البنوك المركزية مهددة بفقدان ميزة علاماتها التجارية - محمد العريان - بوابة الشروق
الأربعاء 8 يناير 2025 9:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البنوك المركزية مهددة بفقدان ميزة علاماتها التجارية

نشر فى : الجمعة 7 يونيو 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 7 يونيو 2013 - 4:23 م

«العلامات التجارية» للبنوك المركزية الحديثة بدأت فى الولايات المتحدة فى أوائل الثمانينيات فى عهد بول فولكر رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياط الفيدرالى، ففى مواجهة التضخم المرتفع بشكل يدعو للقلق، أعلن فولكر الحرب ضده وكسبها.


وعندما نجح فى خفض التضخم لفترة طويلة فإنه فعل ما هو أكثر من التوقعات الاقتصادية، فقد حسن كذلك موقف بنك الاحتياط الفيدرالى بين الجمهور العام، وصورته فى الأسواق المالية وفى الدوائر السياسية.

 

وقد أعطى انتصار فولكر صبغة مؤسسية للتشريعات والممارسات التى منحت البنوك المركزية حكما ذاتيّا، وفى بعض الحالات استقلالا رسميّا عن القيود السياسية التى طال أمدها.

 

ويرى كثيرون أن البنوك المركزية الآن ترمز إلى المصداقية والسلطة المسئولة، والأمر ببساطة هو أنه يمكن الوثوق بأنها تفعل الصواب، وقد أوفت بذلك. وكما سيقول لك أى مدير شركة، فإن العلامة التجارية يمكن أن تكون محركا مهما للسلوك، فالعلامة التجارية فى جوهرها وعد، والعلامات التجارية القوية تفى بوعودها باستمرار.

 

غير أن ذلك يكون بناء على الجودة أو السعر أو الخبرة، وفى بعض الحالات، يكون معروفا أن العملاء سوف يتصرفون بناء على قوة العلامة التجارية وحدها، بل ويشترون المنتَج بمعرفة محدودة نسبيّا عنه.

 

الواقع أن العلامات التجارية تيسر المهمة القائمة، ففى بعض الحالات الخاصة، مثل أبل وبيركشاير هاثاواى وفيس بوك وجوجل، فإنها تعمل كمحفز مهم لتعديل السلوك.

 

وبناء على نجاح فولكر، استخدمت البنوك المركزية الغربية علاماتها التجارية للمساعدة فى الحفاظ على التضخم المنخفض والثابت، فهى بإعلانها عن عزمها احتواء ضغوط الأسعار، تغير توقعات التضخم، وبذلك تقنع الجمهور والحكومة فى المقام الأول بممارسة رفع الأثقال.

 

إلا أنه فى السنوات القليلة الماضية لم يكن خطر التضخم هو القضية، بل اضطرت البنوك المركزية الغربية لمواجهة فشل الأسواق والأنظمة المالية المتشظية، وآليات نقل السياسات النقدية المسدودة، والنمو البطىء فى الإنتاج والتوظيف. وعندما تواجه تحديات فى تقديم النتائج المرغوبة فإنها توسع سياساتها وعلاماتها التجارية فى المقام الأول.

 

يتضح هذا فى تأكيد البنوك المركزية الجرىء على الاتصال والتوجيه الآجل للسياسات، وقد استخدم الأمران على نحو أكثر اتساعا، بل بلغا أقصى حد ممكن لاستكمال التوسع غير التقليدى للميزانيات فى سياق مصائد السيولة.

 

والآن سوف يخبرك مديرو الشركات كذلك أن إدارة العلامات التجارية مسألة خادعة، فمن الصعب إلى حد كبير الحفاظ على العلامة التجارية أو التحكم فيها عندما يتجاوز الشعور الشعبى الحد.

 

هذا هو ما حدث لسهم أبل هذا العام. فكما أوضح جاى كاواساكى ببراعة، فى كتابه عن الشركة، فإن العلامة التجارية خلقت فى المقام الأول «سحرا»، وقناعة بأن أبل ليست فقط قادرة على الاستمرار فى الابتكار، بل أيضا درء جميع المنافسين، مما جعل المستثمرين يصلون بسعر سهم الشركة إلى ارتفاعات تصيب بالدوار.

 

فى مكان آخر فى كاليفورنيا، وجدت فيس بوك علامتها التجارية تغذى دعاية هائلة مبالغ فيها للطرح العام الأوَّلى للشركة، وبتشجيع من إثارة المستثمرين ومؤشرات الاكتتاب المفرط، رفع المكتتبون سعر الطرح العام الأوَّلى بشكل كبير عما كان قد سبق الحكم عليه بأنه معقول، وبإصدار الأسهم للجمهور بسعر متضخم قبل عام، جرى التعامل عليها فى البداية بشكل أعلى.

 

فى كلتا الحالتين، وفى حالات كثيرة أخرى، حققت قوة العلامة التجارية ما هو أكثر من قيادة سلوك الأسعار الذى جرى فصله عن الأساسيات؛ فقد سببت كذلك فى تجاوز خطير أضر العلامة التجارية عند نقضه فى وقت لاحق.

 

ومهما كانت قوة العلامات التجارية فهى لا يمكنها فصل التسعير بالكامل وللأبد عن الأساسيات. وبناء على ذلك، وعلى الرغم من الارتفاع الكبير فى الأسعار الذى وصل بالكثير من الأسهم الفردية إلى ارتفاعات قياسية، فإن أبل وفيس بوك يتم التعامل مع أسهمهما بنصف مستوياتهما القياسية تقريبا، ولم تعد هيمنتهما ونفوذهما غير موضع نقاش.

 

ينبغى أن تقضى البنوك المركزية بعض الوقت فى التفكير فى تلك التجارب، فقد شجع بعضها الأسواق بفاعلية على أن تصل بأسعار الكثير من الأصول المالية إلى مستويات لم تعد تضمنها الأساسيات، ووقف البعض الآخر يتفرج على نحو سلبى. والواقع أن رجال البنوك المركزية المتقاعدين فقط، مثل ميرفين كينج، محافظ بنك إنجلترا، هم الذين على استعداد لزيادة الاهتمامات بشكل علنى.

 

هذا السلوك يمكن فهمه، فرجال البنوك المركزية يأملون فى المقام الأول أن تتمكن الأسواق المالية التى ترتفع من تلقاء نفسها من المساعدة فى سحب الأساسيات لأعلى. وهذه الفكرة تقوم على أساس أن حركة الأسعار سوف تحرك كلا من «أثر الثروة» و«الأرواح الحيوانية»، وبالتالى تشجع المستهلكين على إنفاق المزيد والشركات على الاستثمار فى القدرة المستقبلية.

 

لتحسبونى من بين من يشعرون بالقلق بشأن هذا الوضع، فبعيدا إلى عالم السياسة المثالية، رجال البنوك المركزية تم إجبارهم على الاعتماد على مناهج غير مثالية، ومن موقع المراقبة المهنى الخاص بى، أشعر باحتمال متزايد لوقوع ضرر مصاحب ونتائج غير مقصودة.

 

إن إشارات السوق أكثر تشويها، حيث تغذى سوء تخصيص الموارد، ويراكم المستثمرون المزيد من المخاطر بالأسعار المرتفعة بشكل متزايد، إذ يفسح الاستثمار القائم على الأساسيات المجال للبحث المسعور عن صفقات نسبية فى عالم مالى مبالغ فى أسعاره على نحو كبير.

 

وسوف يكون لهذا كله أهمية كبيرة إذا كانت البنوك المركزية عند حسن الظن فيما يتعلق بسمعتها كمؤسسات مسئولة وقوية تفى بوعودها الاقتصادية، لكن إذا لم تكن كذلك وخاصة لأنها لن تحصل على الدعم المطلوب من الساسة وغيرهم من واضعى السياسات، فحينئذ سوف ينطوى الجانب السلبى على ما هو أكثر من مجرد نتائج مخيبة للآمال. إذ سوف تضر موقفها ضررا ماديّا، وبالتالى الفاعلية المستقبلية لموقفها السياسى.

 

البنوك المركزية تواجه فى الوقت الراهن مخاطر إدارة العلامة التجارية، فقد جعلت قدرتها الأولية على الوفاء بوعودها وتوقعاتها للأسواق المالية الحالية تصل بتسعير الاقتصاد الآجل إلى مستويات تتجاوز ما يمكن لرجال البنوك المركزية وحدهم تقديمه بشكل معقول.

 

ليس المعنى الضمنى هو أنه ينبغى على البنوك المركزية وقف نشاطها المفرط وإجراءاتها غير التقليدية، بل هو أنه ينبغى عليها أن تكون أكثر انفتاحا بكثير فيما يتعلق بالقيود الموروثة الخاصة بفاعلية سياساتها فى الظروف الراهنة.

 

ولابد أن تصبح البنوك المركزية أكثر حرية فى التعبير عن نفسها، ونأمل أن تكون أكثر إقناعا فى ممارسة الضغط على الساسة وغيرهم من واضعى السياسات، وإلا فإنها مهددة بإلحاق ضرر بالغ بالعلامة التجارية وسوف ينتهى بها الحال بإضافة بند آخر إلى لوحة تحديات مكتظة للجيل القادم.

محمد العريان محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين فى مؤسسة إليانز، وعضو لجنتها التنفيذية الدولية، وهو رئيس مجلس التنمية العالمية التابع للرئيس باراك أوباما. شغل سابقا منصب الرئيس التنفيذى والشريك الرئيسى التنفيذى للاستثمار فى شركة بيمكو.
التعليقات