى علام، الذي أكد أنه يتم قتل 32 إلى 35% من الصيد الجائر سنويًا، على مستوى العالم بسبب الصيد الجائر، فى حين أن ثلث أنواع القرش التى تعيش فى المحيطات المفتوحة معرضة للانقراض.
فيما أكد الدكتور أيمن حمادة، خبير التنوع البيولوجي ورئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجي بوزارة البيئة سابقًا، في تصريحات لـ«الشروق»، أن قانون البيئة المصري يفرض حظرًا على أي أنشطة تضر بالتنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية، بما في ذلك الكائنات البحرية مثل أسماك القرش.
وأوضح حمادة أن المادة 28 من القانون تمنع صيد أو قتل أو إمساك الكائنات البرية والحيوانية والنباتية، سواء كانت حية أو ميتة، بالإضافة إلى حظر الاتجار أو نقلها أو استيرادها أو تصديرها، فضلاً عن أي أعمال تؤدي إلى تدمير موائلها الطبيعية.
وذكر حمادة، أن اللائحة التنفيذية للقانون تؤكد هذا الحظر، حيث تضمنت الفقرة (4) من ملحق رقم (4) من اللائحة التنفيذية القانون الكائنات الحية المائية مثل أسماك الشعاب المرجانية غير الاقتصادية والأسماك الغضروفية، ما يعزز حماية أسماك القرش وغيرها من الكائنات البحرية.
وأوضح حمادة أن كل من يخالف هذه القوانين يعرض نفسه لعقوبات تتراوح بين الحبس وغرامة تتراوح من 5 آلاف إلى 50 ألف جنيه.
وحول سلوك أسماك القرش، أكد حمادة أنها لا تهاجم البشر إلا في حالات استثنائية وظروف خاصة. غالبًا ما تكون الممارسات البشرية غير المستدامة هي السبب الرئيسي وراء تغيير سلوك أسماك القرش.
وأشار إلى أن الصيد الجائر، واستنزاف المخزونات السمكية، واستخدام طرق صيد مدمرة مثل حرفة الجر، تساهم في خلل السلسلة الغذائية البحرية، مما يدفع أسماك القرش للبحث عن الغذاء في بيئات غير معتادة، مثل المياه الضحلة.
كما لفت حمادة إلى أن الممارسات السلبية المرتبطة بأنشطة بعض المراكب السياحية أو الصيد، مثل إلقاء المخلفات الغذائية والأسماك النيئة في البحر، قد تؤدي إلى جذب أسماك القرش إلى مناطق الأنشطة البشرية. كما أن كثافة أنشطة الغوص واستخدام الموارد البحرية في مواقع الغطس، إلى جانب تعمد تقديم الطعام للأسماك، تساهم أيضًا في تغير سلوك أسماك القرش وتزيد من احتمال حدوث الحوادث.
• تزايد الصيادين غير التقليديين في البحر الأحمر
كشف الدكتور عاطف محمد كامل، عضو اللجنة العلمية لاتفاقية "سايتس" وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية باليونسكو، عن تضاعف أعداد الصيادين غير التقليديين الذين يعتمدون على موارد البحر الأحمر، موضحًا أن العدد قد تجاوز 3 آلاف صياد، وأمعظم هؤلاء الصيادين قادمون من مناطق شرق شمال الدلتا، حيث دفعتهم الظروف الصعبة وتدهور المصيد في مناطقهم الأصلية إلى البحث عن مصادر رزق جديدة في البحر الأحمر.
أوضح كامل لـ«الشروق»، أن البحر الأحمر يعد واحدًا من أهم النظم البيئية البحرية في العالم، حيث تعتمد ثروته السمكية بشكل أساسي على الحيود المرجانية، ومع ذلك، فإن هذه الحيود، التي تعتبر منبعًا رئيسيًا للحياة البحرية، تمتد على مساحة محدودة للغاية لا تتجاوز 400 كيلومتر مربع.
وأكد أن الحيود المرجانية في البحر الأحمر تواجه تحديات كبيرة، حيث إن الصيد المستدام في هذه النظم البيئية يتطلب الحفاظ على معدل صيد لا يتجاوز 3 إلى 5 أطنان سنويًا لكل كيلومتر مربع، وبناءً على ذلك، فإن الحد الأقصى الآمن لصيد الأسماك من هذه الحيود لا يجب أن يتعدى 2000 طن سنويًا، وهو ما يمثل خطًا أحمر للحفاظ على استدامة الموارد البحرية.
وذكر أن نحو 60% من هذا المخزون الطبيعي يعتمد بشكل مباشر على بيئة الحيود المرجانية، وتجاوز معدلات الصيد الآمنة يشكل خطرًا كبيرًا على التوازن البيئي في البحر الأحمر، وخاصة علي اسماك القرش كونها الغذاء الوحيد لها.