نص المادة 60 من الإعلان الدستورى حدد ما يلى: «يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى فى اجتماع مشترك، بدعوة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء».
هذا النص يتحدث عن الإطار القانونى الضابط لعمل الجمعية التأسيسية، ولكن الإطار السياسى لعمل الجمعية غير مذكور فى هذا النص، وهو المعتاد فى النصوص القانونية. هذا الإطار السياسى الضابط هو جزء من مجموعة من القيم والأفكار والتوقعات الأساسية التى تشكل وعينا وسلوكنا السياسيين. مثلا، لا تتحدث هذه المادة عن أى اعتبارات تتعلق بتمثيل المؤسسات الأساسية فى المجتمع والدولة مثل الأزهر الشريف والكنائس المسيحية الثلاث ومؤسسات الدولة السيادية، ولا تتحدث مباشرة عن عدد معين من السيدات أو المسيحيين من الناحية القانونية والإجرائية. ومن هنا فإن استيفاء الإجراءات القانونية بأن يكون العدد مائة وليس مائة وعشرة أو تسعين فقط هو الشرط الضرورى، لكنه قطعا غير الكافى لإتمام عملية كتابة الدستور بنجاح وبتراضٍ بين قطاعات الشعب المختلفة. وهو ما يقتضى أن يكون تمثيل هذه المقومات الأساسية للمجتمع كاملا. وحين يرسل الأزهر الشريف مثلا عددا من الأسماء المرشحة رسميا كى تمثله فى الجمعية، فأعتقد أنه من اللياقة السياسية أن يتم تمثيل الأسماء كما هى، وليس الاستعانة بغيرها حتى لو كانت فيها نفس الخصائص العلمية والشخصية للمرشحين الرسميين لأن القضية هنا أن المؤسسة اختارت لاعتبارات خاصة بها، فإما أن يطلب إليها تغيير بعض الأسماء المرشحة أو نلتزم بترشيحاتها. وهكذا مع المؤسسات الأخرى مع مراعاة أن تمثيل المسيحيين يكون بالعدد الذى لا يقل عن نسبتهم فى لجان وضع دساتير مصر السابقة، وإلا دعم المحافظون دينيا من حجج وأسباب تخوف المسيحيين من القوى المحافظة دينيا مع أن هذه فرصة لا ينبغى أن تضيع لإبطال ما يثار عن المعاملة غير العادلة للمسيحيين. والأمر حقيقة ليس بعيدا عن تمثيل المرأة. هذه أمور تصب فى جوهر فكرة العيش المشترك داخل الجماعة الوطنية المصرية. وما يزيد الأمر حرجا أن الأسماء المرشحة من مؤسسة الأزهر لا يوجد منها سوى شخص واحد فى القائمة الأساسية والأسماء المرشحة الأخرى غير موجودة حتى فى القائمة الاحتياطية بما يعقد الموقف أكثر. وهذه مؤسسات أساسية لابد من أن تمثل التمثيل اللائق بها.
أما الاعتبارات الحزبية الضيقة من قبيل أن يكون هناك تمثيل بعدد معين لحزب بذاته فهذه قضية تتداخل فيها الاعتبارات الشخصية والحزبية وتصفية الحسابات التى يمكن أن يكون عمل الجمعية ضحية لها. إذن ما الحل؟
نص المادة السابقة يتحدث عن مائة عضو للجمعية. واختار الاجتماع المشترك لمجلسى الشعب والشورى أن يكون هناك مائة عضو أساسى وأربعون احتياطيا. وبالتالى لو بلغت الاعتذارات والاستقالات الرقم 41 فيما أكثر، فهذا سيستدعى بالضرورة الحاجة إلى العودة إلى الاجتماع المشترك لاستكمال النقص بما سيتيح لنا تضمين الأسماء التى تعبر عن المؤسسات الغائبة وبما يتيح زيادة عدد النساء والأخوة المسيحيين. هذه محاولة لعلاج المشكلة حتى لو جزئيا بما لا يعطل الجمعية عن القيام بمهامها وفقا لإرادة الناخبين الذين أعطوا لها الشرعية فى الاستفتاء الماضى. إن أى جهد يبذل الآن لرأب الصدع وتجسير الفجوة سيكون أفضل كثيرا من المعارك السياسية التى قد نضطر لخوضها من الآن وحتى الاستفتاء على الدستور وربما بعدها.