أزمة منتصف الطريق - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 5:34 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة منتصف الطريق

نشر فى : الأربعاء 7 مايو 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 مايو 2014 - 8:00 ص

على أبواب الاتحادية تنتظر الرئيس القادم أزمة منتصف الطريق.

لم يكن المضى على هذا الطريق بديلا بين بدائل أخرى، فالصراع على طبيعة الدولة ومستقبلها وصل ذروته والقنوات السياسية سدت بالكامل والرئاسة تنكرت للوسائل الديمقراطية التى صعدت بها والجماعة التى ينتسب إليها راهنت أن تحصد كل شيء وأفضى رهانها إلى انتحار تاريخى.

فى نذر الاحتراب الأهلى واحتمالات الفوضى الضاربة ضاقت الخيارات وبدا الصدام محتما بين طريقين، انتصر أحدهما وخسر الآخر.

لم يكن الطريق الجديد ممهدا ولا السير عليه مثاليا لكنه كان إجباريا وبديله مخيفا.

بافتراض أن الطرف الآخر حسم الصراع فما الذى كان يمكن أن يحدث؟

هل كان هناك احتمال ما لاحترام أية قواعد ديمقراطية فى بنية النظام السياسى أو أية اعتبارات قانونية تحول دون الزج بمعارضيه فى السجون وفق القوائم السوداء التى أعلنت من فوق منصة «رابعة العدوية»؟

وهل كان هناك احتمال آخر يمنع تقويض الدولة واختراق مؤسستها العسكرية وأخونة الشرطة والمضى فى مشروع التمكين إلى نهايته والتحول إلى إمارة تخضع لتوجيهات المرشد العام بغير سند له صلة بالعصر وقيمه الديمقراطية؟

أية إجابات جدية تنظر فى الوقائع تفضى إلى حقيقتين على قدر كبير من التماسك. الأولى أن رهان الجماعة يناقض الديمقراطية من جذورها ويناهض الدولة فى وجودها ويدفع المجتمع كله قرونا إلى الوراء.. والثانية أن ما جرى فى (٣٠) يونيو وما بعده أنقذ البلد كله من مصير دول عربية مجاورة وأن تدخل الجيش كان محتما.

رغم أية عثرات ومطبات فإننا أفلتنا من مصير كارثى ومضينا على طريق آخر تداخلت فى مسيرته مشاعر قلقة بين الآمال العالية والمخاوف الضاغطة.

عند منتصف الطريق بالقرب من حسم الانتخابات الرئاسية فإن نتائجها ليست موضوع القلق العام وإنما ما بعدها.

هناك تساؤلات تبحث عن إجاباتها وقلق عام يبحث عما يطمئنه أننا ماضون بسلام إلى نهاية الطريق الوعر.

لا تفى خريطة المستقبل بإجابات تطمئن على سلامة السير، فقد حددت الخطوات الإجرائية للانتقال إلى نظام جديد لكن طبيعة التحول ومدى اتساقه مع الأسباب التى استدعت ثورتين قضية أخرى.

عند منتصف الطريق بين مشروع عودة الدولة إلى عافيتها ومهامها وتأسيس نظام جديد تعترض الرئاسة المقبلة تساؤلات قلقة عن خياراتها الرئيسية.

فى الحاجة إلى ما يطمئن فإن السؤال الملح: «هل هناك أمل؟».. وفى الأغلب فإن من يطرحونه ينتظرون إجابة مختصرة تؤكد ما يودون الاستماع إليه.

الحديث عن الأمل قد يغوى بالإنشاء السياسى ودعوة المصريين للصبر والاحتمال دون أن يكون هناك ما هو ملموس فى أن الأحوال سوف تتحسن بمدى منظور.

الحوار العام الذى قد توفره الانتخابات الرئاسية فرصة لتأسيس ما بعدها وإسناد شرعية إضافية من التوافق الوطنى على الخيارات الكبرى فى النصف الثانى من الطريق.

هناك تحديان رئيسيان، الأول تحدى تنظيمات العنف والإرهاب التى تحاول منع الحركة من أن تمضى قدما بأمل إعادة الزمن إلى سلطة فقدتها جماعة لم تصنها.. والثانى تحدى جماعات المصالح التى تحاول حرف اتجاه الحركة إلى نظام أسقطه شعبه.

فى التحدى الأول فإن القضية تتجاوز المواجهة الأمنية إلى ضرورات بناء مشروع وطنى جديد يلتزم بمقتضيات الدولة الحديثة فى الفصل بين السلطات وعدم تغول السلطة التنفيذية على أعمال القضاء وعودة الجيش إلى مهامه الطبيعية فى حفظ الأمن القومى وصون الحريات العامة وحقوق المواطنين المنصوص عليها دستوريا وحفظ العدالة الاجتماعية وأن تكون السياسة الخارجية جزءا من العمل الوطنى الداخلى، فالمأثور السياسى من أن السياسة الخارجية انعكاس للسياسة الداخلية فات زمنه وتجاوزه عالمه.

المشروع الوطنى مسألة توافق عام وتأكيد شرعية وضمانة مؤكدة لتماسك الظهير الشعبى فى مواجهة الإرهاب وتنظيماته ومن يقفون وراءها تخطيطا وتمويلا.

وفى التحدى الثانى فإن منع أى زواج محتمل بين السلطة الجديدة ورأسمالية «مبارك» مسألة شرعية أخرى. وهذه تتعلق بنزاهة السلطة الجديدة والثقة العامة فيها واستعداد المواطنين العاديين لتحمل جديد وهم يرون الانحيازات أمامهم واضحة ومعلنة.

بصورة أو أخرى فإن الذين تحملوا أعباء وضغوط النصف الأول من الطريق لابد أن يتساءلوا عن طبيعة نصفه الثانى وخياراته الرئيسية.

بافتراض أن سياسات «ترشيد الدعم» و«تحريك الأسعار» حُملت فواتيرها على الفئات الأكثر فقرا وعوزا وارتفعت الأسعار فوق أى طاقة تحمل فما الذى سوف يحدث فى المناطق الشعبية التى واجهت عنف تظاهرات الجماعة؟

قد نجد أنفسنا أمام وضع جديد يقلب الموازين كلها.

الرجوع إلى الخلف خرافة تفضى رهاناتها إلى اضطرابات جديدة قد تقوض أى نظام مقبل. وهذا احتمال لا يحتمله بلد منهك يقف بالكاد على قدميه.

بمعنى آخر فإن قضية الانحيازات الاجتماعية من الضمانات السياسية والأمنية لمستقبل النظام، فلا مستقبل بلا عدل وللإحباط الاجتماعى أثمان أمنية.

سؤال المستقبل هو موضوع القلق العام ولمشاعر الإحباط مصادر أخرى.

فى أزمة الأجيال الجديدة قنابل موقوتة فالصدام مع المستقبل خسارة مؤكدة ومجافاة الديمقراطية مشروع انتحار سياسى. لم يعد ممكنا حكم مصر بالوسائل القديمة وإن لم يتمكن النظام الجديد من أن يؤسس نفسه على توازن سياسى وقواعد دستورية لممارسة السلطة فإن شرعيته سوف توضع سريعا بين قوسين كبيرين.

الناس تطلب الأمن لا تغوله وتطلب عودة الدولة بشرط عدالتها.. وفى الكلام العشوائى عن حزب سلطة جديد مشروع انتحار سياسى آخر، فالشرعية لا تصطنع بأحزاب على النحو القديم وإنما ببناء دولة مؤسسات حديثة وإتاحة الفرصة لنضج تدريجى للحياة الحزبية.

الاستخفاف بالأحزاب استخفاف بالديمقراطية فى الوقت نفسه.

يكاد يكون مستحيلا قبول العودة إلى الخلف وتقبل نظام يعيش على أجهزة سياسية اصطناعية.

المصريون اختلفوا عما كانوا عليه من قبل وتجربة الثلاث سنوات أنضجت الوعى العام بصورة غير مسبوقة.

إن لم يكن هناك توازن سياسى يساعد عليه قانون الانتخابات النيابية المقبل فإن اللعبة كلها معرضة لتآكل بنيتها وقواعدها.

الشرعية لا تمنح مرة واحدة وينتهى الأمر. فى كل يوم معركة شرعية جديدة تعكسها سياسات تؤمن بالرضا العام والتماسك الاجتماعى.

فى منتصف الطريق بالقرب من حسم الانتخابات الرئاسية فإن أزماته لا تحلحلها النوايا الحسنة وحدها.

هناك فارق جوهرى بين أن يستند القادم الجديد إلى مشروع وطنى يلهم وقاعدة شعبية لا تنال منها السيولة السياسية التى هى من طبيعة التحولات الحادة وبين أن يصعد إلى منصبه كخيار فرضته الضرورة فى حدها الأدنى.

الفارق بين الخيارين هو ذاته الفارق بين رجل اللحظة ورجل التاريخ وهو وحده من يحدد مكانته.