واحدة من معضلات مصر التى لم أكن أعلم بوطأتها إلا مؤخرا هو تراجع الأفضل وتمكين المفضول.
الأفضل (بمعنى الأكفأ الأكثر تعلما ونباهة ومبادرة) يختار أن ينزوى أو أن يعمل فى مجال العمل الخاص (وهذا ليس عيبا)، ولكنه يتراجع عن العمل العام (وتحديدا الحكومى أو المرتبط به)، فيكون مستعدا مثلا لأن يتبرع بالمال والأفكار، ولكن يطلب أن يكون فى الظل لأنه يخشى من حزب أعداء النجاح أو كارهى الانجاز أو الراغبين فى تشويه الآخرين. بل إن بعضهم يعمل فى الخفاء، ليس من باب طاعة الخالق فى الإنفاق سرا، وإنما هو يعمل خوفا لأن هناك من يترصد بكل ناجح. وحين أسمع هذا الكلام من أسماء بالفعل لامعة وناجحة فى مجالاتها، فالإنسان يخشى أن العملة الرديئة ستدمر البيئة الصالحة للعملة الجيدة.
هذه كارثة وطنية بكل المعايير. من بين عشرين شخصا مرشحين لمهمة ما، نجد أن أكفأ خمسة هم الأكثر زهدا فيها، والأقل كفاءة هم الأكثر استعدادا لها. هذه دعوة صريحة لأبناء جيلى ممن تخرجوا فى الجامعات فى الثمانينيات والتسعينيات، التراجع، تواضعا أو خوفا، ليس بديلا.
الجيل اللاحق علينا بحاجة إلينا كى نساعدهم ونمكنهم، والجيل السابق علينا، بحاجة لأن نتعلم منهم وأن نضيف إليهم.
أرجوكم لا تتركوا الساحة للمفضولين بغير عذر.
وحتى لا تبدو الصورة سلبية، فى النهاية يتم إقناع الأفضل بأن يتقدم بعد أن يستوعب أنه سيكون جزءا من فريق عمل. وهذه هى مزية أخرى للناجحين، أنه يعلم أنه لن ينجح وحيدا. وقد أعجبنى كلام صديق ناشط وناجح ومتميز تعرفت عليه حديثا، وهو المهندس حاتم خاطر، بشأن رؤيته لمشكلة العمل الجماعى فى مصر، وهو أن الكثيرين باحثون عن النجومية الفردية، قطعا هناك مساعدون ولكن هم ليسوا شركاء. وهو ما جعله يقدم رؤية تستحق أن نستوعبها جميعا؛ فالعمل الجماعى الناجح يقتضى تكامل سبعة مكونات أو مهارات لا يمكن أن تتوافر فى شخص واحد إلا خروجا على مألوف الفطرة من التفاوت فى القدرات والملكات. أما المكونات التى أنقلها عنه لأى فريق عمل بهدف تمكين الأفضل هي: مكون الرؤية، ثم مكون الدراسة وتمحيص هذه الرؤية، ثم مكون التخطيط، ثم مكون التحفيز، ثم مكون التنفيذ، ثم مكون المراقبة والتقييم، ثم مكون خلق التناغم بين شركاء العمل الجماعي.
هناك أشخاص أفضل من غيرهم فى مسألة التخطيط، وهناك آخرون أفضل فى التحفيز، وهناك من هم أفضل فى أمور خلق التناغم بين الشركاء.
هذه قيم النجاح التى ما نجح الناجحون إلا بها، وما فشل مجتمع إلا لغيابها. هل نحن لها؟ هل نحن قادرون عليها؟ هل نستطيع أن نكون حلقة الوصل بين الكبار الذين وقعوا (وربما سيوقعون جيلنا واللاحقين علينا) فى أضابير الخلاف والشقاق والانشقاق؟ هل نحن قادرون على العمل الجماعي؟ هل نحن قادرون على تمكين الأفضل؟ فلنحاول هذه مسئولية جيلنا.
أرى أجزاء كثيرة سليمة فى مصر «بس لوحدها» كما قال الكوميديان الشهير، علينا تجميعها. الخطط تعد الآن. ومصر بحاجة لدعائكم وجهدكم.