فتحنا المعبر بعد أن ملأنا الدنيا كلاما طوال أربع سنوات من حصار غزة عن استحالة فتحه من جانب واحد، وبصرف النظر عما إذا كانت إعادة فتح معبر رفح محاولة لتلافى مطارق الانتقادات الإعلامية بعد مجزرة سفن الحرية، أو كان استجابة لضغوط شعبية نبيلة أتت بالتزامن مع بدء مهزلة ما أطلق عليه «انتخابات مجلس الشورى» فإن الأمر الرئاسى بفتح المعبر لوصول المساعدات إلى أهالينا فى غزة خطوة جيدة، وإن تأخرت سنوات فهذا أفضل من ألا تأتى إطلاقا.
غير أن فتح المعبر، وفقط، لا يكفى، بل ينبغى أن تستتبعه خطوات وإجراءات أخرى تزيل الغبار عن صورة مصر أمام شعوب العالم، فالمطلوب الآن دور مصرى جاد وحقيقى تجاه عذابات الشعب الفلسطينى المحاصر، دون مضغ التصريحات الكلاسيكية المخجلة التى تستخدم شماعة الخلافات والانقسامات الفلسطينية الداخلية لتبرير استمرار المأساة الإنسانية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
مصر «الكبيرة» تستطيع أن تنجز ملف المصالحة الفلسطينية فى 24 ساعة إن أرادت، من منطلق أننا شركاء فى القضية والهم الفلسطينيين ولسنا وكلاء أو وسطاء.
ولأن ذلك كذلك فإننى لا أفهم هذا الصمت الرسمى المصرى على بذاءات سفير الكيان الصهيونى بالقاهرة بشأن ما اعتبره «رد الفعل المصرى المعتدل والعلاقات الجيدة بين البلدين» وفقا لما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية أمس. بل إنه قطع شوطا أكبر فى الوقاحة والإساءة حين قال إن «مصر تفهم تماما أنه كان هناك استفزاز من جانب منظمى أسطول الحرية». وأظن أنه إذا كانت القاهرة قد وقفت مرتبكة ومتثاقلة أمام المطالبات بطرد السفير الصهيونى كحد أدنى من ممارسة الغضب على المجزرة، فإن هذه التصريحات المشينة تستدعى الرد بقوة، وليس أقل من إبلاغه بأنه شخص غير مرغوب فيه، اللهم إلا إذا كان سفير أعدائنا واثقا من أن أحدا لن يراجعه أو يسائله إذا نصب نفسه متحدثا باسم الدبلوماسية المصرية.
وأظن أيضا أن الدبلوماسية المصرية لا يجب أن تصمت على ما بثته قناة (CNN) الأمريكية فى شريط أخبارها أمس الأول تحت عنوان «إسرائيل ومصر تتحركان لتخفيف حصار غزة» وهو ما يعنى أن فتح المعبر لم يكن قرارا مصريا خالصا، بل بالتوافق والتشارك مع إسرائيل.. والصمت هنا ترجمته الوحيدة هى الإقرار والتسليم بما يشاع.
وأخيرا.. إذا كانت الحكومية ممثلة فى الدكتور مفيد شهاب ترى أن النائبين المصريين اللذين كانا على متن سفن الحرية شرفا مصر، فإننا نذكر بأن مصريا محترما آخر حاول تشريف مصر إبان عدوان غزة 2008 وهو الزميل مجدى أحمد حسين فكان مصيره المحاكمة العاجلة والسجن، فهل نلتمس من السادة السعداء بمن يشرفون مصر فى مواقف مشابهة أن ينظروا فى أمره، ويأمروا بإطلاق سراحه، إكراما لغزة واتساقا مع رد فعلهم بشأن مذبحة أسطول الحرية؟