«الثورة 2.0».. كيف أشعل مدير بجوجل وفيس بوك انتفاضة فى مصر - محمد العريان - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 10:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الثورة 2.0».. كيف أشعل مدير بجوجل وفيس بوك انتفاضة فى مصر

نشر فى : الأحد 2 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 2 يونيو 2013 - 10:13 ص

اسمح لى من فضلك أن أعود بك إلى بدايات عام 2011. وتذكر دهشة العالم من انتفاضة جماهيرية بلا قائد نجحت فى 18 يوما لا أكثر، فى الإطاحة بنظام مبارك الذى حكم مصر بيد من حديد لثلاثين عاما.

 

لقد كتب الكثير منذ ذلك الحين عن أسباب ثورة 25 يناير. لكن ليس هناك ما هو أقرب إلى ما حدث مما يقدمه هذا الكتاب الرائع «ثورة 2.0: الشعب أقوى من حكامه». لقد صدر الكتاب فى العام الماضى وأعبر عن أسفى لتأخرى عن قراءته كل هذا الوقت. فهذا الكتاب يقدم رؤى مهمة عن الموقف الحالى فى مصر وما ينتظرها.

 

يقدم الكتاب، الذى وضعه أحد مديرى جوجل فى الشرق الأوسط الذى أصبح شهيرا الآن والثائر بالصدفة، وائل غنيم، نظرة مثيرة بعين الطائر لتراكم الأوضاع التى أدت إلى الثورة وتحولها الناجح إلى قوة لبناء الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، أو «عيش، حرية، كرامة إنسانية» كما يلخصها شعار الثورة.

 

وحسب شهادته المكتوبة جيدا، لم يكن غنيم متفوقا فى دراسته أو متمردا كبيرا. كان شخصا شديد الاهتمام والتصميم، تواقا لطرح الأسئلة ولا يقبل بالإجابات الجاهزة. تشرب فى البداية ثقافة الخوف التى سادت كل جوانب الحياة المصرية. لكن على عكس ملايين من نساء ورجال بلده، كان له ما يميزه عن غيره: كان من أشد المهتمين بالتقنيات الحديثة، وفضوليا بالغ الفضول وقادرا على الجمع بين فهم واحترام ثقافته إلى جانب التفاعل مع العالم الخارجى.

●●●

 

بدأ اهتمام غنيم بالسياسة والتغيير الذى يمكن أن تحدثه فى المجتمع فى وقت مبكر. لكن صحوته السياسية الحقيقية جاءت متأخرة بعض الشىء.

 

فى 2010، رأى غنيم للمرة الأولى صورة خالد سعيد، الشاب المصرى الذى قام أفراد من أمن الدولة بتعذيبه وقتله. ويروى الكتاب كيف انهالت الدموع من عينيه عندما رأى صورة لوجه خالد سعيد المشوه على الإنترنت. كانت صحوة وصدمة جعلته يدشن صفحة على فيس بوك تكريما لهذا الشاب وبحثا عن القصاص له ولكثيرين غيره ممن قاسوا بشدة على يد وزارة الداخلية.

 

وقد ذهل غنيم من الشعبية التى حققتها صفحته، التى أطلق عليها اسم «كلنا خالد سعيد». وعلى استحياء فى البداية، عمل بقوة خلف الأضواء لحشد الشباب المصرى الغاضب من نظام لا يحترمه، والذى يشعر بالغربة فى بلد يدار لصالح حفنة من أصحاب المصالح.

 

واستلهاما لفلسفة غاندى التى تنبذ العنف، نظمت الصفحة عددا من «الوقفات الصامتة» السلمية احتجاجا على وحشية الشرطة. واجتذبت الحركة اهتمام الشباب والناشطين الساخطين، وضمنت ولاءهم بمشاركتهم فى الاستقصاءات، وتشجيع التفاعل بأكبر قدر على الصفحة، وبالذات الحشد وصنع القرار وكل هذا موثق بطريقة رائعة فى هذا الكتاب ذى الإيقاع السريع.

●●●

 

ومن المهم الإشارة إلى أن الصفحة التى كان يديرها غنيم وعبدالرحمن منصور (الذى انضم إلى الصفحة منذ يومها الثالث كمدير ثان) حققت شيئا اعتقد كثيرون أنه غير محتمل إن لم يكن مستحيلا: تشجيع أعداد متزايدة من الشباب المصرى على الإيمان بأن الفرصة أمامهم لاستعادة أمور بلادهم وتقرير مصيرها.

 

وفى سياق هذه العملية، بدأوا تدريجيا فى قهر حواجز الخوف المتعددة التى أحالتهم، صراحة وضمنيا، إلى مجرد مراقبين عاجزين وساخطين. ولم يكونوا على استعداد أبدا للقبول بفكرة «أننى على هذا القدر من الضآلة بحيث تحدد مصيرى الحكومة أو أمن الدولة أو قوة الشرطة»، كما عبر غنيم بنفسه وقتها.

 

واستلهاما للنجاح الذى حققته الانتفاضة الشعبية فى تونس قبل ذلك بأيام قليلة، اتخذ غنيم خطوة شجاعة بالدعوة إلى الثورة فى 25 يناير انتفاضة شعبية عفوية كانت بمثابة الحافز لملايين المصريين الذين نزلوا فيما بعد إلى شوارع المدن والقرى للإطاحة بنظام مبارك، بصورة سلمية وحازمة كان من الصعب تخيلها إلى حد كبير.

 

كانت الثورة التى بدأت فى الخامس والعشرين من يناير ثورة مواطنين تواقين إلى التخلص من «التعذيب والفساد والظلم والتخلف». كانوا يسعون إلى إخضاع حكم يتعامل مع مصر مثل «حيازة يمكن تقسيمها بين قلة من أبنائها» بينما «يكتفى الباقون بالمشاهدة» للمحاسبة.

 

وكانوا ينتمون إلى كل الطبقات الاجتماعية والخلفيات والأديان. وكان معظمهم يتظاهرون للمرة الأولى فى حياتهم. وفى السياق، أضفوا المصداقية على الفكرة القائلة: «المصريون قادرون على قهر المستحيل لو تحققت لهم وحدة الصف».

●●●

 

وبعد أن يستغرق القارئ فى رواية مشوقة عن مقدمات 25 يناير، يحدثنا غنيم عن رحلته المأساوية والمهينة فى السجن بينما يشاهد الملايين حول العالم الجموع، وهى تتدفق على ميدان التحرير مطالبة بالديمقراطية والحرية والكرامة والعدالة.

 

وقد تعرض غنيم، الذى قبض عليه فى 27 يناير، للضرب والاستجواب والتعذيب النفسى على يد أمن الدولة فى محاولة محمومة لفهم التطور السريع فى الشارع، وكذلك الدور الذى يلعبه الإعلام الاجتماعى. وقد خرج من السجن، بعد 12 يوما قضى معظمها معصوب العينين، وهو لا يعلم بما طرأ على الشوارع والإعلام.

 

وبعد إطلاق سراحه بقليل، وافق غنيم على الظهور فى برنامج تليفزيونى على الهواء. وبعد أن تحدث عن دوافعه وتطلعاته لمستقبل مصر، انفجر فى البكاء عندما تطرق الحديث إلى من لقوا حتفهم على يد البلطجية الساعين إلى استعادة نظام مبارك. وغلبته مشاعره وغادر الاستوديو بعد عرض صورة لشاب آخر «كان يحلم بالتغيير ودفع حياته ثمنا لذلك، بعد شهرين فقط من زفافه».

●●●

 

وبعد أن أجبرت الثورة مبارك على تقديم تنازلات لم تخطر ببال، بدأت الحركة الثورية المنهكة تفقد الزخم وتواجه خطر الانقسام. لكن بفضل صراحة وإنسانية وحساسية غنيم، استعادت الحركة رباطة جأشها ونجحت فى استكمال الميل الأخير.

 

لقد قرأت الكثير عن الثورة المصرية. لكن أيا منها، سواء كتبه شخص أو مجموعة، لم يعطنى هذا الإحساس بقلب وروح ملايين المجهولين من الشباب المصرى الذين تصدوا وحققوا ما لم يكن يتوقعه أحد، حتى جاء هذا الكتاب. وبعد السياق الرائع الذى قدمه هذا الكتاب، وجدت نفسى أعود إلى الإنترنت لمشاهدة فيديوهات 2011 بتقدير أكبر.

 

وخلال العامين الماضيين، أفسحت حيوية التغيير المفيد الطريق أمام الواقع المعقد لتحول ثورى آخر: الانتقال من تفكيك الماضى القمعى إلى بناء مستقبل أفضل.

 

وفى ظل غياب المؤسسات فى مصر، يخشى كثيرون من الزعماء من معتنقى أفكار نيلسون مانديلا والوحدة السياسية وفى ظل وقوع الاقتصاد تحت ثقل البطالة والفقر والتضخم والعجز من احتمال تحول الطاقة الثورية نحو العنف الطائفى.

 

وأنا كذلك قلق بل قلق جدا من عثرات العامين الأخيرين. فكل منها يجعل المستقبل القريب موضع شك والتعافى اللاحق أكثر تحديا. لكن بعد مراقبة ودراسة التحول فى العديد من البلاد على مدى الأعوام الثلاثين الأخيرة، أشعر بالتفاؤل حول مستقبل مصر فى المدى البعيد.

 

والشباب المصرى، الذى أصبح واعيا سياسيا ويضمن الآن دوره الشرعى فى تقرير مستقبل البلاد، لن يقف مكتوف اليدين ويتفرج على ثورته وهى تختطف. وبعد أن تعلم من مزالق النظم السياسية التقليدية والمؤسسات المعطوبة، لن يمر وقت طويل قبل أن تترجم خبرة وتمرس الشباب المصرى إلى قوة سياسية جديدة للانتعاش الاقتصادى، والعدالة الاجتماعية والاحترام المتبادل.

 ●●●

 

بعد سقوط نظام مبارك، تمسك غنيم بتصريحاته بأنه «لا يريد منصبا عاما أو مكافأة». وحصل على إجازة من جوجل، واستغل عوائد كتابه فى تأسيس منظمة غير حكومية تعمل على تحسين التعليم.

 

ومرة أخرى، نجح ذكاؤه فى استخدام التكنولوجيا فى تحطيم الجدران التى تسجن ملايين المصريين ممن وقعوا فى أسر المقررات الدراسية الهزيلة، والمدرسين وأساليب التعليم المضجرة. ولم تثنه المقولات التى ترى أن التحدى كبير جدا وبالغ التعقيد.

 

وبرغم الأوضاع غير المواتية، يمضى غنيم قدما. ويكفى أن ننظر إلى النجاح الأولى الذى تحققه «أكاديمية التحرير»، تلك المبادرة التى توفر المحتوى التعليمى لكل المصريين، وتساعد بصفة خاصة الشرائح الأكثر تعثرا فى المجتمع. وهو يفعل هذا بطريقة تشرك مجموعة متزايدة من الناس فى مشكلة عامة كانت تعتبر عصية على الاختراق.

 

 

المدير التنفيذى لبيمكو

 

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات