ماذا لو كتب أحمد ماهر مذكراته؟ - السيد أمين شلبي - بوابة الشروق
الخميس 6 مارس 2025 2:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ماذا لو كتب أحمد ماهر مذكراته؟

نشر فى : السبت 2 أكتوبر 2010 - 10:54 ص | آخر تحديث : السبت 2 أكتوبر 2010 - 10:54 ص

 بين ما يمكن أن نسميه الجيل الثانى من الدبلوماسيين المصريين ــ بعد الجيل الأول الذى يقع على قمته الدكتور محمود فوزى ــ يحتفظ أحمد ماهر السيد بموقع متميز بين هذا الجيل، ويرشحه لهذا تاريخ حافل من الخبرة والأداء الدبلوماسى وفى مواقف ومواقع فى غاية الدقة وتتضمن أحداثا وتحولات إقليمية ودولية، ويدفعنى إلى كتابة هذا المقال أننى فى لقاءاتى المتقطعة مع أحمد ماهر خاصة بعد أن ترك منصب الوزير، حيث كنت أرجوه أن يكتب مذكراته وكانت ردوده المرحة كالعادة توحى بأنه سوف يفعل. غير أن رحيله دفعنى إلى استعادة هذا السؤال والتساؤل عما كان يمكن أن يكتبه أحمد ماهر فى هذه المذكرات.

وأتصور من استدعائى لتاريخه الدبلوماسى وللمواقع التى شغلها فى الخارج والداخل أنه كان سيبدأ بخبرته كدبلوماسى مبتدئ فى عمله بالكونغو خلال أزمتها فى أوائل الستينيات وهى الأزمة التى حملت أبعادا دولية تداخلت فيها عناصر الحرب الباردة آنذاك وراح ضحيتها سكرتير عام الأمم المتحدة الأسبق داج همرشولد وحيث تعرض لانتقادات قوة أعظم آنذاك وهى الاتحاد السوفييتى لدوره ودور المنظمة الدولية فى أزمة الكونغو، هذا فضلا عن دور مصر خلال هذه الأزمة وحيث شاركت بقوات من المظلات المصرية فى إدارة الوضع فى الكونغو، وهو الموقع الذى سيتعرف فيه أحمد ماهر بالسفير آنذاك محمد إبراهيم كامل.

كذلك كان أحمد ماهر السيد سوف يكتب بعد ذلك عن خبرته الأوروبية حيث بدأها بعمله كسفير فى البرتغال ولمدة قصيرة انتقل بعدها للعمل كسفير فى بروكسل التى نعلم أنها مقر للجماعة الأوروبية ثم كمركز لحلف شمال الأطلنطى.

أما التحول الأكبر فى خبرة أحمد ماهر الدبلوماسية فهى عندما عمل سفيرا فى الاتحاد السوفييتى وشهد مقدمات ما سوف يعرف فى العلاقات الدولية بـ«الزلزال» عندما تفكك الاتحاد السوفييتى واختفى كالقوة الدولية المنافسة فى الحرب الباردة. فى هذه الخبرة بالذات كنت أشدد عليها وأقول له إنه سوف يقدم لدارسى العلاقات الدولية خبرة سفير قدير ومثقف على وعى عميق بالوضع الدولى وكنت أذكره بخبرات مؤرخ دبلوماسى مثل جورج كينان عندما عمل كقائم بالأعمال فى الأربعينيات فى موسكو ثم سفيرا فى أوائل الخمسينيات وهى الخبرة التى رصدها فى مذكراته التى ستظل رصيدا مهما فى تاريخ الدبلوماسية.

أما النقلة الأخرى فهو انتقاله من العمل فى موسكو إلى واشنطن، وحيث تابع خلالها فترة حاسمة فى العلاقات الدولية وهى فترة انتهاء الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة الأعظم الوحيدة فى العالم.

كانت هذه هى خبرات أحمد ماهر العريضة فى الخارج أما فى الداخل فإنه لابد سوف يتذكر مساهمته فى مرحلة من أدق مراحل الدبلوماسية والسياسة المصرية وأعنى بها الإعداد لحرب أكتوبر وذلك من خلال عمله مع فريق الدبلوماسيين المصريين الذين استدعاهم السيد حافظ إسماعيل للعمل معه كمستشار للأمن القومى للرئيس السادات، ويعلم القريبون من هذه الفترة أنه كان العقل المفكر لهذه المجموعة وأنه كان كاتب الرسائل المتبادلة بين السيد حافظ إسماعيل وهنرى كيسينجر وكذلك رسالة الرئيس السادات إلى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. واتصالا بالإعداد لحرب أكتوبر وتداعياتها كان أحمد ماهر السيد سيتذكر مشاركته فى اللجنة القومية المصرية التى شكلت لإدارة المفاوضات حول طابا، ثم المرحلة الأخرى وهى الإعداد الدبلوماسى المصرى لمفاوضات كامب ديفيد. الذى يقرأ مذكرات محمد إبراهيم كامل عن هذه الفترة «السلام الضائع» سوف يلاحظ أن اسم أحمد ماهر تردد فيها عشرات المرات وحيث اختاره من البداية مديرا لمكتبه والمعروف بين المقربين من تلك المرحلة أن أحمد ماهر هو الذى كتب تقرير وزارة الخارجية الذى رفع إلى الرئيس السادات حول تصورات وزارة الخارجية عن المفاوضات المقبلة فى كامب ديفيد، وهو كان عضوا فى الفريق المصرى خلال هذه المفاوضات.

وقد توج التاريخ الدبلوماسى لأحمد ماهر السيد عندما اختير وزيرا للخارجية عام 2001 ويذكر كاتب هذه السطور أنه فى ليلة اختياره كان يحضر لقاء المجلس المصرى للشئون الخارجية مع الدكتور مراد غالب حيث أعلن فى الصباح اختياره وزيرا للخارجية.

فى تقييمه لسنوات عمله كوزير للخارجية أتصور أنه كان سوف يسجلها باعتبارها حصيلة أدائه الدبلوماسى وأن سنواته كوزير كانت تمثل تحولا فى أداء الدبلوماسية المصرية لا من حيث الجوهر ولكن من حيث أسلوب الأداء وأسلوب التعبير والدفاع عن هذه السياسة وانتقالها من المرحلة التى تميز بها عهد الوزير عمرو موسى الذى كان أداؤه فيها يتميز بالاندفاع الذى كان يبلغ فى بعض الأحيان نقطة الاصطدام، إلى مرحلة الأداء الهادئ الرصين الذى يذكر بعهد الدكتور عصمت عبدالمجيد، ولقد تفهم البعض هذا الأسلوب وأساء البعض الآخر فهمه واعتبروه تراجعا للدبلوماسية المصرية.

فى كل الأحوال، افتقد التاريخ الدبلوماسى المصرى ما كان يمكن أن يقدمه أحمد ماهر السيد من مذكرات كانت ستضيف إلى التاريخ الدبلوماسى حصيلة تاريخ دبلوماسى حافل بالأحداث والتحولات الإقليمية والدولية.

التعليقات