مخاطر الليبرالية العلمانية - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مخاطر الليبرالية العلمانية

نشر فى : الخميس 7 أبريل 2011 - 9:25 ص | آخر تحديث : الخميس 7 أبريل 2011 - 9:25 ص

 لابد من تَفهُّم «الخلطة الفكرية» التى يقدمها كل صاحب فكر لأن المشهد الثالث من الفيلم بدون استيعاب بقية المشاهد قد يكون مضللا. حين تحدث جون ستيورت ميل، وتوماس جرين، وجون رولز عن الليبرالية (بمعنى التحرر) كان فى ذهنهم الليبرالية فى مجتمعات الغرب التى كانت تعانى طويلا من استبداد رأسمالى ظالم، وحكم ديمقراطى يعطى الأغلبية الحق المطلق فى الافتئات على الأقلية سواء الدينية أو العرقية أو النساء.

هذه خلطة أفادت الغرب جيدا وجعلته يتجنب المصير المأساوى الذى تنبأ به كارل ماركس من أن الرأسمالية ستنهار تحت ضربات الثائرين من العمال والمقهورين فى المجتمعات الرأسمالية. إذن تحولت الليبرالية فى الغرب إلى إطار مرجعى للأمة وأتى معها مفهوم الفردية وانفلات فى الحريات الشخصية (هذا ما يعنى الليبرالية «أى التحرر» الأخلاقية) التى يمكن أن تفضى إلى خروج واضح عن تعاليم الدين. مصر ليست دولة غربية تشيع فيها الفاحشة تحت اسم الحرية الشخصية، ويتحول معها الزنا مثلا إلى صداقة يقبلها المجتمع ويحميها القانون وتصبح القاعدة الأخلاقية الاستثناء فى الممارسة، وننتهى إلى وضع أشبه بمن ذمهم الله لأنهم «كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ». هذه الليبرالية بشقها السياسى والاقتصادى والأخلاقى كإطار مرجعى للغرب أتت مُجرّدة (وأحيانا معادية) للدين ومعلية لقيم العَلمانية.

ولكن «الليبرالية السياسية» مفيدة كجزء من خلطة حضارية على قاعدة الإطار المرجعى الإسلامى باعتباره الإطار المرجعى للجميع يحترم الدين بمكوناته الستة: عقائده، وشعائره، وأخلاقياته، وسلوكياته، وشريعته، وعقوباته. مجتمعنا اختار أن يكون الإسلام هو الإطار الحضارى الجامع مثلما جاء على لسان واحد من أكثر مسيحيى مصر وطنية مكرم عبيد باشا الذى قال: «نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين».

إذن ما هى الليبرالية فى ظل احترام المرجعية الحضارية الإسلامية ؟ لنستخدم منهج كارل ماركس فى تعريف المصطلحات حين قال: الدولة هى ما تفعله. إذن الليبرالية هى ما تفعله.

الليبرالية، كما الديمقراطية، لن تأتى بأصل لم يكن موجودا فى الإسلام وإنما هى تأتى كعلاج لمرض أصاب المسلمين. ولنفترض أن بعضا من المسلمين أصيبوا بمرض ما، سيأخذون علاجا له. إذن المرض ليس فى الإسلام، وإنما فى ما عَرض للمسلمين من زلل، وأصابهم من علل.

إذن الليبرالية السياسية فى إطار المرجعية الإسلامية مقبولة كعلاج وليست كبديل؛ لكن الليبرالية فى ثوبها العلمانى تفتقر إلى الصحة والصلاحية. وللحديث بقية.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات