التاريخ يقول إن هناك بدائل أربعة، ولنا أن نخترع غيرها:
أولا قتل الرئيس أو تركه يموت بعد محاكمات شكلية مثلما فعل الثائرون أو الانقلابيون مع تشاوشيسكو فى رومانيا أو اللندى فى تشيلى أو مصدق فى إيران. ما هى أفضلية هذا البديل؟ سيشفى غليل قطاع من المواطنين. هذه مزية نفسية مفهومة. ولكن من الذى كان سيحاكمه ويقتله؟ الثائرون أنفسهم؟ ربما كان بعضهم راغبا وقادرا على ذلك. ولكن هل كان هذا يعنى مواجهة بين الثائرين والحرس الجمهورى؟ ربما كان العديد من الثائرين لديهم استعداد للاستشهاد مقابل هذا. ولكن ماذا سيكون رد فعل بقية وحدات القوات المسلحة؟ أو ربما كان المتوقع هو أن الذى كان سيحاكم الرئيس ثم يقتله هو القوات المسلحة نفسها. هل هى تريد ذلك؟ وما تأثير ذلك على تماسكها الداخلى؟ ولو أرادت ذلك وتماسكت، أين احترام حكم القانون الذى قامت الثورة من أجله؟ وفى كل الأحوال ستتعلل الدول الغربية بأنها لن تعيد أمواله لمصر لأنه لم يحاكم محاكمة عادلة (أرجو الإطلاع على تعقيدات ملف استرداد أموال فيجومورى وبينوشيه لنعرف أهمية عدم وجود محاكمات استثنائية أو شكلية).
ثانيا: رحيل الرئيس إلى خارج مصر مثلما حدث مع الملك فاروق وشاه إيران وبن على. ما هو العائد علينا نحن المصريين فى هذه الحالة؟ خلصنا منه. لكن ماذا عن الأموال والأصول فى الخارج؟ وماذا عن قيادة الثورة المضادة من الخارج وهو حر طليق؟ وماذا عن دمائنا وأموالنا؟
ثالثا: المصالحة معه وعفا الله عما سلف: وهذا ما فعله الثائرون مع بينوشيه فى شيلى؛ حيث أعطوا له منصب «عضو مجلس الشيوخ للأبد» حتى تكون معه حصانة للأبد. لو كان بين المصريين من يقبل هذا، فأنا عن نفسى لا أقبله. لا بد أن يحاكم.
رابعا: وضعه قيد الإقامة الجبرية ثم محاكمته جنائيا: يحاكم عن دم الشهداء وانتهاكات حقوق الإنسان وعن أى فساد أو إهدار مال عام (مثل قضية توشكى)، ثم نسترد أموالنا بالقانون. هذا هو البديل الذى أفضله وهو ما ينبغى أن يحدث من الآن. ولترفع القضايا ضده باعتباره مسئولا عن كل ما سبق، وليستجب النائب العام. وما يسرى على مبارك يسرى على غيره، ولا أحد فوق القانون كما قال البيان الأخير للقوات المسلحة.
أرجو أن يسامحنى بعض القراء الذين يعتقدون أننى شخص «بارد» لدرجة الملل، أو متواطئ لدرجة الخبث، لأننى أقدم اقتراحات مزعجة وعلى غير هوى الروح الثورية السائدة عكس ما كنت عليه أثناء الثورة نفسها؛ وقد قلت من قبل إننى أكثر الثوريين محافظة. وللأمر تفسير، يجوز أن يكون غير موفق من وجهة نظر البعض، لكنه يعبر عن حقيقة موقفى. ببساطة أتيح لى أن أتعرض فى دراستى للثورات والحروب الأهلية وما يحدث فيها وبعدها. وأقدم اقتراحاتى بناء على ما درست وأحترم وجهة نظر المختلفين معى جدا، ولكن لا يمكن أن أنصاع وراء مشاعر نبيلة لكنها ربما تكون مضرة، واجبى أن أقول ما أعلم، بكل تواضع، والاختيار للقارئ.
لمصر ولثورتها، لا للمجلس العسكرى أو لمبارك، أعتقد أننا نسير فى الطريق الصحيح ببطء نسبى، ولكن فى ثبات أكيد. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.