تحدد الموعد أخيرا للقاء أحد رجال الأعمال. ذهب الصحفى وفى مفكرته أسئلة وضعها بعد بحث دام أسابيع عن هذا القطاع الصناعى المهم. كانت الأسئلة تدور عن أحوال شركات المجموعة الاقتصادية التى يرأسها الرجل فى عام الأزمة الاقتصادية العالمية.
وعندما سمع الرجل الأسئلة بدا عليه الحرج واعتذر بلباقة عن الحوار: «كنت أظنك ستسألنى عن حال الاقتصاد المصرى عموما أو عن الجائزة التى حصلت عليها مؤخرا». وأكمل: «أنا لا أستطيع الحديث عن أعمال المجموعة، فوضعى حساس كما تعلم». فهم الصحفى الإشارة، ولم يجد فيها ما يمنع من الحديث عن أحوال الشركة. إلا أنه رحل على كل حال بلا إجابات.
باختصار الرجل هو أحد أقارب وزير من الوزراء.
على موقع المجموعة على الانترنت لا توجد كلمة واحدة عن تطور حجم أعمالها، ولا أرباحها، ولا توسعاتها، ولا ديونها. بل ولم تصدر المجموعة أى بيان صحفى منذ عامين. وبالمثل، فإن البحث على موقع إحدى الشركات العالمية المالكة لحصة من مجموعة صاحبنا لم يقدم عنها أى معلومات. رغم أن الموقع ممتلئ بأخبار نتائج الأعمال والمنتجات الجديدة وميزانيات الشركات التابعة لها فى مناطق أخرى من العالم.
وكما هو الحال على موقع المجموعة المصرية، لم تنشر الشركة العالمية على موقعها منذ 2007 (أيضا) أى بيانات صحفية عن مجموعتنا. باختصار ولا معلومة مفيدة لعمل «بروفايل» عن الشركة، وهو أحد القوالب الأساسية للصحافة الاقتصادية. ورغم هذا الغموض، إلا أن ما فعله رئيس تلك المجموعة الاقتصادية سليم تماما من الناحية القانونية. بل وهذا الغموض نفسه قانونى مائة بالمائة.
فالشركات غير المدرجة بالبورصة ليس عليها أى التزام بالإفصاح عن نتائج أعمالها أو الصفقات التى تعقدها. ولكن كعادة البحث على الإنترنت، دائما فيه ما يفيد. فموقع الشركة العالمية عابرة الجنسيات يمنح إلهاما بأسئلة مثيرة للنقاش.
فلماذا لا يلزم مثلا القانون أصحاب المجموعات الاقتصادية من أقارب المسئولين بطرح شركاتهم فى البورصة؟ فحجم المعلومات والتفاصيل عن تلك الشركة العالمية هائل على موقع أسواق مال نيويورك ولندن. فالشركات المدرجة فى البورصات ملزمة قانونا بتقديم تفاصيل أخبارها فور حدوثها. كما أنها تقدم بيانات بأعمالها وأرقام عن أدائها كل ثلاثة أشهر.
وتنشر كل تلك المعلومات على موقع البورصة على الإنترنت لتكون متاحة لكل من يرغب فى الاضطلاع عليها. كما أن مراحل التفاوض حول شراء شركة لشركة أخرى أو جزء منها أو بعض أصولها تكون منشورة على ذات الموقع، وبالطبع قيمة الصفقة إذا تمت. هذا هو ما يعرف بسياسات الإفصاح والشفافية. ولكن ماذا عن البورصة المصرية؟
تنطبق نفس الشروط تقريبا فى مصر. ولكن التفاصيل التى يلزم بها القانون الشركات، فى الإفصاح عن أدائها، أقل كثيرا من الأسواق المالية الكبرى. فمثلا إذا أردت أن تعرف عن تفاصيل أرباح أحمد عز، وكم ربح من التصدير مقابل أرباحه من السوق الداخلية، فلن تجد ذلك على موقع البورصة المصرية، لأن بيان نتائج الأعمال الذى ترسله شركات مجموعة عز إلى البورصة لا يحتوى إلا على أرقام إجمالية. ولكن إذا رغبت فى معرفة المزيد، فما عليك إلا أن تكتب اسم الشركة على موقع بورصة لندن، حيث يدرج أسهمه أيضا.
فشركة عز الدخيلة تصدر نوعين من البيانات. أحدهما إلى البورصة المصرية والآخر إلى بورصة لندن كل على قدر ما يطلب من إفصاح. وقد يقول قائل إن القدر القليل من الإفصاح يظل أحسن من مافيش. فلولاه لما عرفنا حجم أرباحه وتطور أعماله. فمما لا شك فيه أن تلك المعلومات تسهل على منافسيه وعلى المهتمين بالشأن الاقتصادى بل والسياسى تتبع أخباره. إلا أن الأفضل هو طرح سؤال آخر.
لماذا لا يتم تعديل قواعد الإفصاح فى مصر، لتكون شبيهة بتلك الموجودة فى البورصات المتقدمة؟ وبالعودة إلى شركات أقارب الوزراء والمسئولين، فنجد أن القليل منها جدا ما هو مدرج فى البورصة. ولكن لا تجعل الشك يقفز إلى صدرك.
فهنا تجب الإشارة إلى أن معظم المجموعات الاقتصادية فى مصر إنما هى شركات عائلية، وتفضل العائلات ألا يدخل شركاء غرباء بينهم فى شركاتهم. وهو ما يجعلهم يعزفون عن طرح ولو نسبة صغيرة من أسهم تلك الشركات فى البورصة، رغم ما يمكن أن يوفره لهم ذلك من سيولة ومزايا تمويلية أخرى.
وحتى عندما افتتحت بورصة النيل منذ عامين والتى تستهدف خصيصا الشركات العائلية، وتتيح لهم قدرا أقل من الإفصاح مقارنة بالبورصة المصرية، لم تتقدم للتسجيل بها سوى شركتين حتى الآن.
ويقول ماجد شوقى رئيس البورصة المصرية إنه يتوقع أن يظل لسنوات طويلة «حاملا حقيبة أوراقه، يدور على الشركات» ليحاول إقناعها بطرح جزء من أسهمها. فالدفء العائلى مقدم عندنا فيما يبدو على الحصول على التمويل.
ولكن قد تصبح تلك الرغبة فى الدفء العائلى غير مقبولة فى حالة عائلات المسئولين. فعلى سبيل المثال، عندما تضم إحدى تلك المجموعات عددا كبيرا من الفنادق إلى إدارتها خلال سنوات قليلة، فنحن قد نلحظ ذلك من اسم الفندق الذى يتغير ليحمل اسم المدير أو المالك الجديد، ولكننا لا نعلم ثمن الصفقة ولا شروطها. ويكون الوضع أسوأ فى حالة المصانع وشركات العقارات أو غيرها، حيث عادة ما تحتفظ الشركة ومنتجاتها بنفس أسمائها القديمة.
وليس فى القوانين المصرية ما يمنع ذلك. ويزداد الأمر غموضا بسبب أن قوانين الشركات فى مصر لا تلزم الشركات العائلية بأن يضم مجلس الإدارة أعضاء مستقلين، كما يرصد تقرير الفساد فى العالم الصادر فى 23 سبتمبر الماضى. وهو وضع يحذر منه التقرير الذى يوضح أهمية وجود عضو مستقل فى مجلس الإدارة لتفعيل الرقابة على قرارات المجلس، خاصة فى الشركات العائلية. ولا تسأل عن إمكانية تغيير قانون الشركات لسد هذا العيب.
فالتقرير نفسه يؤكد وقوع دوائر الحكم رهينة لمصالح القطاع الخاص كظاهرة متنامية فى العالم كله، وهو وضع يجعل من الصعب أن تتحول الأسئلة السابقة إلى نقاش عام، يفضى إلى تعديلات للقوانين. ولا عزاء لزميلنا الصحفى، فسوف تبقى أسئلته ــ إلى أجل غير مسمى ــ بلا إجابات.