لم يكن تهديد خيرت الشاطر الرجل القوى فى جماعة الإخوان للفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع فى اللقاء الذى جمعهما قبيل اندلاع الموجة الثانية للثورة بخمسة أيام، يهدف إلى الضغط على الجيش حتى يستمر محمد مرسى فى منصبه رئيسا للجمهورية.
رجل الأعمال «الشاطر» كان يدرك وهو فى طريقه إلى هذا الاجتماع أن اللعبة انتهت، مرسى راحل لا محالة.. بقاء الجماعة والحفاظ على التنظيم هو هدف المناورات والمعارك التى خاضها الإخوان فى مرحلة ما بعد مرسى.
الإخوان يتعبدون إلى الله بوجودهم داخل التنظيم.. فالتنظيم هو جوهر الفكرة الإخوانية، وفى سبيله تبذل عناصر الجماعة «المال والجهد والدم»، وما دونه تفاصيل حتى لو كان حكم مصر.
حجم الغضب كان أكبر مما توقعته «الإخوان»، التقارير التى جمعتها مكاتب الجماعة الإدارية بالمحافظات وجيوبها فى المصالح الحكومية والوزارات وكانت ترفع مباشرة إلى الشاطر أكدت أن كرة الثلج أكبر من أن يوقفها قرار بإقالة رئيس الحكومة أو عزل نائبهم العام، بيان الجيش كان كاشفا، مخاوف قادة القوات المسلحة من تغيير هوية الدولة المصرية هى نفس مخاوف الشارع المنتفض ضد التنظيم الحديدى.
السيسى كشف فى حواره الشهير مع الزميل ياسر رزق بـ«المصرى اليوم» فى أكتوبر 2013 عن تفاصيل اللقاء الذى استمر 45 دقيقة وقال: أخذ الشاطر يشير بإصبعه وكأنه يطلق زناد بندقية، وقال لى «إذا ترك الرئيس منصبه، فستنطلق هذه الجماعات لتضرب وتقتل، وإن أحدا لن يقدر على أن يسيطر عليها».
كلام الشاطر استفز السيسى فانفجر فيه قائلا: «إنتم عايزين إيه، إنتم خربتم البلد، وأسأتم للدين.. إنتم عايزين يا تحكمونا يا تموتونا؟».
لم يدرك وزير الدفاع حينها أن الشاطر كان يناور ويجس النبض ليعرف مدى قبول الجيش باستمرار التنظيم بعد تجربة الحكم الفاشلة، «المعركة معركة بقاء، ومستعدون للشهادة فى سبيل الفكرة»، قالها كادر إخوانى فى جلسة خاصة بعد شهور من عزل مرسى.
إذن الجماعة طوت صفحة مرسى منذ أن أعلن الجيش بيانه الأول، واعتمدت استراتيجية إنهاك الدولة وإدخالها فى دوامة العنف للحفاظ على التنظيم، فى المقابل اعتمدت الدولة استراتيجية رد الفعل، ولم يظهر من خطواتها حتى هذه اللحظة ما يشير إلى وجود خطة أو مشروع لتفكيك الجماعة.
عندما تصاعد الخلاف بين نظام ثورة 23 يوليو وجماعة الإخوان عام 1954 لم يعتمد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على عصا الأمن فقط ليضرب جذور التنظيم الإخوانى.. قدم عبدالناصر مشروعا متكاملا انحاز فيه للفقراء وفتح الباب أمام الترقى الاجتماعى، فدعم الطبقة الوسطى حتى صارت رصيدا لنظامه، فتمكن من حصار الجماعة وقطع عنها المدد الشعبى، حتى كادت أن تنتهى.. ولولا لعب الرئيس «المؤمن» محمد أنور السادات بنار الإسلاميين لضرب التيارات الناصرية واليسارية لظلت الجماعة سطرا فى كتاب تاريخ مصر المعاصر.
فى نهاية عهد السادات بدأت الدولة فى عملية الانسحاب الكبير، وتحللت شيئا فشيئا من أدوارها المجتمعية، فاستغلت الجماعة ذلك وتمددت فى كل فراغ تسبب فيه نظام السادات، وسلفه مبارك، حتى تمكنت فى لحظة فارقة من القفز على السلطة.
خاف الشعب على هويته وانتفض، وقرر إسقاط حكم الإخوان، استدعى نموذج عبدالناصر ورفع صوره فى المظاهرات التى زحفت إلى ميادين التحرير، مشروع عبدالناصر أسقط حكم الجماعة.
لم يستوعب نظام 30 يونيو الدرس، تمسك بسياسات مبارك والسادات اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، فأعطى الفرصة لأن يلملم التنظيم نفسه مرة أخرى، ويستغل الثغرات وكلها سنوات وسيعود، ما لم يتم تدارك تلك الخطايا.
محمد سعد عبدالحفيظ
Saadlib75@gmail.com