البيئة المصرية صارت خصبة أكثر من أى وقت مضى لتثمر فيها بذور الشائعات أشجارا من فتنة وإرجاف وارفة الظلال؛ وأعتقد لو استمر بنا الحال على نفس الوتيرة فلن يحتاج أعداؤنا يوما أن يبذلوا مجهودا كبيرا لزعزعة استقرارنا بحرب نفسية فنحن قد مهدنا لهم الطريق بأيادينا إعلاما وجمهورا، لاسيما وبين ظهرانينا جيل كامل شبَّ على استسهال نقل أى خبر أو معلومة تقع تحت يديه دون تفكر فى حال من نقلها عنه أو دون حتى تأمل فى معقوليتها من عدمه، جيل لم يعرف أنه «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد».
هل الأصل أن يسارع الصحفى بنقل الخبر أيا كان مصدره وليهرول بعدها المتضرر ملتاعا يحاول عبثا أن ينفى الخبر أو يصححه ولتنقلب الدنيا رأسا على عقب من جراء إشاعة كاذبة، أم أن الأصل فى الصحفى المحترم هو التثبت أولا من الأخبار المرسلة وتجنب النقل عن المجاهيل عملا بقوله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»؟
أنا هنا لا أتحدث عن كم الأخطاء النحوية أو مستوى الركاكة فى الصياغة أو حتى عن الالتزام بقواعد الإملاء البسيطة ــ كمن يكتب يتثنى بدلا من يتسنى، ونقض بدلا من نقد وغيرها ــ أو العناوين المبتذلة والخادشة للحياء أحيانا كثيرة.. لا أتحدث عن هذا كله، إنما أنا فقط أستنكر أن يصل الإفلاس عند الصحفى والاستهتار عند رؤسائه إلى حد اختلاق الأخبار ثم التعليق على الخبر المختلق بعد ذلك بمنتهى الأريحية!
الأمر قديم وكتب عنه سواى كثيرون، وأشرت إلى طرف منه قبل ذلك، لكن هيج علىّ مشاعرى خلال اليومين الماضيين تبارى مواقع إلكترونية من ذوات الوزن الإخبارى المعتبر أحدها إسلامى الهوى فى نقل مقولة مزعومة من حساب تويترى زائف ينسبه من زوره إلى د. محمود غزلان عضو مكتب إرشاد الإخوان المسلمين.
لم أتردد للحظة وأنا أقرأ المقولة المزعومة فى خطأ نسبتها للرجل لاعتبارات منطقية أشك فى عقل ونية من يُغفلها، أولها فقدان الاتساق بينها وبين عامة كلامه السابق، ونكارة متن المقولة نفسها فهى تبدو أقرب إلى المُزحة الثقيلة منها إلى كلام جد لا هزل فيه، وأخيرا وهو المهم أن بحثا بسيطا على تويتر سيمكن الباحث عن الحقيقية من إدراك الفارق بين حساب د. غزلان الحقيقى والآخر الملفق.
تذكرت من فورى أمثال هذه الفخاخ القاتلة التى مثلت ولاتزال أسبابا مباشرة لإشعال حرائق الفتنة، وكان منها ما نُسب إلى الناشط السياسى جورج إسحق من أن الثلاثين من يونيو سيكون نهاية للإسلام أيضا من خلال حساب تويترى زائف سارع نفس الموقع الإخبارى إلى نشره دون تثبت، ورغم عدم معقولية الخبر ــ هذا عند أصحاب العقول غير المتشنجين ــ إلا أن الرجل تواصل معهم ونفى الأمر برمته، ومع ذلك يُصر كثير من أبناء التيار الإسلامى سواء داخل القطر المصرى أو خارجه على تناقل المعلومة كدليل مسلم به لا يقبل النقاش على طبيعة أهداف الثلاثين من يونيو.
والأدهى أنك تصدق هذا الخبر أو تلك الإشاعة عن خصومك بدون تثبت لأنك فقط تريد أن تصدقها؛ تنسى أى حسنة وتضخم أى سيئة؛ ترد الحق إن أتى من طريق خصومك؛ وترحب بالباطل وتسوق له إن أتى من طريق أحبابك.. لا تقلق لست أتهمك وحدك بل أنا وبيتى ومدينتى ومصر كلها معك.. إلا ما رحم ربى!