أولا: الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر هو فى «ظنى» قرار إدارى يتضمن فصل المستشار عبدالمجيد محمود من منصب النائب العام، وعنون هذا القرار الإدارى بأنه إعلان دستورى، ليصير أعلى من سلطة القانون ليحصن وظيفة النائب العام ويعصم شاغلها من الفصل، وهو فى هذا تجاوز أولى سمات القاعدة القانونية، وهى أن تكون نصا عاما متجردا، يطبق على الناس بأوصافهم الموضوعية، وليس بذواتهم الشخصية.
والفقه والقانون والقضاء مستقرون جميعا على أن القاعدة القانونية تفقد صفتها الشرعية وتعتبر منعدمة إذا قصد بها فقط حالة مخصوصة معينة، أو شخصا بذاته، فما بالك أن تكون نصا دستوريا، وهو أعلى درجات السمو، والمفروض أن يبلغ أعلى درجات التجرد والنزاهة؟
ثانيا: بناء على هذا الإعلان الدستورى ومعه فى ذات اليوم قرار تعيين نائب عام جديد، وكشف هذا القرار عن الصفة الشخصية الذاتية للإعلان الدستورى، بإخلائه منصب النائب العام ليشغله المستشار طلعت عبدالله، وبذلك توافرت الخصائص الذاتية المبطلة لكلا القرارين فى ذات الوقت.
ثالثا: أن هذا يجعل النص الدستورى الوارد بالمادة 173 من الدستور الجديد محل نظر، باعتبار أنه تضمن فى فقرته الأخيرة ذات القاعدة والحكم الذى كان صدر به الإعلان الدستورى الباطل فى 21 نوفمبر، وأفشى بذلك عن أنه إذا كان مقصودا به استمرار العمل بالإعلان الدستورى المنعدم، سيكون ذلك تفسيرا له يفقده صفة العمومية والتجريد اللازمتين لصحة أى نص تشريعى.
ولذلك فنحن مضطرون ومجبرون على صرف نص هذه المادة 173 (الذى يقضى بأن النائب العام يقضى فى منصبه 4 سنوات فقط) عن قصد تطبيقه على المدد السابقة لصدور الدستور الجديد، لأنه إذا كان مقصودا به حساب السنوات السابقة على صدور الدستور، يكون قد فقد الصفة العمومية والتجريد، ويلحقه ما يلحق الإعلان الدستورى من بطلان.
ولذلك فإن ما يعصم هذا النص من الذاتية ويبقيه نصا عاما مجردا هو أن ينطبق على المدد اللاحقة عليه بعد صدور الدستور الجديد.
نحن بين تفسيرين للنص، أحدهما يصمه بالشخصنة وافتقاد العمومية والتجريد، والآخر يبقيه سليما مجردا، ونحن ملزمون فقها وقضاء وتشريعا بأن نفهمه بالصورة الثانية.
رابعا: أن أسباب الحكم الصادر من محكمة الاستئناف قد تضمنت التعرض للإعلان الدستورى سابق الذكر، وانتهت إلى عدم شرعيته، وأنه لا يرقى لمرتبة النصوص الدستورية، ثم تعرضت للنائب العام الجديد، وهى بإعلانها فى حيثيات الحكم أن الإعلان الدستورى المذكور فاقد للشرعية، تكون قد قررت إبقاء المستشار عبدالمجيد محمود شاغلا له.
ثم عرجت بعد ذلك إلى قرار تعيين النائب العام الجديد، ووصفته بعدم المشروعية، ومقتضى ذلك أن المنصب ليس شاغرا، بل هو مشغول بمن كان فيه، ثم إن قرار تعيين النائب العام الجديد لم يستوف عناصر تكوينه لعدم أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى بشأنه.
خامسا: أن سياق الحكم بإلغاء تعيين المستشار طلعت عبدالله، واعتباره كان لم يكن، قد ورد به «مع ما يترتب عليه من آثار» وهذه العبارة فى سياق أسباب الحكم تفيد أن منصب النائب العام لايزال مشغولا بشاغله الأصلى المستشار عبدالمجيد محمود، وأن الحكم اعتبر ذلك أثرا من آثار منطوقه، بمعنى أنه مقتضى الحكم الذى لا ينفك عن منطوقه الصريح.
والمقتضى فى مناهج القانون والعقل هو ما لا يستقيم الكلام إلا بتقدير وجوده، مثل قول الله تعالى «حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم» ومقتضى هذا النص أن التحريم يتعلق بالزواج بهن، رغم عدم وجود الزواج فى النص، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه»، ومقتضى ذلك أن رفع إثم الخطأ، رغم عدم وجود نص «الإثم» فى الخطاب.
ونحن نعرف أن مقتضى الحكم الذى لا يفهم الحكم إلا به يكون كما لو كان موجودا فى الحكم ذاته صراحة، ومقتضى منطوق الحكم الصادر من المحكمة بشأن النائب العام، هو بقاء المستشار عبدالمجيد محمود نائبا عاما، وانعدام خروجه من وظيفته، وهو معنى لا ينفصل عن منطوق الحكم قطعا وعقلا.
إن منطوق الحكم مقتضى نصه يفيد صراحة بالأسباب المشار إليها فى الحكم ذاته، ومقتضاه المنطقى والمنهجى، أن المستشار عبدالمجيد محمود هو الآن النائب العام.
سادسا: فى ظنى أن اختصاص محكمة الاستئناف بنظر طعون رجال القضاء والنيابة الخاصة بالقرارات التى تمسهم والوارد بالمواد 83، 84، و85 من قانون السلطة القضائية المعدل عام 2006، هو اختصاص يتعلق بالقضاء الإدارى، أسند إلى محكمة الاستئناف ومحكمة النقض لتعلقه برجال القضاء والنيابة، ولكن ذلك لا يؤثر فى طبيعة هذا الاختصاص، وأنه اختصاص يتعلق بالقضاء الإدارى.
ومن ثم يكون القانون العام الذى تطبقه المحكمتان فى نظر هذه الدعاوى هو القانون المنظم للقضاء الإدارى، من حيث الإجراءات وطبيعة الأحكام وطرق الطعن فيه، ومن ثم فإن هذا يميل بى إلى ترجيح أن حكم الاستئناف نافذ بذاته كشأن أحكام القضاء الإدارى، إلا أن توقف تنفيذه محكمة النقض عند نظر الطعن فيه، وتمارس محكمة النقض فى هذا الشأن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعون موضوعيا.