إثيوبيا تفاوضنا بالتكتيك الإسرائيلى - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 5:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إثيوبيا تفاوضنا بالتكتيك الإسرائيلى

نشر فى : الأحد 3 يناير 2016 - 10:35 م | آخر تحديث : الإثنين 4 يناير 2016 - 11:24 ص

فى محاولة لطمأنة المصريين بخصوص شواغلهم العميقة بشأن تأثير سد النهضة الإثيوبى على حصتنا من مياه النيل حتى فى سنوات ملء خزان هذا السد العملاق، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال تدشين مشروع استصلاح الـ1.5 مليون فدان بالوادى الجديد: «أعرف أنكم قلقون وأنا معكم فى هذا القلق.. ولكن أقول لكم اطمئنوا والأمور تسير بشكل جيد ومطمئنة»، وهى لفتة طيبة من رئيس يتابع شواغل شعبه وقلقه على مصدر المياه الوحيد الذى يعتمد عليه لمواصلة الحياة على هذه الأرض.

غير أن المتابع لمجرى الحوادث والمفاوضات مع إثيوبيا فى الأعوام الخمسة الأخيرة لن يصيبه سوى القلق البالغ؛ ذلك أن المفاوض المصرى يتم ــ مع كل جولة للمفاوضات ــ استدراجه لموضوعات هامشية وإغراقه فى تفاصيل لا طائل منها، للدرجة التى بدا فيها محروما من هوامش المناورة والحركة، وبدا كذلك أنه بات مهيئا لتقبل أمر واقع تسعى أديس أبابا لفرضه علينا بكل ما أوتيت من قوة!

وكشفت جولة المفاوضات التى انعقدت فى الخرطوم الأسبوع الماضى بجلاء النوايا العداونية الإثيوبية، عبر عزمها الأكيد على بناء سد النهضة بمواصفات تضر الأمن المائى المصرى، وعدم استعدادها للتراجع عن ذلك قيد أنملة، وهو أكبر خطر يهدد أم الدنيا منذ أن شرع الإنسان المصرى القديم فى بناء حضارته على ضفاف هذا النهر العظيم.

بات واضحا أن أديس أبابا ــ التى تحرص على حضور كل جلسات التفاوض ــ تسابق الزمن للانتهاء من بناء سدها العملاق الذى يتسع خزانه إلى 74 مليار متر من المياه، وهو ما سيخصم من حصة مصر نحو 12 مليار متر سنويا خلال سنوات ملئه، وهو ما يمكن ترجمته مصريا إلى بوار 200 ألف فدان من رقعتنا الزراعية.

وفى سبيل تحقيقها لهذا الهدف تطبق إثيوبيا بحرفية عالية الطريقة الإسرائيلية فى التفاوض، عبر إغراقنا فى تفاصيل فنية، لا طائل من ورائها سوى كسب الوقت للانتهاء من بناء السد، فكما أن إسرائيل ــ على سبيل المثال ــ وقعت «اتفاق أوسلو» مع الفلسطينيين فى 1993، واحتاجت لتفسيره – ناهيك عن تطبيقه ــ توقيع اتفاق جديد (القاهرة 1994).. ومنه إلى اتفاق طابا 1995، والخليل 1997، مرورا بـ«واى ريفر» 1998، ثم شرم الشيخ 1999.. تلعب إثيوبيا بنفس الطريقة؛ فوقعت معنا خارطة طريق للانتهاء من الأزمة فى أغسطس 2014، اعتبرها حسام مغازى وزير الرى فتحا عظيما فى حينه، تضمنت اختيار مكاتب استشارية لتقييم آثار السد على مصر والسودان، على أن ينتهى ذلك فى أغسطس 2015، بعدها أدخلتنا أديس أبابا فى متاهات بشأن المكتبين الاستشاريين الفرنسى والهولندى اللذين وقع الاختيار عليهما، وانتهى الأمر بانسحاب الأخير، وذهب الرئيس السيسى إلى إثيوبيا فى مارس 2015 وخطب على طريقة الرئيس السادات فى البرلمان الإثيوبى، وتم توقيع «اتفاق المبادئ»، الذى تستغله إثيوبيا لمصلحتها حتى الآن لأنه لم ينص على احترام الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل.

وعلى الطريقة الإسرائيلية نفسها يتم عقد اجتماعات دورية لـ«اللجنة الثلاثية» المشكلة من مصر والسودان وإثيوبيا بلا أى تقدم يذكر على صعيد طمأنتنا على حقوقنا التاريخية فى مياه النيل، وحقوق الأجيال القادمة التى ستعيش على أرض هذا الوطن.

وبنفس النهج الإسرائيلى فى التفاوض أنستنا أديس أبابا خارطة الطريق الأصلية التى كان من المفترض انتهاؤها من تقييم آثار السد العام الماضى قبل استكمال البناء وأدخلتنا متاهة جديدة أطلق عليها مسئولونا «مسار فنى جديد للتفاوض»، تقول مصر إن أقصاه 8 أشهر، فى حين يقول وزير الخارجية الإثيوبى أنه قد يستغرق 15 شهرا.. كل ذلك ووتيرة بناء السد تسير بأسرع مما نتصور، وستبدأ التخزين الأولى للمياه فى بحيرة السد فى يوليو المقبل، بحسب تصريحات المسئولين الإثيوبيين.

إن سماح مصر باستكمال بناء السد الإثيوبى بهذا الخزان العملاق، وملئه فى 5 سنوات فقط كما تقول إثيوبيا سيصيب مصر بكارثة حقيقية، وستعتبر سابقة سيبنى عليها الآخرون؛ ولذلك فالمفاوض المصرى يحتاج إلى دعمه بإجراءات غير تقليدية لإيقاف ذلك الجنون الإثيوبى.. فهل نحن فاعلون؟!

kaboubakr@shorouknews.com

التعليقات