●● مهما طال الزمن تظهر الحقيقة فى العالم الآخر، وهو عالم يمضى فى اتجاه مضاد لعالمنا الذى تتوه فيه الحقيقة وتخفى فيه الحقيقة وتزور فيه الحقيقة. يقول خبر بثته وكالة رويترز إن تركيا استخرجت رفات الرئيس السابق تورجوت أوزال الذى قاد عمليات إصلاحية كبيرة وأخرج بلاده من الحكم العسكرى وذلك بناء على طلب ممثلى الادعاء الذين يحققون فى ملابسات وفاته قبل 19 عاما.. وكان أوزال الرئيس الثامن للجمهورية التركية توفى عام 1993بأزمة قلبية فى أنقرة عن 65 عاما أثناء توليه منصبه. ويتضمن الخبر تفاصيل كثيرة عن الرجل ودوره. وعن شبكة قومية سرية تعرف باسم أرجينيكون ويحاكم الآن المئات بتهمة الانضمام إلى هذه الشبكة والعمل على قلب نظام الحكم.
●● وقبل أسابيع أعلن رئيس الوزراء البريطانى دافيد كاميرون أمام البرلمان حقيقة ما جرى فى كارثة استاد هيلسبروه التى وقعت فى 15 أبريل 1989 خلال نصف نهائى كأس انجلترا بين ليفربول ونوتنجهام فورست، بسبب تدافع الجماهير داخل المدرجات مما أسفر عن مصرع 96. ووجه رئيس الوزراء اعتذارا لجماهير ومشجعى ليفربول الذين اتهموه بأنه سبب الكارثة، وأوضح كاميرون أنه كان هناك تقصير شديد من الشرطة. وجاء ذلك بعد سنوات من التحقيق، صدرت فى 400 ألف صفحة..
●● أشعر بالضيق والأسف لأننا لم نصل أبدا إلى الحقيقة. ولم نحرص على الوصول إليها. فهل اغتيل الملك فاروق حقا أم كانت وفاته طبيعية؟ وهل اغتالت أجهزة مخابرات الرئيس عبدالناصر أم أن إجهاد المصالحة الأردنية الفلسطينية أصابه بأزمة قلبية وهو فى الثانية والخمسين من عمره؟ وهل انتحر المشير عبدالحكيم عامر أم قتل؟ وهل كانت هناك مؤامرة على الرئيس السادات انتهت باستشهاده فى عرض عسكرى؟ من قتل الشباب فى ميدان التحرير؟ ماذا حدث فى ماسبيرو؟ من اغتال الشيخ عماد عفت؟
●● تلك علامات استفهام لم تجد إجابات قاطعة فى أى زمن، مع أنها تتعلق بشخصيات مهمة كانت فى موقع السلطة والحكم.. وربما جرت تحقيقات، لكن كل فترة يخرج بلاغ يشكك فى نتائج تلك التحقيقات، فتثار البلبلة وتترسخ فكرة الشك فى التحقيق كأنها عملية مخططة ومقصودة.. لكن الحقيقة أيضا غابت فى أحداث جسيمة ومهمة ولم تعلن بوضوح وبشكل قاطع المسئوليات فيها، ومنها حرب 67، وثغرة حرب 73 وما تردد عن انهيار قادة كبار فى غرفة العمليات. كما لم تظهر حقيقة العميل بابل الذى تحدثت عنه إسرائيل، ولم نعرف من أعطى الأمر للجيش بالنزول إلى الشارع أيام ثورة جنود الأمن المركزى، ولا لماذا أقيل المشير أبوغزالة من منصبه فجأة وهو صاحب الفضل فى حماية النظام من ثورة الأمن المركزى؟
●● هناك ألف قصة وحكاية لم نعرف حقيقتها الكاملة القاطعة. ونعم هناك فى العالم الآخر ألغاز لم تحل إلى اليوم لكنها قليلة ونادرة، مثل اغتيال الرئيس كينيدى فى دالاس ثم اغتيال قاتله، ثم موت الرجل الذى قتل القاتل.. إلا أن المختلف فى عالمنا العربى أن ألغازنا لا تعد ولا تحصى، وأن الحقيقة ليست من حقنا، وأن علينا أن نصدق أن كل قصة وراؤها مختل عقليا.. والحقيقة أنه مختل عقليا من يصدق ذلك.