الانتخابات الرئاسية.. وفرص تغيير المعادلة السياسية فى مصر - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 9:44 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الانتخابات الرئاسية.. وفرص تغيير المعادلة السياسية فى مصر

نشر فى : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 7 أكتوبر 2023 - 9:10 م
حتى وقت كتابة هذه السطور يبدو أننا أمام خمسة مرشحين ومرشحات محتملين ومحتملات لرئاسة الجمهورية بالإضافة إلى رئيس الجمهورية الذى أعلن فى نهاية مؤتمر «حكاية وطن» عزمه إعادة ترشيح نفسه فى الانتخابات التى تجرى فى ديسمبر القادم، وحتى تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات أسماء المرشحين النهائيين فى ٩ نوفمبر القادم، بعد انتهاء مرحلة التوكيلات وتأكد اللجنة من استيفاء المرشحين للشروط التى ينظمها الدستور والقانون وإعلان القائمة المبدئية وتلقى الاعتراضات والتظلمات والفصل فيها بما فيها إجراءات الطعن ــ إن وجد ــ أمام المحكمة الإدارية العليا، فإننا سنكون أمام قراءات أولية لفرص المرشحين نظرا لاحتمالات استبعاد أحدهم حتى ذلك التاريخ.
تسعى هذه السطور إلى تقديم قراءة واقعية لفرص هؤلاء المرشحين دون ذكر الأسماء أو الصفات فى محاولة للإجابة عن بعض الأسئلة المتلبسة أمام جمهور الناخبين والناخبات!
• • •
لنبدأ بالسؤال الأول والذى يتردد بكثرة بين المهتمين بالشأن العام، هل يمكن أن تسفر هذه الانتخابات عن تغيير الوضع القائم؟ هل يمكن أن ينجح أحد المرشحين المحتملين على حساب رئيس الجمهورية؟ أهمية هذا السؤال بالنسبة للبعض، هو إنه محدد لقرارهم بدعم أحد المرشحين المحتملين أو المشاركة فى العملية الانتخابية أو مقاطعتها من الأساس، على اعتبار أنه لو كانت الإجابة بالنفى، فإنهم لا يرون أهمية للانتخابات وبالتالى لا يفضلون المشاركة فيها!
الإجابة على هذا السؤال مركبة، فمن ناحية، لابد قبل الإجابة أن نحدد ما المقصود من الأصل بـ«تغيير الوضع القائم؟!»، إذا كان المقصود هو نجاح أحد المرشحين المحتملين على حساب رئيس الجمهورية الحالى فإن إجابتى على هذا السؤال هى بالنفى!
لا يبدو لى أن هناك احتمالات واقعية تشير لخسارة رئيس الجمهورية الحالى فى الانتخابات الرئاسية لأسباب كثيرة، سآتى لها لاحقا! أما إذا كان المقصود هو أن يتغير الوضع السياسى القائم بمعنى أن تتغير المعادلة السياسية على الأرض فيتمكن المرشحون المحتملون للرئاسة من الحصول على مكاسب أخرى بخلاف الفوز فى الانتخابات كأن يتمكنوا من بناء قواعد شعبية تعينهم فى الانتخابات الرئاسية القادمة أو تمكنهم من تحقيق عدد أكبر من المقاعد فى مجلسى النواب والشيوخ، فإن إجابتى هى بالإيجاب، بمعنى أن هذا احتمال قائم، ليس مؤكدا، ولكنه يظل ممكنا!
فى ظنى ــ ودون المصادرة على إجابة أحد ــ فإن المرشحين المحتملين يعلمون أن فرصهم فى الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية تتراوح بين أن تكون محدودة لمنعدمة، ولكن لا يعنى ذلك ــ على الأقل لبعضهم ــ أنهم يشاركون فى مسرحية! هم يؤمنون بأن السياسة فى النهاية هى عملية استغلال لكل الفرص الممكنة، وأنه فى ظل الظروف السياسية ومعادلة القوة القائمة الآن فإن الانتخابات الرئاسية هى فرصة للظهور فى الشأن العام، وتكوين روابط جماهيرية وبناء مساحات ثقة جديدة وحوار متصل مع أجهزة الدولة، وهى ثقة لابد منها فى ظل غياب الديموقراطية وفرص التعددية الحقيقية خلال السنوات العشر الماضية!
فى ظنى هذا تفكير مشروع ومن حق البعض أن يرى أنه، حتى لو لم يفز فإنه سيؤمن الحصول على بعض المكاسب، هذه هى السياسة! قطعا لا مكاسب مؤكدة، هذا مفهوم، ولكنها محاولة تظل فى رأيى مشروعة للغاية حتى لو لم تنجح!
• • •
هنا ننتقل إلى سؤال ثانٍ، وهو مرتبط بالسؤال الأول، أو هو فى الحقيقة جزء من الإجابة عليه، لماذا لا توجد احتمالات لفوز مرشح جديد بالانتخابات الرئاسية؟ الحقيقة أنه حتى فرص الوصول إلى جولة الإعادة فى هذه الانتخابات تظل شبه منعدمة، وهناك ثلاثة أسباب فى رأيى تقف كعقبة أمام فوز أى مرشح جديد فى هذه الانتخابات أو حتى الوصول إلى جولة الإعادة وهى على النحو التالى:
السبب الأول هو أن مرحلة «حياد مؤسسات الدولة» كمرحلة فى تطور سياسات الدول نحو الانتقال الديموقراطى لم تأتِ بعد فى الحالة المصرية! مازالت الثقافة الحاكمة للجهاز الإدارى والتنفيذى للدولة هو تأييد الرئيس القائم طالما أنه من داخل «دولاب» الدولة وممثلا لإحدى مؤسساتها القوية! هذا أمر يمكن رؤيته ببساطة فى الإعلام المصرى وجهاز الدولة الإدارى بخصوص الانتخابات الرئاسية الحالية، ثقافة دعم الرئيس هى الحاكمة ومسألة الوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين تظل غائبة عن مصر!
أما السبب الثانى فيتمثل فى أن فكرة «تبادل السلطة» وخاصة لو أن التبادل سيكون بين رئيس جمهورية قائم وبين مرشح من خارج مؤسسات الدولة ليست محبذة ولا ممكنة ليس فقط عند جهاز الدولة الإدارى ولكن حتى عند قطاعات معتبرة من المؤثرين على الرأى العام، بل وحتى مازالت لا تجد الفكرة الاستساغة لدى قطاع معتبر من المواطنين وخاصة مع خبرة عام ٢٠١٢ والتى كانت غير جيدة بالنسبة لقطاعات واسعة من المواطنين المصريين! ما زالت الثقافة تدفع الناس للاعتقاد بأن رئيسا من خارج مؤسسات الدولة القوية تعنى انعدام خبراته وعدم قدرته على إدارة الدولة وربما التصادم مع مؤسساتها كما حدث فى ٢٠١٢!
فيما يأتى السبب الثالث متعلقا بالخوف من عودة الجماعات الإسلامية أو تيارات الإسلام السياسى إلى الحكم مرة أخرى! صحيح أن أيا من المرشحين المحتملين لا يمكن ربطه بهذه الجماعات وأية محاولة لإحداث هذا الربط هى فى رأيى شديدة الإجحاف، ولكن يظل الخوف مسيطرا على بعض المواطنين المصريين من هذا الاحتمال! صحيح أن الخوف من عودة تيارات الإسلام السياسى للحكم قد قلت كثيرا مقارنة مثلا بمعدلاتها التقديرية فى ٢٠١٤ أو ٢٠١٨، ولكن مازال لها حجتها عند قطاع من المواطنين حتى اللحظة، الخوف من أن يأتى رئيس جديد من خارج المؤسسات فيكون بوابة لعودة تيارات الإسلام السياسى مازال يشكل خوفا عند البعض!
أما السبب الرابع فمتعلق بأداء المرشحين المحتملين، فحتى الآن لا تبدو أن هناك فرصة لتوحد التيارات السياسية المعارضة أو المستقلة خلف مرشح أو مرشحة واحدة وهو أمر لازم فى حين كانت هذه التيارات راغبة فى منافسة حقيقية على السلطة! فى تقديرى أن هذا التوحد غير ممكن الآن والقضية هنا ليست مجرد تفتيت الأصوات بين مرشحى المعارضة أو المستقلين، ولكنها تتعلق أيضا بضعف القدرات التنظيمية والتفاوضية لهذه التيارات وهو أمر واضح أمام الجماهير مما لا يجعل لها فرصا كبيرة للمنافسة لو ظلت أوضاعها كما هى دون تغيير!
• • •
وهنا تأتى محطة السؤال الأخير فى هذه المقالة، لو صحت فرضية المقالة بأن مصر لن تشهد رئيسا جديدا فى هذه الانتخابات، بل وأننا لن نذهب أصلا إلى مرحلة الإعادة لكل الأسباب المذكورة أعلاه، فما هو المطلوب من التيارات السياسية المعارضة والمستقلة بعد انتهاء هذه الانتخابات وفى الفترة القادمة والتى وبحسب الدستور المعدل فى ٢٠١٩ من المفترض أنها الأخيرة للرئيس الحالى؟
من حيث المبدأ، لا نعلم بعد إن كانت بالفعل ستكون الفترة الأخيرة، ولكن على أى حال علينا التعامل مع ظروف اللحظة الراهنة، والتى تقول إن أفضل ما يمكن للمعارضة المصرية تحقيقه هو الحصول على نسب معتبرة من الأصوات فى هذه الانتخابات، ومحاولة مواصلة السعى بعد انتهاء الانتخابات للحفاظ على بعض المكتسبات التى تحققت على الأرض كمواصلة الاحتفاظ بالقواعد الشعبية وتأمين أكبر نسب ممكنة من التمثيل فى البرلمان المصرى بغرفتيه، والحفاظ على الحوار المفتوح والثقة فى أجهزة الدولة للحفاظ على بعض المكتسبات، كملفات المساجين وحقوق الإنسان والمجتمع المدنى وغيرها، والسعى للمحافظة على الحدود التى وضعتها التعديلات الدستورية بخصوص الفترة الرئاسية القادمة باعتبارها الأخيرة للرئيس، والأهم من كل ذلك محاولة التنسيق للاتفاق على مرشح قادم لانتخابات ٢٠٢٩ يكون بمثابة مرشح وحيد للمعارضة وحركتها المدنية، فبدون هذه المحاولات سيكون من الصعب رؤية تغييرات حقيقة فى المعادلة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر