كيف نفهم سلوك أردوغان؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الإثنين 30 سبتمبر 2024 5:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف نفهم سلوك أردوغان؟

نشر فى : الإثنين 4 مارس 2019 - 9:50 ص | آخر تحديث : الإثنين 4 مارس 2019 - 9:50 ص

ما هو التفسير المنطقى لهذا الهجوم العنيف الذى يشنه رجب طيب أردوغان على الحكومة المصرية والرئيس السيسى والنظام خلال الأيام الماضية، خصوصا عقب القمة العربية الأوروبية التى انعقدت فى شرم الشيخ يومى الأحد والاثنين الماضيين؟!
لا أحب إطلاقا الدخول فى «حوارات الردح وفرش الملاية» التى لا تليق بأى شخص يحترم نفسه فى أى معسكر كان، وبالتالى أحاول الوصول إلى تفسيير عقلانى لهذا الهجوم غير المسبوق منذ سنوات.
الملاحظة الأولى أن الهجوم بدأ من أردوغان ثم تلاه المتحدث باسم الرئاسة، وأعقبه المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر جليك، ثم عاد أردوغان لشن الهجوم مرة أخرى يوم الثلاثاء الماضى.
جوهر هذا الهجوم ليس فقط بسبب تنفيذ حكم قضائى مصرى نهائى بإعدام تسعة أدانهم هذا القضاء بقتل النائب العام السابق المستشار هشام بركات فى نهاية يونية ٢٠١٥، ولكن أظن سببه خيبة الأمل التركية العارمة بسبب استضافة مصر للقمة العربية الإسلامية الأوروبية.
وبالتالى يمكن فهم هذا الهجوم الشديد فى ضوء العديد من التفسيرات.
أولا: هناك تناغم كامل بين الرئيس التركى وبعض أركان حزبه مع جماعة الإخوان، وكأن الطرفين صارا حزبا أو جماعة واحدة. أردوغان كان أكثر براجماتية وعملية فى الماضى خصوصا حينما زار مصر أثناء حكم جماعة الإخوان، وقال لهم: «العلمانية هى الحل»!. يومها صدم الجماعة تماما، لكن تبين لاحقا أن كل ذلك كان للأسف يندرج فى باب التقية.
الآن يتصرف أردوغان مع مصر، وكأنه مرشد جماعة الإخوان، وليس رئيسا لدولة إقليمية كبرى لها مصالح مختلفة مع إقليمها، وينبغى ألا تدخل فى صراعات حادة بهذا الشكل، خصوصا أن أردوغان وحكوماته السابقة كانوا يرفعون شعار «زيرو مشاكل مع العالم» ثم انقلب الشعار ليصبح «مشاكل مع كل العالم تقريبا»!!
ثانيا: من الواضح أن أردوغان لايزال يراهن حتى هذه اللحظة على عزل النظام المصرى دوليا. هذا هو الفهم الوحيد الذى نستنتجه من صدمته، بقمة شرم الشيخ.
ومن الواضح أنه لم يستوعب إطلاقا أن النظام المصرى تغلب على كل محاولات العزل والحصار.
فى كل هجماته وانتقاداته فإن أردوغان يلوم الأوروبيين قائلا: «كيف تمدون يدكم لهذا النظام الذى يعدم الأبرياء، قاصدا بالطبع أعضاء حلفائه الإخوان؟!
ثالثا: من الواضح أن القمة الأخيرة أصابت أردوغان فعلا بصدمة سياسية، لأنه حينما يحضر غالبية قادة أوروبا وفى مقدمتهم أنجيلا ميركل وتريزا ماى، وكل قادة الاتحاد الاوروبى، وحينما يحضر غالبية قادة الوطن العربى، وفى مقدمتهم العاهل السعودى، وحينما لا يكون غائبا إلا أمير قطر تقريبا. فالرسالة التى وصلت إلى أردوغان وحلفائه ان كل جهودهم منذ ٣٠ يونية ٢٠١٣ قد فشلت تقريبا.
من الطبيعى أن يغضب أردوغان من هذه القمة مثلما من الطبيعى أن يغضب غالبية العرب من الدور التركى الإيرانى فى غالبية القضايا العربية خصوصا فى سوريا، فى مقابل غياب شبه تام للبلدان العربية.
الأتراك سجلوا حضورا وتأثيرا فى سوريا، وكذلك فعلت إيران بجانب روسيا، وبالتالى يشعر أردوغان وقادة إيران أن قمة شرم الشيخ تعنى أنهم ليسوا فقط من يمكنهم التأثير، خصوصا بعد مؤتمر وارسو الأخير الذى كان موجها بالأساس لحصار إيران، وشهد تقاربا إسرائيليا خليجيا، برعاية أمريكية.
أغلب الظن أردوغان كان يحاول طوال الوقت اقناع حلفائه من الجماعة والداعمين الاخرين، بأن ضغوطه وعلاقاته الدولية ستحاصر النظام المصرى عالميا، وستمنع السلطات المصرية من تنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين من جماعة الإخوان.
وفجأة تغير كل ذلك، وتم تنفيذ الإعدامات أولا، وبعدها بساعات جاءت كل أوروبا إلى مصر، ومعها العالم العربى.
سياسيا يمكن تفهم سلوك أردوغان، وبالتالى ليس من المستبعد أن تلجأ جماعة الأخوان، أو بعض القوى المحسوبة عليها أو القريبة منها وحلفاؤها من التنظيمات المتطرفة إلى عمليات قريبة كى تثبت لرعاتها أنها لاتزال موجودة ومؤثرة. صحيح أن العمليات لم تتوقف وآخرها ما حدث فى سيناء أو ميدان الجيزة أو الدرب الأحمر، ولكن على اجهزة الأمن أن تتحسب لعمليات نوعية تغطى على الأصداء غير المسبوقة لقمة شرم الشيخ العربية الأوروبية، وإن كان حادث الاهمال الجسيم فى محطة مصر قد تكفل ببعض ذلك!!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي