الدساتير تتضمن الكثير من الحقوق للمواطنين بعضها يصنف على أنه حقوق سلبية أى أنها أقرب إلى قيود على الدولة لا تستطيع المساس بها مثل الحق فى التعبير والحق فى اختيار العقيدة والحق فى التجمع وحرية الصحافة وحرية التنقل وحق الملكية الخاصة، وعادة هذه هى فئة القوانين المسماة بالحقوق المدنية والسياسية.
وهناك كذلك حقوق إيجابية وهى التى تنص الدساتير على توفيرها للمواطنين. فإذا كان جوهر «الحق السلبى» هو الامتناع عن انتهاكه، فإن جوهر «الحق الإيجابى» هو الالتزام بالوفاء به. وعادة هذه هى فئة الحقوق المسماة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية مثل الحق فى العمل والتعليم والصفحة والتأمينات الاجتماعية والبيئة النظيفة.
وطبعا هذه الحقوق إما ترد مطلقة أو مقيدة فى الدستور ذاته؛ فمثلا دستور الاستقلال فى جمهورية التشيك (1992) ينص على جواز تقييد حرية التصرف فى الملكية الخاصة «لمنع الإضرار بصحة الإنسان وبالطبيعة والبيئة»، والدستور الروسى (1993) ينص على واجب ممارسة حقوق الملكية بما لا يضر بالبيئة وبحقوق الآخرين. وينص الدستور الكرواتى (1991) على حرية التعبير إلا فيما «يدعو إلى الحرب أو العنف أو الكراهية على أساس الجنسية أو الجنس أو الدين أو نوع من عدم التسامح المحظور.»
وتتجه معظم الدساتير الحديثة لأن تكون أكثر اسهابا وتفصيلا فى الحقوق والحريات مما كان عليه الأمر فى الدساتير الكلاسيكية وتورد القيود عليها فى متن الدستور أو توضع قيود على المشرع فيما يتعلق بقدرته على تقييد الحقوق المنصوص عليها دستوريا. فمثلا دستور كولومبيا (1991) يتضمن 23 حقا إيجابيا و53 حقا سلبيا بتفصيلات واضحة، وكان دستور تشيلى (1980) هو الأقرب إلى صيغة دستور 1971 فى مصر حيث هناك 42 حقا سلبيا، و7 حقوق إيجابية ولكن متروكة تفصيلاتها للمشرع كى ينظمها بما لا يتناقض مع أو ينال من الحق الأصلى كما هو موجود فى الدستور.
دستورنا القادم لا بد أن يتضمن كلاما مباشرا عن التزامات الدولة فيما يتعلق بحماية البيئة، وبحقوق المصريين المقيمين فى الخارج، وحماية الآثار، ودور المجتمع المدنى، وحقوق الأطفال والوالدين لاسيما أمام ظاهرة الانجاب المبالغ فيها بدون تربية أو تعليم كافيين، وكذلك إنشاء وتفعيل ديوان المظالم (أو ما يعرف فى بالأمبودسمان).
ولا بد كذلك من النص فى دستورنا القادم على معنى محدد للعبارات الثلاث الشهيرة الواردة فى الدستور التى تأتى فى أعقاب مواد الحقوق السلبية وهى: «وفقا للقانون،» و«فى حدود القانون» و«على الوجه المبين بالقانون». فهناك أكثر من 30 حقا سلبيا مقيدة بالعبارات السابقة مثل المادة 50 التى تعطى للمواطن المصرى حقا سلبيا بعدم تقييد حريته فى التنقل أو فى الإقامة فى مكان معين «إلا فى الأحوال المبينة فى القانون» وتنص المادة 55 على حق المواطن فى تكوين جمعيات «على الوجه المبين فى القانون».
هذه العبارات الثلاث تعطى المشرع الحق فى أن يحول «الحق» المنصوص عليه فى الدستور إلى «رخصة» مشروطة بقرار من الرئيس ومجلس الشعب على اعتبار أنهما كانا مسئولين عن صياغة القوانين التى تقيد الحقوق.
إذن لا بد من أن نكون واعين بأن هذه من المزالق التى تعطى الحق من ناحية وتقيده بدعوى تنظيمه من ناحية أخرى، ويكون ذلك بأن يضع الدستور معايير محددة يلتزم بها المشرع عند تنظيمه لأى حق من الحقوق.
بس خلاص...