لا أعتقد أننا يجب أن نتوقف طويلا عند أسماء أعضاء لجنة الخمسين، المنوط بها مناقشة تعديلات مواد الدستور التى أعدتها اللجنة القانونية المحترفة، فهذه الأسماء ليست المنتج النهائى الذى يعنينا، أو الذى سيتوقف عليه مستقبلنا، ولكن ما نرغب فيه حقا النتائج التى ستتوصل إليها هذه الأسماء عبر نقاشاتهم التى ستبدأ الأسبوع المقبل (الإثنين ٩ سبتمبر) والتى ستصوغ النسخة النهائية من التعديلات التى ستطرح للاستفتاء العام، هنا علينا أن نلفت نظر هذه اللجنة لعدة أمور نراها ضرورية وملحة وواجبة، من أجل ان نخلص إلى دستور يتوافق مع جميع الموجات الثورية التى شهدتها مصر خلال الشهور الثلاثين الماضية، وملبيا لرغبات الشعب الذى يتطلع لمستقبل أفضل، دون تجاهل لحقوق أى قطاع من قطاعات هذا الشعب الذى لم ير ثمار التغيير حتى الآن.
فى مقدمة ما يجب أن تعيه اللجنة جيدا، أن الدستور الذى تجرى عليه التعديلات كان سببا مباشرا ورئيسيا لاندلاع الأزمة بين فئات عديدة من الشعب ونظام حكم الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسى، ولا نبالغ إذا قلنا إنه أحد أهم الأسباب التى دفعت الجماهير للتمرد عليه والنزول للشارع للإطاحة به، وهو الدستور الذى اتفق الجميع، بمن فيهم الرئيس المعزول، وحزبه الحرية والعدالة على ضرورة تعديل ما يقرب من ١٥ مادة وفقا للمستشار محمود مكى الذى كان يشغل منصب رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت.
وعلى اللجنة أن تعرف أيضا، أن المطلوب دستور عصرى، حديث، يتجاوز فى أهدافه ومحدداته، دستور ١٩٧١، دستور يتماشى مع الألفية الحديدة وخصائصها، ومعبرا عن ثورة يناير وأهدافها، دستور يقدس الحريات العامة ويعلى من شأن القيم الكبرى لهذا المجتمع، دستور لا يشعر المواطن مع مواده بالغربة، ولا بالقيد، دستور يسمح لنا بالتجاوب مع العالم الخارجى، ويحافظ على وجودنا وسط بيئة عالمية لا تلفظنا، دستور لا يعود بنا للخلف، ولا ينتصر لقيم وأخلاقيات متخلفة، بل دستور يليق بدولة الحضارة ويعبر عن شعب متحضر، ويعكس تاريخ وثقافة هذه الأمة العتيدة.
أما القضية الأهم فى تعديلات هذا الدستور، وعلى لجنة الخمسين أن تلتفت إليها وتستوعبها وتعمل بجدية من أجل إقرارها، أن يحظى بالتوافق بين القوى والتيارات السياسية المختلفة، فقد كان جزءا كبيرا من أزمة الدستور المجمد حاليا، أنه جاء رغما عن أنف الغالبية (التصويت بنعم فى الاستفتاء لا يعنى مطلقا ان الغالبية متوافقة على كل مواده، بل من أجل ان تدور العجلة كما وعد الحزب الحاكم وقتها)، وأن الرئيس المعزول تهاون أخلاقيا مع وعوده المباشرة والصريحة للقوى الثورية التى ساندته فيما يعرف باتفاق فيرمونت، وأنه لن يدعو للاستفتاء على الدستور إلا إذا كان متوافقا عليه، وهو ما لم يفعله الرئيس المعزول، وأتمنى أن تحرص عليه هذه اللجنة، فقيمة الدستور بالتوافق عليه، أهم كثيرا من المواد التى يتضمنها.