هكذا كان عنوان مقال أمين إسكندر فى جريدة الكرامة ليرد على العدد الـ85 لمقالة أبو العلا ماضى التى حاول فيها أبو العلا ماضى حصر تعداد الأقباط على أنهم عدد قليل بدلا من التطرق لمصادر تهميش الأقباط، كان أيضا هدف مقالة أمين إسكندر الاعتراض على حوار طارق البشرى المنشور فى الجريدة وانتقاده للبابا شنودة الثالث؛ فى كيف تعامل البابا مع قضية الأقباط مع النظام. هكذا أعلن أمين إسكندر أنه لا سبيل سوى الإعلان عن غضبه، فكلما حاول البعض إثارة القضية القبطية والتمييز ضدهم وأدَّعوا أنهم يتضامنون مع الأقباط ويحسون بمشاكلهم، كلما زادوا الطينة بلة.
نفس الشىء يحدث اليوم مع سعاد ثابت، فكلما قال أحد إنه لابد ألا نقول إن مسيحية تعرت، بل نقول مصرية، كأنهم يتضامنون معها ويقولون «كلنا مسيحيون وآلام المسيحيين آلامنا كلنا»، ينكرون البُعد الدينى للقضية. نرى ذلك فى كل من يحاول التنديد بالواقعة المؤسفة دون وصفها الصحيح «تعرية». ونرى من ينكر التعرية تماما فى كل من محافظ المنيا وصولا للشرطة التى قامت بتقطيع محضر سعاد ثابت كما قال الأنبا مكاريوس مطران المنيا وأبو قرقاص.
***
فبدلا من الإعلان عن غضبنا نرى قداسة البابا تواضروس الثانى يدعو لضبط النفس وقطع الطريق على من يريدون استغلال الحدث، ولا شك أن هذا تطور طبيعى لاستبطان كل أكاذيب النظام التى تعوِّل على القبض على المتظاهرين من أجل الأرض على أنهم من جماعة الإخوان، أو استبطان خطاب الحكومة التى ترى فى كل خطأ ترتكبه محاولة للتنكيل بها والاستغلال.
شتان الفرق بين البابا شنودة الثالث الذى كان له طريقته فى الإعلان عن غضبه فى ذهابه لدير وادى النطرون وعقده مؤتمرات صحفية. كما نرى أن الاحتفاء ببرلمان به نسبة عالية بالأقباط كان بكل صراحة احتفالًا ساذجًا غرضه توظيف الأقباط واستغلالهم للعالم الغربى بأن بعد عصر الإخوان صار هناك تسامح ومحبة وغيره؛ فى حين أن نفس معاملة الاعتداء على الكاتدرائية فى المرقسية أثناء مرسى موجود فى حادثة تعرية سيدة مسيحية فى عصر السيسى (وهل لنا أصلا أن نتخيل كيف كان سيكون تعامل جموع الإعلاميين إذا كانت مثل هذه الحادثة فى عصر الإخوان؟)
بل على العكس، كيف يكون مطلوبا من الأقباط ضبط النفس فى مقابل ظهور تنسيق واضح للدولة لكنس الأمر، فى سرعة انعقاد اجتماع لبيت العائلة ومهاتفة الأنبا مكاريوس بضرورة حضوره الاجتماع، وفى شجاعته فى رفضه التوجيه بالحضور وظهور عمدة بلد الكرم، القرية التى تم فيها تعرية سعاد ثابت، الذى لام المسيحيين فى عدم قبولهم التصالح وأنكر مجددا تعرية سعاد ثابت. بل وصل الأمر إلى التهديد صراحةً فى قول العمدة عن عدم قبول المسيحيين المصالحة «لو حصل شىء أحملك المسؤلية» فرد الأنبا مكاريوس وقال «لو حدث شىء فعمدة القرية المتهم الأول».
ووصل الأمر لتهديد الأنبا مكاريوس من النائب لواء صلاح مخيمر معلقا عن رفصه حضور اجتماعات تصالح: «ده كلام كبير مش صغير، وإحنا مش عاوزين نصعد الأمور»، وهو يشير لتنسيق من الدولة واضح وتطابق لأقوال نائب عضو المكتب السياسى لائتلاف دعم مصر ربيع أبولطيعة الذى قال «إن الجلسات العرفية قد تسهم فى تهدئة الأجواء بين المواطنين بالقرية».
***
وهذا الاتجاه لاحتواء هذه الحوادث معروف، فإذا كان هناك رفض للمصالحة فتتحول القضية من مسيحيين ضحايا لقضايا «سكان القرية» وتصبح مواجهة بين مسيحيين ومسلمين لكى تتدخل الدولة وتقدِّم «كل العناصر المشاغبة» للمحاكمة ومعهم مسيحيون متهمون. وطبعا مثل حوادث الكشح وأبوقرقاص وحوادث كثيرة مشابهة تتقاعس النيابة عن تقديم أدلة فيحكم القاضى أحيانا بالبراءة أو ترضيةً لاتجاه الدولة الذى يسعى لاإحتواء، لا العدالة، فيصدر حكم مغلوط بالإدانة وطبعا تمارس محكمة النقض دورها الصحيح فى نقض الحكم وإعادته لمحكمة الجنايات.
أما بخصوص هيبة الدولة وضرورة «تهدئة» الأمور، فلنا عبرة فى حادثة كنيسة القديسين عشية رأس سنة 2010. قليلون يتذكرون هذه الحادثة وكواليسها التى كشف عنها الأنبا أرميا مؤخرا فى حوار مهم مع اليوم السابع الذى أكد ما كنا نعلمه من قبل. أن تعامل الدولة مع هذه الحادثة كان نوعا من اللاتعامل، حيث كل ما حدث بدلا من التحقيق وكشف الجناه أنه تم إنشاء «بيت العائلة»، فإذا كانت نشأة هذه المؤسسة كانت فى ظل حادثة اعتداء غامضة حتى اليوم لم تقدِّم الدولة الجناة للعدالة، وطعنت الكنيسة على حفظ التحقيق فيها، فليس أمامنا سوى اعتبار بيت العائلة على أنه آلية طمس الحقائق و«تهدئة» الأمور فى ظل جمود وسكون الدولة.
فإذا كان رجال الأعمال السعوديون يصدر لهم قرار بمعاملتهم معاملة المواطنين المصريين فى تملك الأراضى الصحراوية ومعاملتهم أسوة بالمصريين، هل بدلا من كل «التهدئة» والتضامن والاستنكار ننتظر قرار بمعاملة الأقباط أسوة ببقية المصريين دون تمييز؟ أم تتلخص إدارة الملف القبطى بالمظاهر فقط والاجتماعات والمعايدات والزيارات فى الأعياد؟
هناك من تعرَّى طواعية ليحصل على الأموال ــ وفى نفس الصدد هناك تمثال فى وسط البلد تمت تغطيته أيضا للحصول على الأموال ــ وهناك من تمت تعريته ليحصل على أموال أمريكا عندما رقصت سهير زكى فى قصر عابدين فى حضرة السادات وريتشارد نيسكون. أما سيدة المنيا، سعاد ثابت، فتم تعريتها لأن لا حول ولا قوة لها ولأن مسيحيى الصعيد هدف سهل. وعلى قدر من هناك انتفض لهذه حادثة التعرية على أنها حادثة محدودة ومشينة ولن تتكرر، فالتباس هذا الرأى واضح فى أنه يطمس مَن تمت تعريتها فى 18 ديسمبر من 2011 خلال مظاهرات أحداث مجلس الوزراء دون محاسبة: «ست البنات».
طالب دراسات الشرق الأوسط فى جامعة كولومبيا