من ألطف العناوين التى استخدمت للتعبير عن الحالة المصرية طوال السنوات الماضية «انتبه.. مصر ترجع إلى الخلف» فى إشارة إلى استقالة مصر وانسحابها بكل حماس من أدوارها وجغرافيتها وتاريخها.
إلا أن هذا العنوان ورغم رشاقته، لم يعد التعبير الأمثل عن الحالة المصرية الآن، ذلك أن القاهرة تبدو لى وكأنها صعدت إلى الطابق الأخير من بناية عتيقة شاهقة، وقررت أن تلقى بنفسها، فمن القضية الفلسطينية حتى منتخب «شحاتة ومتعب»، ومن الحكومة إلى الأخوان المسلمين، مرورا بما تسمى أحزاب المعارضة، ستجد أكثر من دليل على وصول مصر إلى مرحلة القفز من أعلى بلكونة.
فلسطينيا: لم أكن أتصور أن يصل الأمر بطرف فلسطينى بأن يصرح أو يلمح بأن القاهرة لم تعد جديرة بإدارة ملف القضية الفلسطينية، سواء على مستوى الاتصالات مع «إسرائيل» أو ما يتعلق بالحوار الفلسطينى الداخلى، بل ويصبح مطروحا البحث عن بديل كفء لمصر فيما يتعلق بهذه القضية.
عربيا: تبدو القاهرة فى حالة «نرفزة» دائمة مع أكثر من عاصمة عربية، لعل أوضحها ما جرى مع الجزائر بسبب مباراة فى كرة القدم، وكذلك ما جرى ويجرى مع الدوحة، وما قفز إلى السطح مؤخرا من رغبة عربية من أطراف متعددة لإنهاء «مصرية» منصب الأمين العام للجامعة العربية مع اقتراب فترة عمرو موسى من الانتهاء.
حتى على مستوى جماعة الإخوان المسلمين، يجرى التداول حاليا بشأن خروج منصب المرشد العام للجماعة من مصر لتتولاه شخصية من أى بلد آخر.
أما الكارثة الحقيقية فهى أن حالة الموات، أو على الأقل الخمول والهزال، تجاوزت الحكومة والنظام السياسى لتضرب بعنف فى أوصال الشعب المصرى الذى يبدو الآن وكأنه خارج إطار الزمن، أو فى أفضل الأحوال يجلس متسمرا على مقاعد خشبية متهالكة مليئة بالمسامير لمشاهدة ما يجرى أمامه وعليه من سيناريوهات رديئة دون أن يحرك ساكنا، أو حتى يشعر بوخز المسامير من تحته.
ولعلها نكتة أننا بعد مرحلة استيراد العلم الوطنى، وسجادة الصلاة، وحتى الكلاب من الصين، دخلنا إلى مرحلة جديدة للغاية تجلت فى استيراد الضمائر والحناجر من أوروبا، ذلك أن مصر الرائدة الكبيرة العربية منعت العشرات من أبنائها من الخروج إلى الشارع فى مظاهرة يتيمة لإحياء ذكرى مجزرة غزة، وعندما زارنا الضمير العالمى ممثلا فى عشرات الناشطين ليؤدوا الفرض نيابة عنا حاصرناهم وطاردناهم فى الشوارع وأجبرناهم على المبيت فى العراء.. عراء وطن قرر أن يستقيل من نفسه ويخرج من جلده ويصعد إلى السطوح ليلقى بنفسه إلى الهاوية!